القارئ لخارطة الأحداث السياسية في السودان، لابد أن يصل إلى لقاءات ثنائية بين القيادة في السودان وبين القيادة في دول الجوار ذات الارتباط المباشر أو غير المباشر بما يحدث في بلادنا، لذلك لم يكن مستبعداً أو مستغرباً اللقاء الذي تم مؤخراً بين الرئيسين السيد المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية والسيد إسياس أفورقي رئيس دولة إرتيريا الشقيقة ذات الحدود السياسية والاجتماعية المشتركة والمتداخلة.. وهو لقاء لا نحسب أنه يجئ خصماً على توجهات بلادنا نحو جيرانها لخصوصية هذه العلاقة بينها وبين إرتيريا وأثيوبيا من جهة الشرق، ولخصوصيتها بينها وبين مصر وليبيا في الشمال، وبينها وبين تشاد وأفريقيا الوسطى من جهة الغرب، أو بينها وبين بقية جيراننا في زائير وكينيا ويوغندا من جهة الجنوب، خاصة وأن ظروفاً كثيرة من هذه الدول والأقطار السياسية تكاد تكون متشابهة، إضافة للحراك المجتمعي المتسارع داخلها، خاصة تلك الدول التي يعلو فيها الصوت القبلي على ما عداه، نسبة للتخلف الذي يجاهد الساسة في إزالته، ليصبح صوت الوطن أعلى مما عداه. زيارة السيد رئيس الجمهورية إلى ارتيريا كانت متوقعة لكل من يهتم بالشأن السياسي السوداني، خاصة بعد التطورات الأخيرة التي أفضت إلى اتفاق السلام الإطاري مع واحدة من الحركات المسلحة في دارفور، والذي من المتوقع أن يلحق به اتفاق جديد مع تجمع الحركات التي اتحدت مؤخراً بالدوحة. مؤكداً أن التصريحات التي اعقبت لقاء الرئيسين عمر حسن أحمد البشير وإسياسي أفورقي فيما أصطلحنا على تسميته ب ( القمة الثنائية)، هي إطار كبير لتفاصيل كثيرة ربما يكون من أبرزها محاولة الرئيس الارتيري إسياس أفورقي الجادة لإقناع القيادة السودانية بتأجيل العملية الانتخابية الجارية الآن بالفعل في السودان بخطى متسارعة لإكمالها في أبريل المقبل- وربما سعت القيادة الارتيرية إلى إقناع القيادة السودانية بضرورة التأجيل لعلاقات أسمرا مع أكثرية أحزاب جوبا، التي أضحى بعضها يتحين الفرص للتأجيل دون الافصاح عن ذلك صراحة، لأسباب موضوعية بالنسبة لتلك الأحزاب التي ترى أنها غير مستعدة للانتخابات، ثم لتخوف تجمع أحزاب جوبا من عودة المؤتمر الوطني وحلفائه، لتسلم السلطة من جديد، وبقرار شعبي لا ناقض له إلا اقتراع جديد قادم بعد أربع سنوات. رأي القيادة السودانية (المفْتَرض) هو تمسكها الصارم باتفاقية السلام الشامل، وهي المتهمة دائماً من قبل خصومها ب (نقض العهود)، لذك يتطلب هذا الأمر الجديد أو التحول الذي تكون إرتيريا قد طالبت به، يتطلب إتفاق الشريكين من جديد.. وهذا يدعو القيادة الارتيرية إلى فتح قناة اتصال خاصة بهذا الشأن مع السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية، ورئيس حكومة الجنوب الفريق سلفاكير ميارديت، وهو قد قال بصراحة ووضوح قبل أيام إبان افتتاح إحدى حملات الحركة الشعبية الانتخابية في إحدى المدن بالجنوب، إن الحركة لا تمانع في تأجيل الانتخابات إذا أجمعت القوى السياسية على ذلك، لكنه وضع (عقدة) في المنشار، عندما تمسك بأن يكون الاستفتاء في موعده حال الاتفاق على التأجيل.. إتفاقية السلام الشامل ليست نصاً مقدساً، لذلك يمكن الجلوس من جديد للحوار حول بعض بنودها، لكن المطالبة بالاستفتاء في موعده إذا ما تم التأجيل، فهو الخروج الصريح عن روح الاتفاقية. نتوقع حراكاً متسارعاً خلال الأيام القادمة ليس من قبل ارتيريا وحدها، بل من عدد من قادة دول الجوار، لأجل تقريب وجهات نظر الشركاء والفرقاء والخصوم.. ويتوقع أبناء السودان حلاً مرضياً للجميع، حافظاً لوحدة الوطن.