تناتبه مرة تلو أخرى موجة من الحزن العميق دون أن يعرف لذلك سببا ، يحمله الحزن بعيدا الى عوالم تحوم حوله بحسابات المكان و الزمان ولكنها فى عالم الحزن العميق تهوّم بعيدا بعيدا ، تنفصل روحه عن جسده.. تبكى الروح فيدمع الجسد رغم ما يفصل بين العالمين من مسافة فى الزمان والمكان ومن طقوس ومن أحوال تتبدل بلا قانون وبلا منطق وبلا توقع .. ينهض حال فيفنيه حال آخر.. يظل عالم الجسد مستجيبا لعالم الروح وهويستقبل إشاراته رغم ما يعتريه من وهن وموت حين تنفصل عنه الروح بتلك الطريقة المجازية. الحزن عالمه الجميل .. تسعده دموعه فيحتفى بها كأنها قطرات من ندى ، يركن الى تأوهاته وهى تسلّيه كأنه يهرب من حياة صاخبة الى حياة هادئه، تستقبل أهآته كأنها نسمات ليل من ليالى الصيف ، سكنت فيه الأشجار عن الحركة والأبدان تعرّقت ولم تجف بعد .. يرنو فى كل ليل الى السماء يصافح نجمة قصية ، لا تلتقطها كل النظرات يؤانسها وتواسيه، يكلمها بلسان يسكن وجدانه ، وبكلمات ترسمها نظراته على وجهها .. يختصر السماء كله فى تلك النجمة .. لايرى سواها .. تجرى أفكاره وهى تحتشد تناصر عالم الحزن الذى يعيشه وحياة الأفكار التى يعيش لأجلها .. تتصل أفكاره بالخالق مبدع الكون، بخالق نجمته القصية، يبكى بصوت ترتجف له الأبدان و القلوب ، يقرأ ما تيسر من أيات من القرآن الكريم ، فيتصاعد بكاؤه وتتصاعد متعة البكاء وحلاوته ، وقلبه معلق بخالقه وحكمة الكون وجماله وجلاله .. جسده وروحه يبكيان من عالمين مختلفين ولكن يجمعهما صوت البكاء ودموعه وطقوسه ومتعته وحلاوته و آيات من القرآن الكريم تشق سكون تلك الليلة ..هكذا يحزن الرجل فيمتلىء قلبه إيماناً وحباً وتنهض فى جوانحه طاقة لم تكن معتادة فيه إلا فى مثل تلك اللحظات التى يتفكّر فيها و الناس نيام ، يحصد أسرار هذا الكون فيتعرّف عليه .. هى خلوته و طريقة عبادته .. يصلى فى تلك الليلة و يخشع داخل عالمه وقد بناه من داخل رحلة التفكر فى خلق الله سبحانه وتعالى .. هى رحلته مع الإيمان بالله سبحانه و تعالى وهو يتشوق باكيا للقاء الحبيب.. من منا يتفكّر و يتدبر .. النظر والقلب و العقل ثلاثية خارقة .. أيقظ قواك ليزيد إيمانك ... فقط أتبع النظر بتفكير عميق، ستغيب للحظات خاشعا متبتلا مرهفا، ستعود أجمل مما كنت..