تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا يدور خلف كواليس الحزب الاتحادي الديمقراطي(1)ا
نشر في الراكوبة يوم 13 - 02 - 2011


ماذا يدور خلف كواليس الحزب الاتحادي الديمقراطي(1)
الخطأ التأريخي هو اندماج الحزب الوطني الاتحادي مع حزب الشعب الديمقراطي
بقلم: الأمين جميل
كى نتعرف على مايدور خلف كواليس الحزب الإتحادى الديمقراطى لابد من أن ندلف إلى الخلفية التاريحية التى صاحبت نشأة الحزب وتطوره ووضعت بصماتها لتحديد المسار طوال تاريخ مشاركات الحزب فى عالم السياسة السودانية .
الحزب الاتحادي الديمقراطي هو نتاج إندماج الحزب الوطنى الإتحادى و حزب الشعب الديمقراطى. الحزب الوطنى الإتحادى إنبثق من مؤتمر الخريجين حاملاً تطلعات و آمال المثقفين و واعداًً جماهير الشعب السودانى النهوض بها من دائرة التخلف و الجهل و التبعيه. وتم الاعلان عنه بعد توحيد الاحزاب الاتحادية في 2نوفمبر 1952 و قابل الشعب السوداني إعلان تكوين الحزب الوطني الاتحادي بفرحة ملؤها الأمل و التفاؤل بالمستقبل و انضمت إلى عضويته فئات متعددة و قطاعات كثيرة مختلفة كما أعلنت اللجنة الستينية لمؤتمر الخريجين في 13 نوفمبر 1952 دمج المؤتمر فيه.
و من أهداف الحزب :
إنهاء الوضع القائم انذاك ، و جلاء الاستعمار الأجنبي ، و قيام حكومة سودانية ديمقراطية في إتحاد مع مصر . على أن تحدد قواعد هذا الإتحاد بعد تقرير المصير .
إنهاض السودان بكامل حدوده الجغرافية – حينها– اقتصاديا و ثقافيا و اجتماعيا مع بذل عناية خاصة بالجنوب و المناطق الريفية النائية ، و تنمية موارد البلاد لإسعاد أهلها ، و كفالة الحقوق الإنسانية ، و تحقيق العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب دون تميز عنصري أو ديني أو طائفي .
استطاع الحزب تشكيل اول حكومة وطنية برئاسة الزعيم اسماعيل الازهري بعد فوزه في انتخابات 1953 و التي قال فيها الشعب كلمته واضحة و فاصلة ، أولى فيها ثقته للحزب الوطني الاتحادي و حمله آماله الوطنية و تطلعاته بالحرية و الحياة الكريمة ، ففازب51 دائرة في دوائر مجلس النواب البالغة عددها 97 دائرة ، و بثلاثة دوائر من الدوائر الخمسة المخصصة للخريجين . كما فاز بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ .
و كانت مهام حكومة المنبثقة تنحصر في :
1- سودنة الوظائف . 2 تحقيق الجلاء . 3 تقرير المصير .
رغم التحديات الداخلية الصعبة ، فقد كانت الحكومة تراقب ما يدور في العالم الخارجي ، الذي هبت عليه رياح التغيير و تعاظم فيه المد الثوري ، و أصبح يمور بحركات التحرير و بدول حديثة الاستقلال تخشى عودة الاستعمار و تسعى جاهدة للحفاظ على كيانها و وجودها ، فجاءها من إندونيسيا النداء للتضامن و التلاحم و لباه قادة الأمم الحرة من آسيا ، و أوروبا ، و إفريقيا ، فكان مؤتمر باندّونج في 2441955بقيادة سوكارنو ، و ناصر ، و تيتو ، و نهرو ، و الأزهري رئيس وزراء حكومة السودان الفتية و الذي شارك رغم اعتراض عبدالناصر على ذلك . و نجح المؤتمرون في تأسيس مؤتمر دول عدم الانحياز كقوة دولية ثالثة غير منتمية لا لليمين الغربي و لا لليسار الشرقي .
لا بد هنا من الاشارة الى التحول الاسترتيجي الذي حدث في فكر و اهداف الوطني الاتحادي فقد دفعته الوقائع لتغير رؤيته من الاتحاد مع مصر فنتيجة للأوضاع الداخلية المتردية في مصر هبت فئة من ضباط الجيش المصري في 23 يوليو 1952 و تسلمت مقاليد السلطة بقيادة اللواء محمد نجيب الذي استهل عهده بتحجيم الدور البريطاني في السودان ، وبنى إستراتيجيته على نقطتين ، الأولى ، الحوار المباشر مع كل الأحزاب السودانية ، فدعاهم جميعا إلى القاهرة ، و كان وفد حزب الأمة و الجبهة الاستقلالية أول من وصل و تبعتهم بقية الأحزاب . و في 12 أكتوبر 1952 أعلن محمد نجيب حق السودانيين في تقرير مصيرهم بحرية تامة ، إما باستقلالهم أو بقبول نوع من المشاركة مع مصر . لم يجد البريطانيون مفرا غير التوقيع في 12 فبراير 1953 على وثيقة إتفاقية الحكم الذاتي و تقرير المصير .
