لست ممن يجيدون الإبحار في الحديث عن السياسة أو ما يتعلق بها من تصنيف الاتجاهات الحزبية المختلفة، وإنما أتناول هذا المقال الذي جاء بالعنوان أعلاه من منطلق منظوري الشخصي إلى تلك الرموز أو الشعارات التي تتخذها الأحزاب السياسية عادة عند ترويجها لبرامجها الانتخابية.. فمن المتعارف عليه أن مصطلح (رمز) يطلق عادة على نموذج لفكرة معنوية أو تصميم مادي يحتشد بالدلالات والمعاني والمضامين، ومن المعروف كذلك أن الرمزية هي واحدة من أبرز مدارس الفن التشكيلي وأعظمها تأثيراً في نفسية المشاهد، حيث تتحد الألوان والظلال والخطوط المرئية وغير المرئية في نقل (فكرة) الفنان عن طريق الإيحاء، وقد جاء تعريفها بموسوعة «ويكييديا»: (هي لغة رمزية تنقل إلينا عياناً مباشراً وتحمل إلينا تعبيراً حياً وتحيطنا علماً بحقيقة ذاتية وجدانية، وتكمن وظيفتها في التعرف على المعاني العميقة لتلك الحياة الباطنة، كما أنها تعبير عن دينامية كامنة بالأشياء تؤلف بين الشكل والمحتوى في تكامل وجمال). ونجد الرمزية كذلك واحدة من أساليب السرد القصصي والروائي، ووسيلة أخاذة في فن الإخراج التلفزيوني والسينمائي.. والحديث في هذا المجال يطول، ولكن خلاصة القول وزبدته أن الرمزية أسلوب من أساليب التعبير الفني والأدبي الراقي، والذي يخاطب ثقافة المتلقي بالنفاذ الجميل الساحر الذي يقفز فوق جسور التصريح المباشر المعتاد. فهل تتوفر هذه الصفة في (الرموز) الانتخابية التي تتخذها أحزابنا السياسية شعاراً لها؟.. ربما كان بعضها يشير في جلاء إلى مضامين يحتويها الرمز بالفعل كالشجرة التي لا أحسب أن أحداً لا يستشعر ما تكتنز به من معاني الأصالة الضاربة بجذورها في عمق الأرض، وما تعود به من فوائد الظل والثمر ومنافع بيئية أخرى.. أو العلم الذي هو رمز للدولة بألوانه ودلالاتها المختلفة من قبل أن يكون رمزاً لحزب بعينه. وما أشرت لهذين المثالين إلا لأنهما نموذج مثالي فعلي مجرد لمفهوم الرمز، ولست أمارس أي ضرب من ضروب الدعاية لصالح من يتخذونهما كرمز انتخابي، وفي ذات الوقت لا أقلل بأي حال من الأحوال من شأن حزب أو تنظيم أو حتى مرشح مستقل عندما أتساءل بكل موضوعية: ما الذي يمكن أن يرمز إليه (جرس) على سبيل المثال أو (قطية) أو (عصا) أو (فانوس)؟.. ما هي المضامين والدلالات التي تتبادر إلى الذهن عند إشارتنا لهكذا أشياء؟ ربما نذكر أنها جميعاً كانت رموزاً رئيسة في انتخابات سابقة، وفي كل الأحوال لم ألتمس يوماً مضموناً معنوياً تشير إليه، هذا بغض الطرف عن طبيعة البرامج المعلنة من قبل الأحزاب المترشحة، بل كثيراً ما نعجز عن إيجاد الرابط ما بين كنه البرامج المخططة للحزب أو فلسفته، وما بين الرمز الذي يتخذه شعاراً له!! وهذه النقطة تقودنا إلى تساؤل مهم: هل يختار كل حزب منتخب رمزه بنفسه أم تمنحه إياه المفوضية أو الجهة المنظمة للانتخابات كنوع من التمييز أو الترتيب والتسلسل؟ فإن كانت الأولى فحري بكل حزب أن يأتي برمزه معبراً في المقام الأول عن معانٍ عامة واضحة في الحياة، كالشمس مثلاً التي تشير إلى القوة والسمو والجلاء والوضوح والشفافية، أو الشمعة الموحية بالتضحية ونكران الذات، أو الخيل الدالة على الأصالة والمعقود على نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وغيرها من الكائنات من حولنا والتي تزخر بالمضامين والمعاني التي يتفق عليها أكثر الناس ولا تفوت على الفطنة، ثم بعدها أرى أن يأتي الرمز الانتخابي متوائماً مع جملة الخطوط العامة للحزب، متجانساً مع اتجاهاته وأفكاره ورؤاه... فالميزان مثلاً يشير إلى العدالة، والنيل يشي بالخير والكرم والعطاء، والقلم ينبيء بثورة العلم والتطور والمواكبة وهكذا.. ولست أدري ما الذي يمنع أن يكون الرمز مركباً من جملة من الرموز تماماً كالشعارات التي تستخدمها المنظمات والمؤسسات (LOGO)، فلاشك أن ذلك سيتيح لها أن تكون أكثر تعبيراً وغنى بالدلالات والمعاني. أما إن كانت المفوضية القومية للانتخابات هي التي تحدد رمز كل حزب وفقاً لأغراض تنظيمية خاصة بها، فما البأس في أن تعلن جملة المعايير والمحددات التي تقوم على ضوئها بتوزيع هذه الرموز على الأحزاب والمرشحين؟.. فنافذة صغيرة - على سبيل المثال - بالصحف اليومية تحت مسمى (ثقافة انتخابية) أو أي من التسميات التي تراها مناسبة - تستطيع من خلالها أن تلقي بالضوء على مثل هذه التفاصيل المهمة، سيما وأن هذا يصب بلا شك في مبدأ الشفافية الكاملة في ممارسة العملية الانتخابية، وأن كل ناخب لابد له قبل أن يلقي بتصويته أن يلم بكل صغيرة وكبيرة عن مرشحه، ومن بينها على أقل تقدير إدراك المعنى والمغزى لمرمزه الانتخابي.