القبيلة عبارة عن تكوين اجتماعي يقوم على روابط الدم وهي وحدة بناء داخل منظومة المجتمع وتكون قوة المجتمع من قوة روافده، وتربط بين أفراد القبيلة وشائج عاطفية تشد أفراد الجماعة إلى بعضهم وهي ما يطلق عليها العصبية القبلية، ولهذه العصبية دور إيجابي حيث يعود إليها الفضل في التماسك والتعاون الموجود بين أبناء القبيلة الواحدة. ويكون لزعماء هذه القبائل الدور المؤثر في إصلاح ذات البين وفض النزاعات داخل البيت القبلي، كما لهم دور مهم في الحفاظ على العلاقات بين القبائل الأخرى مما ينعكس إيجاباً على الأمن والسلم العام. ولكن كما تكون القبيلة أداة بناء، يمكن أن تكون معاول هدم إذا وظفت التوظيف الخاطئ، والمتتبع للتاريخ العربي يجد أن كثيراً من الحروب كان سببها العصبية القبلية وأشهرها حرب البسوس وداحس والغبراء، وهذه العصبية المنتنة حاربتها الدعوة الإسلامية التي جاءت لتوحيد القبائل العربية المتشرذمة تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله التي شعارها «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» و«لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى» فخرجت بهذه القبائل من الانتماءات الضيقة إلى فضاءات أوسع تستوعب اختلاف الأوطان والعشائر والألوان، فكانت خير أمة أخرجت للناس لأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وإيمانها بالله وليس بادعاء الاستعلاء العرقي أو الجهوي وكان خيرها عاماً حتى على غير المسلمين. وبعد انقضاء عهد النبوة والخلافة الراشدة والانتقال لعصر المُلك العضوض، أطلت العصبية برأسها من جديد وعادت سنن الله في كونه فكانت سبباً في سقوط الدولة الأموية وانحسار الإسلام عن الأندلس ووأد الخلافة الإسلامية في تركيا. وفي السودان كان من أسباب انتصار الدعوة المهدية هو نجاح الإمام المهدي في توحيد هوية المجتمع السوداني رغم تميزه القبلي والعرقي والديني والطائفي وغرس في نفوس السودانيين القيم الدينية التي تدعو إلى الاعتزاز بالدين والوطن. بعد وفاة المهدي دخل خليفته في صراعات متواصلة تغذيها الحمية القبلية مما صرفه عن بناء مؤسسات الدولة وعلى رأسها بناء جيش قوي يكون قادراً على الدفاع عن الدولة السودانية الوليدة، الأمر الذي جعله لقمة سائغة لحملة كتنشر ليغرق المركب بالجميع. وفي التاريخ المعاصر كان الخوف من تمدد النفوذ الطائفي في السودان وتوسعه على حساب الانتماء للوطن الكبير، على الرغم من رحابة ساحة الطائفية التي وسعت الجميع باختلاف قبائلهم وثقافتهم واتجاهاتهم واستبشر الناس بالخروج من عباءة الطائفية الضيقة فإذ هم يُحشَرون في ثوب القبيلة الأضيق الذي ساهم مع عوامل أخرى في إذكاء نار الحرب في دارفور وكردفان وانداحت هذه العصبية القبلية في كل السودان ولم يسلم منها أحد إلا من رحم ربي. ففي ولاية النيل الأبيض، والتي يتكون مجتمعها من عدة قبائل، كنا إلى وقت قريب لانحس أن هناك فرقاً بينهم بل تحس روح الترابط والانسجام، ليس في المدن الكبيرة فحسب، بل تجد في بعض القرى كالقراصة و ود الزاكي تمثيلاً لكل الوان الطيف القبلي وكأنها صورة مصغرة للتنوع والتعايش الاثني في السودان. فقد بدأت بوادر استشراء روح القبلية وتناميها بشكل سلبي على حساب الروح الوطنية وأصبح الولاء للقبيلة أهم من الولاء للوطن وللبرنامج.