النقطة الثانية ، في إستراتيجية نجيب ، هي توحيد الأحزاب الإتحادية في حزب واحد و قد نجح في ذلك بمساعدة عضو مجلس قيادة الثورة المصرية و المسؤول عن ملف السودان الصاغ صلاح سالم .
اكتسب محمد نجيب حبا في قلوب السودانيين فقد درس و عمل في السودان لذلك عندما عزله مجلس قيادة الثورة المصرية خلق ذلك اسى في قلوب الشعب السوداني و ريبة في نوايا الثورة المصرية و ازدادت شقة الخلاف بين الحزب الوطني الاتحادي و قادة الحكم في مصر الذين التزموا بالنظام الشمولي المتناقض مع مبدأ الديمقراطية التي يؤمن بها الحزب الوطني الاتحادي و بسياسة عبدالناصر القاسية تجاه الاخوان المسلمين و موقفه العدائي لوفد السودان في مؤتمر باندونج و قيام السلطات المصرية باعتقال السيد خضر حمد قطب الحزب الوطني الاتحادي في القاهرة لانه كان يحمل في حقيبته قصيدة الاستاذ احمد محمد صالح و التي يقول في مطلعها :
ما كنت غدارا و لا خوانا كلا و لم تك يا نجيب جبانا
يا صاحب القلب الكبير تحية من أمة أوليتها احسانا
و عند عودته أثار السيد خضر حمد مسألة مياه النيل و تقدر المياه المشتركة بين السودان و مصر ب52 مليار متر مكعب نصت اتفاقية 1929 على منح السودان 4مليار متر مكعب فقط مقابل 48 مليار متر مكعب لمصر و تبنى فيما بعد حزب الامة هذه المسألة .
هذه المواقف أدت بالحزب الوطني الاتحادي لاعادة تفكيره في مبدأ الوحدة مع مصر ورجح قادته و اقطابه فكرة الاستقلال و أصبحوا يرسخونها في ذهن الشعب.
هذا ، فقد كانت الحكومة تواجه العديد من المهام الوطنية العظيمة المتداخلة و المتشابكة ، التي واجهتها بحماس و صدق ، و كان من الطبيعي أن تختلف فيها الآراء و تتضارب وجهات النظر ، فاتخذ ثلاثة من الوزراء ، ميرغني حمزة ، خلف الله خالد ، و أحمد جلي ، موقفاً متشدداً متطرفا إذ أعلنوا انسلاخهم عن الحزب و كونوا حزب الاستقلال الجمهوري في الثاني من يناير 1955 ، بمباركة السيد علي الميرغني .
أزعجت النجاحات المتتالية للحكومة ، على الصعيدين الداخلي و الخارجي ، المعارضة بقيادة حزب الأمة و المنشقين من الوطني الاتحادي فعمدوا لإسقاط الميزانية في قراءتها الثانية ، حدث ذلك في غياب الرئيس الذي كان في محطة السكة حديد يشاهد رحيل أخر جندي بريطاني من ارض الوطن و عند عودته قدم رئيس الوزراء إسماعيل الأزهري استقالة حكومته في 16 نوفمبر 1955 . إلاّ أن مجلس النواب أعاد ترشيحه لرئاسة الحكومة الجديدة .
أنجزت حكومتيّ الوطني الاتحادي المهام الوطنية ،حسب جدولها الزمني ، بإرادة وطنية قوية و عزيمة تعلو فوق الصعاب ، فتمت السودنة و تم جلاء قوات دولتي الحكم الثنائي . و أصبح عليها العمل لتقرير المصير .
وانطلاقاً من مبدأ الديمقراطية ، قرر الرئيس إسماعيل الأزهري زيارة الأقاليم ، لاستقراء الرأي العام .
بدأ الرئيس زياراته بأرض البطانة ، إثر الدعوة الكريمة التي تلقاها من زعيم الشكرية ، الشيخ محمد أحمد أبوسن ، و علي طول الطريق خرجت جماهير الجزيرة لاستقبال أول رئيس حكومة وطنية في سعادة و فرح غامر ، فقرعوا الطبول و نحروا الذبائح و هتفوا بحياته ، لكن ما ميز استقبالاتهم هو هتافهم الداوي بالاستقلال . ثم زار الجنينة و الفاشر و الابيض كما زار مدن الشمالية و قوبل بالترحاب و الهتافات التي تطالب بالاستقلال وسرت فكرة الاستقلال و انتشرت في كل مدن السودان و بواديه . و عند عودته من زيارة الأقاليم ، دعا السيد الرئيس أقطاب و أعضاء الحزب لاجتماع عُقد بدار الخريجين ، أطلعهم فيه على نتائج زياراته و طرح فكرة إعلان الاستقلال التام بدلا عن الاستفتاء الذي نصت عليه الاتفاقية . تم نقاش الفكرة في مناخ ديمقراطي معافى و تبودلت الآراء بحرية و مسئولية وطنية ، و أقر المجتمعون اقتراح الاستقلال بالأغلبية ، بينما أصر الذين أرادوا الاستقلال في إتحاد مع مصر على تسجيل أسمائهم للتأريخ ، و هم :
عقيل أحمد عقيل ، محمد أمين حسين ، أحمد السيد حمد ، د. عبد الوهاب زين العابدين ، محمد نور الدين ، محي الدين صابر ، إبراهيم المحلاوي .
