شهادة الروائي السوداني العالمي الطيب صالح لمصلحة البشير لها وزن خاص، فهو محايد سياسياً ومقبول محلياً وإقليمياً بل ودولياً. وقد أدلى بهذه الشهادة القيمة في آخر مقابلة بثها التلفزيون القومي قبيل رحيله، وهو في مرضه بلندن، حيث قال إنه في لقائه مع البشير بالخرطوم قد شعر أنه يحمل خصائص السوداني الأصيل، وزاد على ذلك بأن البشير هو الأصلح لقيادة السودان في هذه المرحلة. أما شهادة السيد الصادق المهدي، القائد السياسي المخضرم فقد أدلى بها أيام التراضي السياسي، حيث قال إنه لم يشعر في لقاءاته بالبشير بأي عجرفة أو عنجهية في شخصيته. وهذا يعني أن البشير يتسم بمعكوس العجرفة، والعنجهية، وهو التسامح والتواضع، وهما من خصائص الشخصية السودانية. فهناك إذن إجماع، أو شبه إجماع، من المجتمع المدني والمجتمع السياسي كليهما على الكاريزما، أو اللمعان والقبول السياسي الجاذب لشخصية البشير، ربما يعترف به حتى نخب المجتمع، ناهيك عن شعبيته الشاسعة الواسعة، جماهيرياً، كما تدل عليها لقاءاته الحاشدة المتكررة في سائر جهات السودان. وأتحدث هنا في إطار علم الاجتماع السياسي عن مكونات الشخصية السودانية التي يجسد البشير أحسن ما فيها، وليس كدعاية انتخابية موقوتة. هذه الروح التصالحية يشهد بها سائر القيادات السياسية التي قابلت البشير وبادلته تصالحاً بتصالح، ومنها السيد محمد عثمان الميرغني والأستاذ محمد إبراهيم نقد. وهذا الانطباع الأولي أتبعه البشير بسلوك عملي. فمن موقعه كرئيس للمؤتمر الوطني كان وراء دعوة سائر القيادات الحزبية إلى المؤتمر العام الأخير للحزب، وقد أعطى هذه القيادات الفرصة الواسعة لمخاطبة المؤتمر في الجلسة الختامية، فارتفعت مخاطباتها إلى الروح القومية التي سادت الجلسة حول هموم الوطن ولا زالت تلك الجلسة عالقة بذهني، حية في ذاكرتي من حيث أنها دلالة قوية على أن العقل الجمعي السوداني له نزوع طبيعي للتصالح والتسامح. وفي غضون مخاطبة البشير الختامية لذلك المؤتمر التاريخي كرر الثوابت الوطنية التي يمكن أن يحصل منها إجماع سياسي، مع إتاحة حرية الاختلاف حول الاجتهادات السياسية كمناهج عمل ووسائل أداء. وقد أشار بقوة إلى شرعية الحزب الشيوعي في العمل السياسي ضمنياً حين جعله يمثل طرف المعادلة السياسية، بينما يمثل جماعة أنصار السنة الطرف الآخر، وكأنه يضع الأحزاب الأخرى بما فيها المؤتمر الوطني كالوسط بين الطرفين. وعلق بقوله «هذا هو السودان» أي هذه خصائص السودان في التسامح والتصالح، وهو فخور بها. تلك كانت الوقائع الأساسية لتلك الجلسة التي نزلت برداً وسلاماً على حاضريها من سائر الألوان السياسية. والبشير كأنه يشير بتلك الخصائص السودانية الأصيلة ومنها التسامح والتصالح، وهو يعلنها حيثما ذهب إلى أية جهة من جهات السودان الخمس: الشمال والجنوب والغرب والشرق والوسط. وآخر هذه اللقاءات الجماهيرية المفتوحة كان بمدينة يامبيو، في أقصى الجنوب، احتفالاً بأعياد السلام، حيث كرر فيها عمله على خيار الوحدة، مع الإقرار بحرية الجنوبيين في الاختيار بين الوحدة والانفصال، وحتى خيار الانفصال هو يرحب به، معلناً أن السودان سيكون أول دولة تعترف به، حيث ستكون العلاقات بين البلدين الجديدين أفضل العلامات بين بلدين جارين تربطهما الأواصر التاريخية الموروثة، مشدداً على طي صفحة الحرب بين الشمال والجنوب إلى الأبد، وذلك مما صادف تأييداً واسعاً بين الحاضرين المحتشدين للترحيب به، لا كتعبير عن الرغبة في الانفصال، وإنما لتقبل هذه الروح التصالحية التسامحية التي اتسمت بها مخاطبته الحارة. أما الشجاعة الجسدية والفكرية التي هي من مقومات الشخصية السودانية فقد ضرب بها البشير مثلاً يُحتذى ويُقتدى به، سواء للشيوخ أو للشباب من أبناء هذا الوطن. فقد زار ما يخطئه الحصر من مدن وقرى السودان، وهو يخاطب جماهيرها الحاشدة في ساحات مكشوفة ومن منصات عالية، وليس من القاعات المغلقة الحصينة التي لا يترك القائمون عليها أية ثغرة أمنية. وحتى مدن دارفور، وفي ذروة النزاع المسلح، حيث تصنف عالمياً كمناطق خطرة، كان البشير يخاطبها وكأنه بين عشيرته، فيلتقي مع أهلها لقاءً حميمياً مباشراً. وقد يقال إن ذلك من طبيعة الشعب السوداني التي لا تعرف الغدر أو الغيلة، وهو صحيح، والصحيح أيضاً هو أن البشير يتجاوب مع هذا النزوع الأصيل للمسالمة، بنزوع أصيل للشجاعة. ثم أن شعبية البشير ليس من فراغ، وإنما وراءها رصيد هائل من المكاسب الذي حققها لهذا الجيل، وللأجيال القادمة، بآثارها الممتدة. وخصائص رجل الدولة الدؤوب في خدمة شعبه، إذا التقت مع الروح التصالحية التسامحية، وامتزجت بالشجاعة الجسدية والفكرية، لم تفت على سلامة الفطرة التي يتمتع بها هذا الشعب، أن تبادله وفاءً بوفاء.. والله المستعان.