يبدو أن تطورات الأحداث في قضية النواب الذين رفضوا ما تم من اتفاق بين وزارة الصحة وممثلي النواب، الاتفاق صاحبه اعتقاد خاطئ في مفاهيم البعض بأن وزارة الصحة استجابت لمطالبهم تحت ضغوط وفسروا أن التفاهم الذي تم بين الوزارة ولجنة النواب الاختصاصيين لمعالجة جملة المطالب المرفوعة لابد أن يتم باصدار قرار عاجل وفوراً، مما يزيد الموقف تعقيداً، خاصة وأن هناك أصابع خارجية تتدخل وتتاحر بقضية النواب، التي مازالت بعض مطالبها قيد النظر، خاصة برغم أن هناك حزمة من المطالب تمت الاستجابة اليها. ويبدو أن مهندسي الاضرابات وفنيي تلوين الحقائق واختصاصيي تسييس القضايا.. انتهزوا فرصة الانتخابات وأرادوا أن يدرجوا قضية النواب المطلبية في برنامجهم السياسي، بل أن هدفهم الأساسي المخفي أن يلد اضراب النواب اضرابات أخرى، تشمل قطاعات أخرى للعاملين في مجال المهن الصحية.. وبنظرة موضوعية لقضية النواب فهي قضية مطلبية مشروعة، وتجد تعاطفاً إذ إن الجميع يعترف بأن مهمة الأطباء من المهام التي تحتاج أن يوفر لها وضع مريح، يتيح لهذه الفئة العمل ليل نهار لإزالة شبح المرض أحد اضلاع المثلث (الثالوث) الخطير، الذي يعوق تقدم الشعوب (المرض والجهل والفقر).. حقيقة أن وزارة الصحة أهتمت اهتماماً بالغاً بمطالب النواب، وبقدر امكاناتها كوزارة استجابت لعدد من المطالب وبقية المطالب قيد النظر، وأن النواب ممثلين في لجنتهم تتفاوض مع الوزارة وتتابع أيضاً مجهودات الوزارة، لتحسين شامل للأجور، وشروط الخدمة، واقرار عدد من العلاوات والحوافز.. لكن ما يؤخذ على موقف بعض النواب أنهم خلطوا بين قضيتهم العادلة ونداءات بعض السياسيين الذين ينحرفون بالقضية، ويسيرون بها في طريق الاتجار والتسييس، وإذا لم يكن كذلك.. فما الذي يدفع مرشحاً رئاسياً للزج بحزبه في هذه القضية.. ومن قال إن القضية المطلبية لنواب الاختصاصيين غير ذلك حتى يؤكدها لنا المرشح الرئاسي العرمان، ويصرح بأن حزب الحركة الشعبية يرى أن القضية عادلة.. وهنا يجب على نواب الأطباء أخذ الحذر كل الحذر من أن تنحرف قضيتهم وتأخذ منحى سياسياً، وبذلك تضيع هيبة مهنتهم النبيلة، ومكانتهم الرفيعة وصورتهم لدى الرأي العام. ولعل مجريات الأحداث تشير إلى أن هناك عناصر موسوعة داخل النواب الاختصايين يرغبون في تعقيد الأمور، وخلق عدم الاستقرار في الحقل الطبي، خاصة إثارة إلى السلوك الذي صدر من بعض الأطباء بمطالبهم زملاءهم الذين أبت ضمائرهم أن يقدموا خدماتهم اشفاقاً على المرضى، ورفضوا أن يتركوا العمل ويتركوا المرضى للموت والهلاك، وبالطبع هذا سلوك غريب من البعض ويتنافى مع أخلاقيات السودانيين العاديين، فما بالك هذا السلوك أن يصدر من الأطباء الذين اتسموا بقسم ابيقراط وأن شرف المهنة لا يسمح لهم بذلك. قضية النواب الاختصاصيين تحتاج إلى الاحتكام إلى صوت الضمير والعقل والنظر إلى طبيعة المهنة، الذي يؤدونها النواب... وأن في بعض الاحيان يحتاج الأمر إلى ضبط النفس، لذا ليس من المصلحة العامة والحقل الصحي برمته، الاتجاه إلى التهديد بالدخول في إضراب آخر، وإأن الفئة التي تنادي بذلك يجب أن تدرك أن مخاطر الإضراب ستكونك أثاراً سيئة وربما يخلف عدداً من الضحايا وسمعة سيئة للبلاد، فيما يتعلق بالطب السوداني والأطباء على المحيط الاقليمي والدولي. لا ننكر أن شريحة النواب الاختصاصين ليسوا بمعزل عما يدور على الساحة السياسية.. لكن طبيعة المهنة والمسؤولية تحتم على فئة الأطباء إعطاء الأولوية للمهنة والاهتمام بالمرضى، وتسخير جل وقتهم لخدمة طالبي الخدمة الطبية.. لذا فالواجب المهني يجبرهم على الارتباط الوثيق بمؤسساتهم الطبية ومرضاهم، ولا خوف على الاستجابة لمطالبهم خاصة وأن هناك لجنة مختارة من بين النواب تدافع عن حقوقهم ومطالبهم، وقطعت شوطاً كبيراً لتحقيق كل المطالب لازالة الظلم والمعاناة من الأطباء النواب. عموماً نقول إن التصريحات السياسية المدمرة يجب ألا نسمعها، فبعضها يعتبر من الدعاية الرخيصة لكسب التعاطف، ولتعلم فئة الأطباء أن التصريحات السياسية المغرضة في هذا الوقت بالذات، تهدف لخلق عدم الاستقرار في مؤسسات ذات وزن كوزارة الصحة الاتحادية ولنسأل المرشح الرئاسي العرمان.. لماذا تصريحه جاء متزامناً مع الحملات الانتخابية، أليس يعلم العرمان أن قضية النواب ومطالبتهم بشروط خدمة وتحسين أجورهم ومرتباتهم ليست وليدة اليوم، وأين كان هو منذ بداية القضية حتى يصرح الآن تصريحه، الذي لا يخلف إلا صراعاً ويفجراً اختلافاً بين الأطباء ووزارتهم.. وإذا كان لابد من هذه التصريحات النارية والاهتمام بقضية أطباء وزارة الصحة الاتحادية.. فماذا يقول العرمان عن وزارة الصحة في حكومة الجنوب.. وهل هي خالية من المشاكل، وهل بها عدد كاف من الأطباء والإمكانات الطبية لمعالجة المرضى، خاصة وأن حجم انتشار الأمراض بأنواعها المختلفة أكبر بكثير من نسبتها في الشمال، الذي أصبح هدفاً لهجمات العرمان، رئيس الجمهورية المرتقب، كما يظن ويحلم معه آخرون... سؤالنا ماذا فعل العرمان للحقل الصحي بالجنوب؟ وما هو برنامجه الإصلاحي لتحسين حالة الطب في الجنوب؟. نواصل