سبقت هذا القرار إرهاصات متناثرة هنا و هناك عن التحول نحو الاستقلال ، و كأنها بالونات تطلق لاختبار الرأي العام ، ففي عشية انفصال ميرغني حمزة ، و خلف الله خالد ، و أحمد جلي ، قال الرئيس إسماعيل الأزهري \" إن الذين يحكموكم اليوم لن يسلموكم لا للمصرين و لا للبريطانيين \" ، و في مؤتمر باندونج صرح بأن \" السودان يسير نحو الاستقلال \" . ثم جاءت هتافات جماهير الجزيرة ، و الغرب و بقية الأقاليم ، المطالبة بالاستقلال ، معبرة عن أماني و تطلعات الشعب و مرجحة لما يعتمل في ذهن القادة .
طرح الرئيس إسماعيل الأزهري قرار الحزب على مجلس الوزراء الذي أوصى بإرسال وفد إلى القاهرة لإطلاع الحكومة المصرية بالقرار. غادر الوفد الخرطوم ، و في القاهرة التقى بالرئيس جمال عبد الناصر الذي أظهر تفهما للموقف الوطني السوداني و قال مخاطبا الوفد \" لو كنت مكانكم لاخترت الاستقلال \" .
و في الخرطوم اجتمع وفد ضمّ ، يحي الفضلى ، و علي حامد ، و حسن عوض الله ، بممثل الحكومة المصرية في لجنة الحاكم العام حسين ذو الفقار ، فلم يجدوا منه تفهم ناصر ولا مرونة الدبلوماسية المصرية ، بل وجه لهم إنذارا ترك آثاره على تأريخ السودان السياسي ، إذ واجههم بقوله \" إذا تمّ إعلان الاستقلال فإن همّ مصر سيكون مناهضة الحزب الوطني الاتحادي حتى يفقد أغلبيته \" . و قد نفذ وعيده كما سنرى لاحقا .
بعزيمة و إصرار شديدين استمر الحزب الوطني الاتحادي ، بقيادة إسماعيل الأزهري ، يعمل من أجل تحقيق الاستقلال، و توج هذا الجهد عندما عقد مجلس النواب جلسة تاريخية في يوم الاثنين ، الموافق التاسع عشر من ديسمبر 1955 ، و أجاز بالإجماع اقتراحاً بإعلان السودان دولة مستقلة ، وهذا نصه : \" نحن أعضاء مجلس النواب في البرلمان مجتمعاً نعلن باسم شعب السودان أن السودان أصبح دولة مستقلة كاملة السيادة و نرجو من معاليكم ( مخاطبا الحاكم العام ) أن تطلبوا من دولتيّ الحكم الثنائي الاعتراف بهذا الإعلان فوراً \" .
كما أجاز المجلس اقتراحين آخرين ، ينص الأول على قيام مجلس من خمسة أعضاء منتخبين يقومون بمهام رأس الدولة و يمارسون السلطات بموجب أحكام دستور مؤقت ، حتى يتم انتخاب رأس الدولة بمقتضى أحكام الدستور النهائي . أما الاقتراح الثاني فينص على قيام جمعية تأسيسية منتخبة لإقرار الدستور النهائي و قانون الانتخابات للبرلمان المقبل .
كان قرار الاستقلال من داخل البرلمان ، من القرارات الفريدة و النادرة في تأريخ العالم السياسي و التي تتطلب حكمة و عبقرية سياسية فائقة ، ونجح الأزهري و رفاقه في ذلك فصعق البريطانيون و تفاجأ المصريون و ذهل حزب الأمة و أتباعه.
عقد مجلس النواب جلسة تاريخية أخرى ، تحمل الرقم 53 ، في أول يناير 1956 في مستهلها وقف السيد إسماعيل الأزهري ، رئيس الحزب الوطني الاتحادي و رئيس الوزراء ، شامخا كالطود تشع من سيماه عزة أهل الشمال ، و كبرياء أهل الجنوب ، و كرامة أهل الغرب ، و نخوة أهل الشرق و بصوت عال واضح النبرات ، أعلن موافقة حكومتيّ الحكم الثنائي على استقلال السودان ، و خرج ليقود موكب الحرية و الكرامة ، متجها صوب سرايا الحاكم العام ، يسير وئيد الخطى و هو يحمل تحديات و همّ المستقبل ، حثيثها يمشي طربا كلما فكر في جلال اللحظة و خلودها ، و يتقدم الصفوف خلفه السيد عبد الرحمن المهدي ، والسيد علي الميرغني ، و زعماء و مشايخ القبائل ، و كبار رجالات الدولة ، بينما اصطفت الجماهير السعيدة على جانبيّ الطريق .