وقد ظهر ذلك جلياً في السباق الانتخابي خصوصاً على مقعد الوالي حيث يلاحظ دعم قيادات من المؤتمر الوطني وبعض الأعيان للمرشح المستقل إبراهيم هباني، نكاية في المؤتمر الوطني الذي قدم الشنبلي على ابن قبيلتهم - الحساني- نورالله. وهو فهمٌ لا أجد له تفسيراً حيث كان نورالله قبل بضعة شهور والياً للولاية ومعه في خندقه آخرون من قبائل أخرى ومن ضمنهم الشنبلي وكان يقف في الخندق المقابل له بعض من أبناء قبيلته ومنهم هباني.ومما لا شك فيه أن التعصب الأعمى والعنصرية له آثاره السلبية على مفهوم المواطنة ويؤدي إلى توسيع دائرة التنافر وبث الفرقة والأحقاد بين أفراد الشعب الواحد وتمزق وتفتيت النسيج الاجتماعي. وهذا المشكلة إن لم يتم تداركها من كل الحادبين على مصلحة النيل الأبيض قد تستفحل وتودي في النهاية إلى ما لايحمد عقباه.. عليه أرسل هذه الرسائل علها تجد آذاناً صاغية: أولها: للمرشح المستقل لمنصب الولاية إبراهيم يوسف هباني والذي لا نسئ به الظن ونتهمه بتأجيج نيران العصبية القبلية، ولكن لا يخفى على الجميع استفادته من نتائجها الأمر الذي يحتم عليه مسؤوليته التاريخية في محاربة هذه الظاهرة الوليدة ووأدها في مهدها خصوصاً أن شعار حملته الانتخابية هو «كن مشاركاً في التغيير» فهل يكون التغيير بالعودة إلى عصر ما قبل الدولة وسيادة القبيلة ثم أن هذا السلاح يمكن أن يستخدم ضده بكل بساطة في حالة فوزه بالمنصب حيث يعلم أن كثيراً من المحيطين به لا يجمع بينهم سوى الغبن على فطامهم عن ثدي السلطة، وفي حالة عدم حصول أي منهم على نصيبه في كيكة السلطة سيشهر في وجهه سلاح التهميش أما لجهة من الجهات أو لعشيرة من العشائر أوحتى لأسرة من الأسر. وثانيها: للناخبين في ولاية النيل الأبيض فلتعلموا أننا في ولاية واحدة تحكمنا هوية واحدة، ويجمعنا مصير مشترك وليس هناك تنمية خاصة بقبيلة دون الأخرى حيث ندرس جميعاً في نفس المدارس ونتعالج في نفس المستشفيات ونسير على نفس الطرق ونشرب من نفس المياه ونعاني جميعاً من الجهل والفقر والملاريا والعطالة، فصوتوا لمن شئتم فليس هناك حجر على أحد في أن يختار من يمثله ولكن دون عصبية ودون الرجوع للانتماء القبلي واعلموا أن كثيراً ممن يتحدثون عن القبلية إنما يتخذونها مطية للوصول إلى غايتهم الخاصة وكثير منهم جربناهم سابقاً فلم يفيدوا لا قبيلة ولا بلد. وثالثها: للمؤتمر الوطني وأخصه دون الأحزاب الأخرى لبروز ظاهرة التفلت والاستقواء القبلي بين أعضائه بشكل لافت للنظر داخل هذه الولاية حيث صار أي عضو يحتمي بأسرته ويساوم الحزب على ترشيحه وإلا ترشح مستقلاً، فيضطر الحزب مرغماً على ترشيحه حرصاً على أصوات عشيرته فيجب على الحزب حسم هذه الظاهرة دون الالتفات إلى أي حسابات انتخابية، ففقدان منصب خير من فقدان منهج قد يقود لضياع بلد، ثم أن العضو الذي يفشل الحزب في السيطرة عليه قبل الانتخابات كيف يكون حاله بعد الفوز وهو مستمد لشرعيته من عشيرته.. ومن المفارقات أن كثيراً من المتكئين على ثقلهم القبلي لم يكونوا معروفين داخل قبائلهم قبل تعينهم في هذا المنصب. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل المحامي- الكاهلي