للسودان تجربة فذة في انتخابات الحكم الذاتي الاستقلال وتقرير المصير، تمثلت في انتخابات 1954م والتي بدأت بواكيرها نهايات 1953م بعيد اتفاقية تقرير المصير في القاهرة (فبراير 1952م)، وكانت المنافسة حادة وشريفة وتأريخية بين الحزبين الكبيرين حزب الأمة ومن خلفه الجبهة الاستقلالية بزعامة الإمام عبد الرحمن المهدي، حيث تكون حزب الأمة في طليعة الأحزاب السودانية في ذلك الوقت 1945م 1946م، برئاسة السيد الصديق المهدي، وزعامة الرمز الكبير أمينه العام الأميرالاي عبد الله بك خليل رئيس الوزراء فيما بعد، وكان الحزب وما يسنده من الجهات والقوى الاستقلالية ينادي بالاستقلال التام عن الشقيقة مصر، على أن تقوم أحسن وأطيب العلاقات بين القطرين الشقيقين بعد الاستقلال، وهذا ما دعا عبد الناصر بعد ذلك- وهو يوافق على اتفاقية الجلاء- أن يقول إن السودان الحر هو سند لمصر الحرية - وكان الموقف التاريخي العظيم لعبد الناصر أن تجلو القوات البريطانية من الخرطوم قبل جلائها من القاهرة، فتأمل عظمة وقيمة هذا الزعيم. والتيار الآخر في الحياة السياسية- وهو الذي تحقق الاستقلال على يديه باجماع الأصوات والآراء- كان الحزب الوطني الاتحادي بزعامة قائده الرمز التاريخ أحد آباء السودان الكبار الزعيم الخالد إسماعيل الأزهري، وكان الرجل بحق الزعامة الخالدة التي التفت حولها القوي الاتحادية عن بكرة أبيها منادية بشعار الاتحاة مع مصر، وبشعار وحدة وادي النيل- ولكن الأحداث أفضت إلى إعلان الاستقلال التام من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955م، فأصبح السودان- بحدوده التاريخية- من جوبا إلي نمولي إلى حلفا وأرقين.. ومن كتم إلى كسلا، دولة مستقلة ذات سيادة، عضواً في كافة المحافل والمنظمات الدولية، فهل نستطيع نحن الأبناء والأحفاد أن نحافظ على هذه الدولة كما حافظ عليها العظماء أباؤنا الأولون؟!..