في ساحة السرايا و قف الرئيس إسماعيل الأزهري ، بالقرب من سارية السرايا ، و كما يقضي البروتوكول وقف إلى جانبه زعيم المعارضة ، محمد أحمد محجوب ، و أنزل علميّ دولتيّ الحكم الثنائي ، و ببطء وسط ترقب الملايين و خفقان قلوبها رفع الزعيم الأزهري علم الاستقلال بألوانه الثلاثة ، التي ترمز لوحدة الوطن الجغرافية ، الأزرق في الأعلى رمزا للنيل ، و الأصفر في الوسط رمزا للصحراء ، يليه الأخضر رمزا للزرع . رفرف علم الاستقلال معلنا ميلاد الأمة الفتية ، و إنثال عبير الحرية عبر مليون ميل مربع هي مساحة الدولة الجديدة ، غنى الأطفال ، و زغردت النساء و رقص الرجال فرحا ، و داعبت مخيلة الشعب الأحلام الوردية بمستقبل زاهر، و ارتفعت الهامات فخرا بتبوء السودان مكانه المرموق بين الدول المستقلة .
اشرقت شمس الحرية على السودان المستقل ، و بدأت حكومة الوطني الاتحادي تدرس و تخطط لبناء السودان الحديث ، لكن كان المتربصون بها و بالحركة الوطنية كثر ، و تحرك حسين ذو الفقار لينفذ وعيده فقرب وجهات النظر بين السيد علي الميرغني و السيد عبدالرحمن المهدي فاصدرا بيانا مشتركا طالبا فيه بقيام حكومة وطنية ، و لتوحيد الصف الوطني و اشراكه في معركة البناء و التعمير ، و رغم اغلبيته البرلمانية استجاب الزعيم الازهري لطلب السيدين و في الثاني من فبراير 1956 شكل الازهري الحكومة الوطنية من ( اسماعيل الازهري رئيسا للوزراء ، مبارك زروق للخارجية و العدل ، حماد توفيق للمواصلات ، عبد الله خليل للدفاع و الاشغال ، زياده عثمان ارباب للشئون الاجتماعية ، محمد نورالدين للحكومات المحلية ، بنجامين لوكي للثروة المعدنية ، استانسلاوس بياسما للنقل الميكانيكي، ابراهيم احمد المالية و الاقتصاد ، ميرغني حمزه للزراعة و الري ، يوسف العجب وزير دولة. )
و على صعيد أخر ، تطور الخلاف و تصاعدت حدته بين الحزب الوطني الاتحادي و الختمية و بعد ان كان الختمية جزءا هاما من الحزب الوطني الاتحادي آثروا تكوين حزب خاص بهم وذلك بمباركة السيد علي الميرغني ، و سمي بحزب الشعب الديمقراطي و اعلن عنه في 28 يونيو 1956 برئاسة الشيخ علي عبدالرحمن و سكرتارية محمد نور الدين و ضم كلا من السادة احمد السيد حمد ، محمد عبدالجواد ، حماد توفيق ، محمد أمين حسين ، عقيل احمد عقيل ، ميرغني حمزه ، الدرديري احمد اسماعيل ، احمد جلي ، خلف الله خالد
وضع حزب الشعب ثقله البرلماني تحت امرة حزب الامة ، و صوت نوابه في الرابع من يوليو 56 الى جانب نواب حزب الامة لحجب الثقة من حكومة الازهري التي يشاركان فيها ، و انتخب سكرتير حزب الامه عبدالله خليل بك رئيسا للوزراء و شكل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الديمقراطي .
وصل حزب الامة للحكم نتيجة لخلافات الوطني الاتحادي و حزب الشعب الديمقراطي ، فسعى منذ اليوم الاول الذي تولى فيه سكرتيره عبد الله خليل رئاسة الوزراء الى تطويق التيار الوطني الديمقراطي و عمل بكل جهده مع القوى الاستعمارية لتحجيم دور السودان القومي فعندما خرجت جماهير الشعب السوداني في العاصمة و الاقاليم في مظاهرات صاخبة منددة بالعدوان الثلاثي اسرائيل ، بريطانيا ، فرنسا على مصر في 29 31 اكتوبر 1956 ، اعلن عبدالله خليل حالة الطوارئ و امتنع عن ارسال قوة سودانية الى بورسعيد كما سعى للانضمام لحلف بغداد الذي يضم العراق ،تركيا ، ايران و بريطانيا .
اراد عبدالله خليل احكام قبضته على الحكم ، فحل البرلمان في 30يونيو 57 ، و لضمان كسبه اغلبية برلمانية اعاد تقسيم الدوائر الانتخابية بما يتناسب وثقل حزبه ، و جرت الانتخابات في 27فبراير 58 فصوت لحزب الامة 310019 ناخبا أهلته للفوز ب61 مقعدا برلمانيا بينما صوت للحزب الوطني الاتحادي 340410 ناخبا اهلته للفوز ب45 مقعدا برلمانيا فقط، اما حزب الشعب الديمقراطي فقد فاز في 27 دائرة انتخابية و فازت الكتلة الجنوبية ب37 مقعدا برلمانيا .
