الصراع السلطوي داخل الأحزاب والكيانات السياسية الحاكمة والمعارضة من طبيعة الأشياء وسنن الحياة.. والأجسام التي تنبض بالحياة تمور داخلها حركة الأعضاء، أما الجماد فصيرورته السكون والخمول.. الأحزاب السياسية بلا استثناء.. تعاني أشد المعاناة من الحراك الداخلي والتنافس المسعور من أجل المواقع العليا في الحزب أو من أجل المواقع التنفيذية اذا كان الحزب حاكماً مثل المؤتمر الوطني والحركة الشعبية. الوطني تعرض لامتحانات عسيرة خلال (20) عاماً أمضاها في السلطة.. خرجت من صفوفه قيادات عليا ووسطية ودنيا، حتى أمينه العام د. حسن الترابي ذهب لسبيله وأسس حزب المؤتمر الشعبي، ولكن الوطني احتفظ بألقه القديم.. جدد صفوفه ولملم أطرافه وخاض تجارب عسيرة جداً.. وحتى اليوم يقف المؤتمر الوطني في الصف الأول قادراً على منافسة الأحزاب مجتمعة أو كلٍ على حده.. والحركة الشعبية التي ولجت الساحة السياسية قبل خمس سنوات فقط ووجدت نفسها فجأة في موقع السلطة، أعترت جسدها تصدعات خرج من بين لحمها وعظمها د. لام أكول أجاوين وأسس الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي، وخرج عن أدب التنظيم آخرون بالترشح في الانتخابات بصفة مستقلين، في مقدمة هؤلاء أنجلينا تينج وزيرة الدولة بالطاقة والتعدين وزوج الدكتور رياك مشار نائب رئيس الحركة الشعبية. أنجلينا تينج اختارت منافسة ضابط المخابرات تعبان دينق لمنصب والي الوحدة، وقد جزعت الحركة الشعبية من ترشيح بعض منسوبيها كمستلقين عنها، وأخذ فاقان أموم يطلق الدعوات لإثناء هؤلاء عن خوض الانتخابات ولم يتبقَ غير حمل العصا الغليظة ورفعها في وجه بعض منسوبي الحركة لفرض الإنضباط التنظيمي بالقوة الجبربة!! لكن الأحزاب ليست (كنتونات) عسكرية تتنزل عليها تعليمات القائد، وعلى من هم أدنى مرتبة منه تنفيذ التعليمات ومن ثم رفع التظلمات للقائد. الأحزاب السياسية جميعاً تعتريها أمراض الانقسامات والتصدعات.. وفي حزب الأمة القومي تم ترشيح الظاهر خليل حمودة لمنصب الوالي بعد عملية ديمقراطية مفتوحة، حصد فيها خليل أربعة وعشرين صوتاً وحصل منافساه د. حامد البشير إبراهيم على (3) أصوات فقط، ود. حبيب سرنوب على صوتين فقط.. رغم ذلك حاولت بعض الجهات العليا في الحزب سلب حقوق الظاهر خليل، وحينما ترشح الرجل طعنه حزبه بسكين الأمين العام بمساعدة امرأة (سارة)، من خلال تقديم طعن في ترشيحه للمفوضية بعد أن رفض خليل أن يكتب تعهداً بالولاء للسيد الصادق والسيدة سارة.. وثالثهم الفريق صديق، لأن خليل متهم بالانتماء للتيار العام.. أصبح الانتماء لدكتور مادبو جريمة يعاقب عليها المرشحون في حزب الأمة!! أما الإتحادي الديمقراطي فما بين علي السيد وحسنين وبين الميرغني وسيد أحمد الحسين، لا حاجة لإيراد تفاصيله.. لأنه من المعلوم بالضرورة.. فلماذا جزعت الحركة الشعبية وانتابها الرعب من ترشيح بعض قادتها بصفة المستقلين.. وهل تظن الحركة الشعبية أن الجنوب سيظل دائرة مغلقة لها وحدها؟.. وهل تعتقد الحركة الشعبية أنها ستبقى الحزب الرائد والطليعي في الجنوب وبسطوتها تستطيع تغييب الآخرين.. على الحركة أن تتوقع تصدعات أكبر في جسدها مقبل الأيام اذا رفعت عصا الطاعة في وجه أعضائها الذين ضاقت بهم المؤسسات فاختاروا الفضاء الطلق!!