الدكتور علي الحاج القيادي الذائع الصيت في المؤتمر الشعبي، رجل لا يمكن تجاوز بصماته الساطعة في سجل الحركة الإسلامية السودانية، والمراقب لا يستطيع إنكار علامات تقدم السنوات على ملامحه لكنه يتحرك بخفة ونشاط وحيوية كأنه شاب في مقتبل الأربعين!! خصوم الدكتور علي الحاج يقولون إنه مهرِّج وديماغوجي، غير أن أنصاره يعترفون بأنه شخصية براغماتية ورجل يتمتع بذكاء فوق العادي. بانوراما العلاقة بين الترابي والدكتور علي الحاج تُجسِّد البُعد الوجداني وخصائص الحميمية العالية والتفاهم المشترك الذي يتراءى على مستوى الإدراك المحسوس. ومن ذات المعين فإن الدكتور الترابي ظل يؤمن برجاحة أطروحات علي الحاج ويرفده بالثقة المطلقة والظل الظليل على مر الأيام حتى صار علي الحاج يُلقّب بالرجل الذي يحتل مكانة ذهبية في سويداء الترابي! ومثل هذه الحالات موجودة في القاموس السياسي حيث نجد في التاريخ المعاصر شكل العلاقة الاستثنائية بين الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر ووزير دفاعه يومذاك المشير عبدالحكيم عامر وكيف كان الأول يُحيط الثاني بأدوت السلطة والنفوذ، ويتأثر بأفكاره حتى جاءت نكسة 1967م التي قطعت أواصر الصداقة بين عبدالناصر والمشير عامر. وعلى ذات السياق ارتسمت علاقة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كسينجر. مهما يكن فإن تلك الصور جاءت على بساط الشد التلقائي من هؤلاء الزعماء فضلاً عن قدرة التأثير من بعض الرجال الذين معهم. وفي الإطار تشابكت صيغة المواءمة والتناغم بين الترابي وعلي الحاج من خلال لوحة الإعجاب والثقة على صعيد الأول والبراعة والحذاقة من جانب الثاني. وبالنظر إلى شخصية الدكتور علي الحاج، هنالك من يقول إنه ملم بتركيبة الترابي النفسية والفكرية ويستشف مقدراته الإيحائية والتأثيرية لذلك ظل على الدوام يضغط على بيت القصيد عند شيخه ويمارس عليه دغدغة التضاريس في الخواطر التي تحرِّكه من الدواخل. خذ مثلاً، الدكتور علي الحاج يعلم مدى تغلغل الغبائن والمرارات في كنانة الترابي جراء ما فعله الحزب الحاكم حياله من مطاردة واعتقالات وإقصاء لذلك تجد علي الحاج يقوم برسم الترابط السياسي والاستلهامي بين الترابي والحركات الدارفورية سيما العدل والمساواة، ومن هنا يلتقط شيخه متكأ لتبني القضية الدارفورية من منطلق إستراتيجي، يوفِّر للترابي سانحة قوية للظهور في المسرح السوداني من خلال هذا الملف الحسّاس وهو يشن هجوماً لاذعاً على النظام. وف زاوية أخرى يلمس الدكتور علي الحاج الزر السحري في تركيبة الترابي فهو يُدرك كم أن شيخه مولع بتخوم الذات والإحساس بالتفوُّق الاستثنائي والنوعي على جميع منافسيه في مجال الفقه والعلوم الدينية، تسنده الرؤية التاريخية في التمسُّك بأحكام الشريعة الإسلامية، وهنا يحرِّك علي الحاج رغبات الترابي العميقة في هذا المقام عندما يستدل بتصلُّب شيخه في أمور الدين ويدغدغ في مشاعره خيلاء الأب الروحي للحركة الإسلامية مصحوبة بشهادة القدرة والمهارة والتربُّع على القمة الفقهية. وكان لافتاً بعد ذلك قيام الترابي بالسير على هذا الطريق الذي رسمه علي الحاج حيث لاحت مشاهد شيخه وهو يحارب الحزب الحاكم بلا هوادة في قضية التنصُّل من أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية، ويقول بأن هؤلاء رضخوا لرغبات أمريكا وباعوا دماء الشهداء ووضعوا الشريعة في الفاترينا!! وفي السياق يتراءى الدكتور علي الحاج لاعباً ماهراً في أحاسيس الترابي وهو يُفهم شيخه بالإيماءة والإشارة ولا يمارس عليه النفاق والتدليس ومن الواضح أن الدكتور علي الحاج يفتح الستارة حتى يصيب الترابي الهدف بدقة متناهية!! وفي المقابل يتجاوب الترابي مع طرائق علي الحاج دون أن ينقص ذلك من دهائه وذكائه وهالته السياسية الرفيعة، بل الدكتور الترابي يكون مدركاً ومتفهماً وعالماً بخطوط علي الحاج وأبعادها!! في الأفق يتأطّر مشروع التصالح بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي وهو تصور سياسي يستعصي إطلاق التفاؤل على نتائجه في ظل غبائن الترابي إزاء الحزب الحاكم وبراكين الكراهية التي يضمرها علي الحاج في وجه النظام. عودة المياه إلى مجاريها بين أخوان الأمس لن تعانق أرض الواقع ما لم تجد المصادقة من الترابي وعلي الحاج وهو أمر في خانة المستحيل الرابع خلال الظرف الراهن. من الناحية الظاهرية يعتبر الدكتور علي الحاج شخصاً ملتزماً على صعيد الزاوية الدينية وهو اشتهر في صفوف الإسلاميين بقدرته على لمس الزر السحري في شخصية الترابي في إطار تكتيك محكم يتناغم مع موافقة شيخه العميقة والمدركة في ظل علاقة تاريخية بين الاثنين مبنية على (مداميك) الثقة المتبادلة والإنجذاب!!