هذا، فقد تمادى حزب الشعب الديمقراطي في الخطأ فاستمر في تحالفه مع حزب الامة و شكلا معا ما عرف في التاريخ بحكومة السيدين الثانية و ترأسها عبدالله خليل الذي بادر في تنفيذ مخططاته فصعد مشكلة حلايب و ذهب بها للامم المتحدة و تبنى مشكلة تقسيم المياه و نتيجة لسياسات حكومته تدهور الوضع الاقتصادي و تسبب في هبوط حاد لرصيد الدولة من العملة الحرة عندها رأت الامبريالية الامريكية أن الوقت اضحى مناسبا لتثبيت اقدامها في السودان فامتدت يدها لمساعدة حليفها بمشروع معونة مدعوم بكل الشروط الاستعمارية .هنا شعر السيد محمد عثمان الميرغني بضرورة التدخل لمصلحة الوطن و قدمها على مصلحة عائلته فأصدر مذكرته الشهيرة و التى نشرت فى جريدة الأيام فى18 فبراير 1958 و التي اقترح فيها ابتعاد أسرة السيدين من السياسة لمدة عامين لغرض ترتيب البيت من الداخل لكن سرعان ما قمع .
رفص الحزب الوطني الاتحادي مشروع المعونة ، و انتظمت الجماهير في مظاهرات صاخبة رافضة لمشروع المعونة هانفة بسقوط عبدالله خليل و حلفاءه الامريكان ، و للتنسيق مع احزاب المعارضة عقد الحزب الاتحادي الديمقراطي في 30 يونيو 58 اجتماعا ضم حزب الاحرار الجنوبي و الجبهة المعارضة للاستعمار ، و ايدهم المحامون الذين اصدروا بيانا شجبوا فيه مشروع المعونة الامريكية و ادانوا سعي حزب الامة الرامي لربط الوطن بالامبريالية العالمية.
ظل نواب حزب الشعب الديمقراطي يتأرجحون ما بين الرفض و القبول للمعونة دون اعلان موقف موحد الى ان خرج السيد علي من صمته فطلب من نواب حزبه القبول بالمعونة ، ذهل الوطنيون منهم و خلق القرار بعض التذمر الذي ادى لخروج بعض الختمية من طاعة السيد علي للمرة الاولي ، ففي الجلسة التي عقدها البرلمان في 13758 تمت الموافقة على المعونة و صوت ضد القرار من حزب الشعب السيد ابو امنة من دوائر بورتسودان و امتنع عن التصويت كل من احمد السيد حمد و محمد زيادة المحامي .
أدى الموقف الصلب للحزب الوطني الاتحادي لمؤازرة القوة الوطنية له و التفاف جماهير الشعب حوله و شعر عبدالله خليل بأن الحبل قد التف حول عنقه ، فنشد المشورة من قادة الجيش فاجتمع مع كبار قادة الجيش ابراهيم عبود ، احمد عبد الوهاب ، عوض عبدالرحمن ، حسن بشير نصر في منزل السيد الصديق المهدي و بحضور السيد زين العابدين صالح . تصاعدت الاحداث و تصاعدت وتيرة المعارضة ، ففي 21 اكتوبر 58 سير اتحاد العمال موكبا شاركهم فيه اتحاد طلاب حامعة الخرطوم و قدموا مذكرة للحكومة دعما لعريضتين سبق ان تقدموا بهما في 31 يوليو 31 اغسطس 58 كما اعلنوا اضرابا لمدة ثلاثة أيام ابتداء من 26 اكتوبر
إثر ذلك بادر الحزب الوطني الاتحادي بتنطيم المعارضة في جبهة وطنية ضمت إلى جانبه بعض الاحزاب الجنوبية و الجبهة المعادية للاستعمار و اتحاد العمال و اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ، و اصدرت الجبهة بيانها الاول في الرابع من نوفمبر 58 ناشدت فيه الشعب السوداني للالتفاف حولها لاسقاط الحكومة . عندها ايقن عبدالله خليل ان حكومته تلفظ انفاسها الاخيرة ، فعلى الصعيد الداخلي توحدت المعارضة و على الصعيد الخارجي فقد و صلته رسالة من قطب حزب الامة و سفير السودان لدى مصر السيد يوسف التني تفيد بأن وفد الحزب الوطني الاتحادي الذي قدم الى القاهرة من بغداد ، ووفد حزب الشعب الديمقراطي الموجود بالقاهرة اجتمعا معا بالرئيس جمال عبد الناصر و وافقا على دمج حزبيهما و على ان يصبح السودان الدولة الثالثة في الجمهورية العربية المتحدة و التي كانت تضم مصر و سوريا .اسرع عبدالله خليل و اجتمع مع ابراهيم عبود في السابع من اكتوبر 58 وذلك لتهيأة الجيش لاستلام السلطة و في14 اكتوبر زار رئاسة القوات المسلحة للاطمئنان على ترتيبات القادة كما اعلن الاحكام العرفية ، و قرر تأجيل انعقاد البرلمان الى الرابع من ديسمبر ، إلا أن نواب الحزب الوطني الاتحادي و نواب حزب الشعب الديمقراطي الذين خرجوا من طاعة السيد علي و بعض النواب الوطنيين اجتمعوا في 17نوفمبر في ميدان عبد المنعم وسط الخرطوم ، و كان عددهم 107 نائبا ، و اعلنوا سقوط حكومة السيدين إلا ان الجيش بقيادة ابراهيم عبود أعلن استلامه للسلطة و يسجل التاريخ المهزلة الكبرى فالسيدان اللذان ازيلت حكومتهما اصدرا ، كلا على حدة ، بيانات التأييد و المباركة للانقلابيين .
