دهاء الثعلب إسطورة خالدة في ذاكرة الشعوب وحقائق الأشياء منذ قديم الزمان، حتى التاريخ المعاصر، وقد التصق هذا النهج العريق بعالم السياسة من زاوية استخدام طرائق الحيلة، والإشارات الماكرة لاحراز الانتصار على الخصوم والوصول إلى الأهداف والغايات المقصودة!. والحكم على دهاء الثعلب في الممارسة السياسية ينفتح على اجتهادات واحتمالات متنوعة، لا ترتكز على نمط ثابت وقد ينظر الكثيرون إلى هذه اللونية من منطلق الإعجاب والتقدير الصحيح، بينما يعتقد البعض بقصور هذا المنهج في ضياع التدابير المنشودة!!. وتندلق الفرضية المعرفية إلى نماذج الدهاء في القاموس السياسي، حيث توجد العديد من الأشكال والصور المختلفة، فهنالك الدهاء التجريبي المشوب بالحذر الذي كان يمارسه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد من خلال تعامله مع العدو الإسرائيلي، فقد كان حافظ الأسد يلمس السلام بأصبعه، لكنه لا يتوغل إلى نهاية الدهليز حتى لا يقع في مصيدة إسرائيل!. ويوجد أيضاً الدهاء القياسي القائم على عدم استعجال النتائج والبراعة في المناورة، وقد اشتهر به العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني وبعض حكام الدولة الأموية. وفي السياق يوجد دهاء الثعلب الذي يرتكز على استنباط الأمور والأشياء من خلال الفراسة، ومحاولة ملامسة النتائج المتمثلة بالضرورة في إرباك الخصوم واضعافهم، وهو أسلوب يتحرك من وحي إحساس التفوق في الذكاء، وقد اقترن بالدكتور حسن الترابي ووزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر. وقد ظل الدكتور الترابي بين الفينة والأخرى يرسل القلاقل والهجوم الكاسح على جماعة المؤتمر الوطني، ويطبق حيالهم نهج دهاء الثعلب اتساقاً مع التطورات السياسية ليخطف بؤرة الضوء في الظرف المعني، وهو يستخدم مقدراته التمثيلية والإيحائية والتأثيرية!! في أحد المشاهد.. وضع الدكتور الترابي نفسه في مواجهة حامية الوطيس مع المؤتمر الوطني، وهو يحاربهم من زاوية الإلتزام بتطبيق الشريعة الإسلامية، ويحاول فضح عضويتهم حول الإلمام بأمور الفقه والحجج الدينية، وراح الترابي يملأ الأرض ضجيجاً ويستخدم تعابير حركية مرتدياً قميص الاقناع والإبهار، ويكشف من منظوره جهل جماعة المؤتمر الوطني بأمور الدين!! والتنكر لإصول الدعوة، وذكر من ثنايا أفكاره الفقهية أن هؤلاء قد وضعوا الإسلام في الفاترينا!!. وفي خطوة مليئة بالاستدلال المؤثر والأحكام التسويقية، أرسل الترابي إعتذاراً تاريخياً للشعب السوداني عن أخطائه في دعم نظام الإنقاذ، وبلورة وجوده في السنوات الأولى قبل حدوث المفاصلة، ولم يكتفِ بذلك، بل تبرأ من مسؤولية إعدام مجدي محمد أحمد، وجرجس، وأزاح عن نفسه ما حدث في محكمة ضباط رمضان، ولم يتورع الدكتور الترابي في القول إنه اعترض على فكرة إنزال الشريعة الإسلامية بتلك الطريقة الهوجاء في عهد النميري. الطريقة التي أدار بها الترابي هجومه على المؤتمر الوطني حول إهمال الشريعة فضلاً عن تقديمه إعتذاراً بلاغياً للشعب السوداني، بشأن مشاركته في الإنقاذ تمثل أسلوباً يعكس دهاء الرجل وقدرته على الضرب في الوتر الحساس، وهو يطبق مهارات الأجواء المسرحية لاقتناء الفوز المباغت على خصومه، والتنصل الخجول من المشاركة الإنقاذية!. في الأفق تتأطر الآن مبادرة جديدة من الدكتور حسن الترابي، تقوم ركائزها على تشكيل حكومة انتقالية برئاسة الرئيس البشير لفترة زمنية محددة، في سياق مقترحات تأجيل الانتخابات على خلفية الإتفاق الإطاري بين المؤتمر الوطني وحركة العدل والمساواة، وفي ثنايا الفكرة يرى الترابي امكانية تأجيل مثول البشير أمام الجنائية لعام من قبل مجلس الأمن، نتيجة لاتخاذ مواقف إيجابية في الملف الدارفوري، على أن يترك القصر لرئيس آخر منتخب، ليكون المخرج الثاني في مثول البشير أمام الجنائية، بحيث يمكن تبرئته!. في ملامح المبادرة الترابية التي تحمل الكثير من أدوات الجرأة والذكاء والغموض، علامات ترقيم صحيحة حول العلاقة الوجدانية بين الحزب الشعبي والدكتور خليل إبراهيم، تكسب المبادرة الجاذبية التعبيرية والأبعاد القابلة للتفسيرات المطاطة، وقد حاول الدكتور الترابي توظيف نتائج الإتفاق الإطاري في الدوحة، بالقدر الذي يكسبه الصورة القيادية، التي طالما حاول الجري وراءها. ترتكز المبادرة على بعض الخيوط اللزجة التي ربما تصطاد الاصابع التي تحاول الامساك بها، وفي المقابل تمتلك بعض المقترحات والرؤى البراغماتية، التي تقدم في طبق من دهاء الثعلب، وهو الأسلوب الذي يتميز به الدكتور حسن الترابي!. }}