ما أقسى الفراق والوداع.. طيلة أعوامي في الغربة، التي امتدت لأكثر من عقد من الزمان، لم أتصالح يوماً مع مفردات السفر والوداع والرحيل، ولا تستهويني أرصفة الموانئ ومدرجات المطارات، ومع ذلك لا مفرّ من كل هذا، فهكذا الأقدار وتعاقب الفصول في هذا الكوكب الذي ننتسب إليه ونعيش. اليوم الهندي عز الدين يضعني في مثل هذه المواقف. أذكر ذلك اليوم بوضوح، في ذاك العام الذي سبق ميلاد «آخر لحظة»، كنّا في رحلة لولاية جنوب دارفور في معيّة وفد صحفي ذاهب للقاء الوالي ٌآنذاك المهندس الحاج عطا المنان، والقيام بجولة صحفيّة ميدانيّة للوقوف على حقيقة الأوضاع هناك، والتي قطعاً كانت ملتهبة وساخنة، ولعلّها - أي الرحلة - كانت السبب - بعد الله - في ميلاد «آخر لحظة» في الطريق ل «كاس» والسيارة تنهب بنا الطريق بين أعواد الذرة والوديان والتلال والطبيعة الساحرة، كان بجواري الهندي وابراهيم أرقي، وفي مقدِّمة السيارة مصطفى أبو العزائم وعلي فقير، كنّا نتجاذب الحديث في مواضيع شتى، وأغلبه يدور داخل «حوش» الجرائد، قال لي الهندي ضاحكاً: «أنا لا أؤمن بالبقاء في صحيفة واحدة، الانتقال يحقق لك مكاسب عدة»! هل هذا هو الطموح الذي تحدّث عنه الهندي أمس وهو يعلن في «شهادتي لله» المنفستو الأوّل لإصدارته الجديدة «الاهرام اليوم»؟ لا أعرف على وجه التحديد.. ولكن الذي أعرفه أنّنا بعد أعوام من هذه الرحلة ضمّتنا «آخر لحظة» وعملنا معاً نواصل نهارنا بليلنا ونحتمل كل مفردات العمل والسهر والأذى من أجل «آخر لحظة» .. هذه العروسة .. كما كان يقول أستاذنا الراحل الكبير حسن ساتي، والتي نفتخر بها جميعاً كتجربة فريدة في الصحافة السودانيّة. في «آخر لحظة» تعرّفت على الهندي ووجدت فيه أخاً كريماً «صادقاً» و«شجاعاً» ، وربطت بيننا عوامل من المحبّة والاحترام المتبادل رغم الاختلاف والتباين في وجهات النظر، احتفظنا «بمسافة» معقولة ملأناها معاً بالتقدير «للإشخاص» والمقامات، كان لا يقول اسمي مُجرّداً من «مدير التحرير»، وكنت أناديه بالنائب. امتدّت العلاقة للبيوت. يزورني في «الدروشاب» وتعرّفت على أهله الكرام بام درمان وبجذوره «الأشراف» في أم مقد، حيث الأصالة والبيوت الكبيرة الممتدة .. وقد أهدى لي في إحدى المرات بدلة أنيقة نسميها في البيت «بدلة الهندي» .. الحديث عن الهندي يطول، وهذه فقط وقفة وفاء وتقدير لرجل أقول بثقة إنّه يستحق هذه الكلمات: الهندي عز الدين .. أنا أتمنى لك التوفيق والنجاح من كل قلبي!