و بما ان طبيعة الحكم العسكرية و نظامه الديكتاتوري ، يتنافيان و يتناقضان مع مبادئ الحزب الوطني الاتحادي القائمة على التعدد الحزبي و النظام الديمقراطي ، فقد اعلن رئيس الحزب اسماعيل الازهري ، معارضة الحزب التامة للحكم العسكري و حرّم على اعضائه المشاركة فيه .كما بدأ حرب البيانات التي ازعجت النظام كثيرا و هيأت الجماهير للثورة الشعبية .
هذا ، فقد جمع الوطني الاتحادي احزاب المعارضة ، \" الحزب الشيوعي ، حزب الامة بعد ان اختلف مع فادة الجيش ، و بعض العناصر الوطنية \" و عرف هذا التجمع بالجبهة الوطنية والجدير بالذكر أن ممثلي اتحاد جامعة الخرطوم ، علي محمود حسنين رئيس الاتحاد وسكرتير الاتحاد فوزي وصفي والعضو ناصر السيد قاموا بدور فعال في تقريب وجهات النظر إلى أن تم تأسيس الجبهة . بدأت الجبهة نشاطها مخاطبة النظام بسلسلة من المذكرات كانت الاولى في 29نوفمبر 1960 طالبت فيها بعودة الجيش الى ثكناته على ان تتولى الحكم هيئة وطنية تضع الاسس السليمة للسودان الديمقراطي ، و وقع عليها من الحزب الوطني الاتحادي اسماعيل الازهري ، محمد احمد المرضي ، مبارك زروق ، سيد احمد عبد الهادي ،ابراهيم احمد ، بشير محمد سعيد . و كانت المذكرة الثانية في يناير 1961 ردا على ما اسمته اجهزة الاعلام الحكومية بمذكرة كرام المواطنين \" المذكرة التي بعثها قادة الختمية للفريق ابراهيم عبود يشيدو من ازره و يؤيدون سياسة نظامه العسكري\" . أما المذكرة الثالثة فقد ارسلوها لقادة النظام العسكري في السابع من يوليو 1961 . و قد افقدته هذه المذكرات صوابه فقرر المجلس الاعلى للقوات المسلحة اعتقال قادة الجبهة و في يوم الاحد الموافق 9761 اصدر قراره رقم 60 القاضي بالاعتقال . نفذ القرار في اليوم التالي أي في العاشر من يوليو اذ قامت مجموعة من الجيش و البوليس على عربات مصفحة و مزودة بالاسلحة الرشاشة باقتحام منزل الزعيم الازهري و تم اعتقاله كما تم اعتقال السادة محمد احمد المرضي ، مبارك زروق ، عبد الخالق محجوب ، عبد الله عبدالرحمن نقدالله ، أمين التوم ، محمد أحمد محجوب ، ابراهيم جبريل ، عبد الرحمن شاخور، احمد سليمان ، عبد الله خليل ، عبد الله ميرغني.
تم نقل المعتقلين جوا الي ثكنات الجيش بجوبا حيث تم استمر اعتقالهم هناك لمدة سبعة اشهر ، ثم اعيدوا الى الخرطوم في 28 يناير 1962 حيث اطلق سراحهم في اليوم نفسه .
هذا، و قد ضيق النظام العسكري على بعض الوطنيين المناضلين فاصدر المجلس الاعلى للقوات المسلحة قراره رقم 62 بتوقيع اللواء محمد طلعت فريد بمنع الاستاذ علي محمود حسنين من مزاولة مهنة المحاماة .
استمر نضال الحزب الوطني الاتحادي من اجل ازالة الحكم العسكري و اعادة الديمقراطية ، و كان دوره رائدا الى جانب جبهة الهيئات ، في قيادة الشارع و تحييد الجيش عندما اندلعت الثورة الشعبية الخالدة في 21اكتوبر 1964 من جامعة الخرطوم و اطاحت بالنظام العسكري ، كما ان اعضاء الحزب بالاقاليم كانوا الوقود الدافع الذي امد الثورة بقوة الاستمرار إذ لم يكتفوا بالخروج في المظاهرات في أقاليمهم فحسب بل تحركوا بكل وسائل النقل المتاحة للعاصمة ، و كما عهدناها دائما كانت جماهير الجزيرة سباقة دائما في الاحداث الوطنية ، فكانوا أول من وصل العاصمة و هتافهم يسد الافاق \"مدني فداك يا خرطوم \" ووصلت جماهير الحزب من كسلا ومن عطبره و لم يثنهم طول الطريق و لا وعورته من الالتحام برفاقهم الوطنيين الشرفاء
هذا فقد كان للحزب الوطني الاتحادي دورا كبيرا في تنظيم الاحداث و ترتيب اولويات الثورة حتى لا يفلت زمامها فاجتمع مع بقية الاحزاب بجبهة الهيئات في الثالث من نوفمبر 1964 ، و تمخض الاجتماع عن اختيار السيد سرالختم الخليفة رئيسا للوزراء و شكل حكومة اكتوبر القومية الاولى من ستة عشر وزيرا ، ثمانية من جبهة الهيئات ، ثلاثة من الجنوب و وزيرا لكل من الوطني الاتحادي ، حزب الشعب الديمقراطي ، حزب الامة ، الحزب الشيوعي ، الاخوان المسلمين ، و كان السيد مبارك زروق هو ممثل الحزب الوطني الاتحادي في الحكومة
استمرت الحكومة القومية تدير البلاد الى ان حل رئيس الوزراء حكومته في 18فبراير 1965 إلا انه طلب منه تشكيل حكومة اكتوبر الثانية فشكلها في 23 فبراير و رأت الحكومة ضرورة عودة البلاد للحكم الديمقراطي ، فاجرت الانتخابات في الفترة ما بين 21 ابريل الى الثامن من مايو 1965 في الشمال دون الجنوب لظروف امنية و قد خاضتها كل الاحزاب عدا حزب الشعب الديمقراطي الذي اعلن مقاطعته.
لم يستطع اي حزب من تأمين اغلبية برلمانية فتم الاتفاق بين الحزب الوطني الاتحادي و حزب الامة على أن تكون رئاسة الدولة للوطني الاتحادي و رئاسة الوزراء لحزب الامة و انتخب رئيس الحزب السيد اسماعيل الازهري رئيسا لمجلس السيادة و المحجوب رئيسا للوزراء وفي 13 يونيو 65 اعلن المحجوب حكومته الائتلافية ، و كان نصيب الاتحادي ستة وزراء هم : محمد احمد المرضي للتجارة و الصناعة و التموين و التعاون و حسن عوض الله للتربية و التعليم و نصر الدين السيد للمواصلات و عبد الماجد ابو حسبو للاشغال و ابراهيم المفتي للمالية و الاقتصاد و الشريف حسين للري و القوة الكهربائية و المائية .
سحب البرلمان الثقة من حكومة المحجوب و طلب من السيد الصادق المهدي تشكيل الحكومة الجديدة ، حافظ السيد الصادق على الاتفاق مع الوطني الاتحادي فشكل حكومة ائتلافيه مع الوطني الاتحادي في 26يوليو 1966 استمرت لمدة تسعة اشهر و خلفتها حكومة ائتلافية يرأسها المحجوب كان نصيب الحزب الوطني الاتحادي فيها اربعة وزراء و حزب الامة جناح الامام اربعة وزراء و كذلك حزب الشعب الديمقراطي اما الاحزاب الجنوبية فمثلت بوزيرين فقط .
نلاحظ في تلك الحقبة التاريخية أن قادة الوطني الاتحادي كانوا يمسكون بمعظم خيوط اللعبة السياسية في ايديهم كما انهم عملوا على تعميق الخلافات في حزب الامة فتارة يتحالفون مع الامام الهادي و تارة أخرى مع ابن اخيه السيد الصادق ، بينما كان حزب الشعب الديمقراطي يمر بأسوأ ايامه فهو خارج الجمعية التأسيسية لمقاطعته الانتخابات و منذ ان تأسس شارك في حكومتي حزب الامة و شارك في تسليم السلطة للجيش كما انه وافق على المعونة الامريكية المشروطة بينما رفضها الشعب و اصدر بيانا يؤيد فيه وأد الديمقراطية و استيلاء الجيش على السلطة في 17 نوفمبر 1957 و استمر يدعم السلطة العسكرية و ساهم حزب الشعب في تثبيت قواعد الحكم العسكري و ارسل قادته في التاسع من ديسمبر 1960 مذكرة يؤيدون فيها الفريق ابراهيم عبود عرفت بمذكرة كرام المواطنين . و بصورة عامة لم يتخذ حزب الشعب منذ تأسيسه موقفا وطنيا إلا في نوفمبر 1965 حينما اسس مع الاخرين \"المؤتمر الوطني للدفاع عن الديمقراطية \"
كان السيد علي الميرغني مرشد الختمية و راعي حزب الشعب مريضا بالقلب و حالته الصحية تزداد سوء يوما بعد يوم وقد أخبره دكتور النور عبد المجيد أنه لن يعيش اكثر من عدة اشهر، لذلك فقد عمل على تأمين موقف الختمية و ضمان استمرارهم كقوة سياسية فسعى لادخالهم في كيان الحزب الوطني الاتحادي الكبير و كان شرطه الوحيد هو ان يصبح مرشد الختمية راعي الحزب الجديد و قد وجدت رغبته الطريق ممهدا فالحزب الوطني الاتحادي الذي كان يأمل أن يسانده حزب الامة جناح الامام الهادي في انتخابات رئاسة الجمهورية تناهى اليه رغبة الامام الهادي في ترشيح نفسه للمنصب نفسه لذلك كون لجنة من الشريف حسين الهندي و السيد حسن عوض الله و السيد الرشيد الطاهر و السيد نصر الدين السيد لمناقشة قادة حزب الشعب و توصلت اللجنة لدمج الحزبين، و لتسمية الحزب الجديد اختيرت كلمة الاتحادي من الحزب الوطني الاتحادي و كلمة ديمقراطي من حزب الشعب الديمقراطي، ليصبح الاسم الاتحادي الديمقراطي كما تم الاتفاق ان يكون رئيس الحزب السيد اسماعيل الازهري و نائب الرئيس الشيخ علي عبد الرحمن و اختير السيد احمد السيد حمد امينا عاما للحزب و السيد حسن عوض الله مقررا للحزب . كما تم الاتفاق على حل الجمعية التأسيسية و قد اعلن الاتفاق في ديسمبر 1967 و توفى السيد علي الميرغني بعد عدة أشهر و اصبح ابنه السيد محمد عثمان مرشدا للختمية و بالتالي راعيا للحزب الاتحادي الديمقراطي .
اذن فقد ارتد الحزب الوطني الاتحادي الذي حمل تطلعات المثقفين و وعد جماهير الشعب السودانى بالنهوض بها من دائرة التخلف و الجهل و التبعيه و أخفق فى تحقيق هذه الأهداف فنجده قد فشل فى إحتواء حركة المثقفين ولم يف بوعده للشعب بإنتشاله من التبعيه وتحريره من إسار الطائفيه ،فبعد المقالات الثائره فى جريد الفجر \"مصرع القداسه على أعتاب السياسه\" ومن أجل الوصول الى كراسى الحكم إرتد الحزب بجماهيره فى دورة زمنية قصيرة إلى ما قبل نقطة البدايه. لقد كان الاندماج مع حزب الشعب خطاء فادحا ، أقر به الرئيس الازهري فيما بعد ، فهو لم يكن اتحاد للقوى الوطنية الديمقراطية كما زينه البعض لكنه و كما استعرضت ،اتحاد من أجل المصلحة المتبادلة لا غير و رغم ذلك فقد شكل مرحلة جديدة وبنى آمالاً عظيمه وأثرى أحلام الطبقة المتوسطة ، ونجح فى أن يفوز ب 103 دائرة برلمانية فى إنتخابات ابريل 68 ليشكل حكومة ائتلافية مع حزب الامة جناح الامام رأسها محمد احمد محجوب وكان نصيب الاتحادي الديمقراطي فيها ثمانية وزارات من أصل ستة عشر بينما ظل السيد اسماعيل الازهري رئيسا لمجلس السيادة .
أزعج نجاح الاتحادي الديمقراطي في الانتخابات بعض القوى الاقليمية العربية و في مقدمتها المملكة العربية السعودية التي يقود ملكها الملك فيصل التيار المناؤي لعبد الناصر بعد هزيمة 1967 بينما يقف الحزب الاتحادي الديمقراطي بكل ثقله الى جانب عبد الناصر لذلك ارسل الملك فيصل الشيخ الصبان مبعوثا خاصا للسودان ليصلح ما بين الامام الهادي و ابن اخيه السيد الصادق و نجح في ذلك و صدر بيان في 12469 بتوحيد جناحي حزب الامة في حزب واحد .
لم يستسلم عبد الناصر لنجاح الملك فيصل في السودان فحرك سريعا تنظيم الضباط الاحرار الذي استولى على السلطة صبيحة 25 مايو 1969بقيادة العقيد جعفر محمد نميري الذي بدأ عهده باعتقال قادة العهد الديمقراطي و في مقدمتم رئيس مجلس السيادة و رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الزعيم اسماعيل الازهري و الذي استشهد في 29 اغسطس 1969 بعد نقله من السجن لمستشفى الخرطوم .
هذا، فبينما بعض قادة الحزب الاتحادي الديمقراطي في غياهب سجن كوبر و البعض الاخر مطاردا اصدر السيد محمد عثمان الميرغني بيانا يؤيد فيه السلطة العسكرية رغم تحذيرات الشريف حسين،الذي افلت من الاعتقال، له بعدم تأييد الانقلابيين . و هذا نص بيان السيد محمد عثمان الذي نشر في جريدة الصحافة :- \" لقد كانت المبادئ التي اعلنها رئيس مجلس قيادة الثورة و السيد رئيس مجلس الوزراء في 25 مايو 69 فيما يتعلق بالاتجاه العربي و تشير الى المرحلة الراهنة التي تجتازها امتنا العربية هي المبادئ التي نؤمن بها و تجد منا التعضيد و المساندة و قد التزمنا دائما على تحقيقها و ان التلاحم القوي بين اسلامنا و عروبتنا هو منطلقنا الى المستقبل . وفق الله القائمين بالامر لتحقيق الاستقرار المنشود للبلاد في ظل مجتمع الكفاية و الله المستعان .\"
إيد مرشد الختمية السلطة العسكرية ،و بالتالي أيد وأد الديمقراطية و وقف ضد القادة الوطنيين مرجحا كفة مصالحه و منفعته الشخصية الضيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.