لم أشهد وفاءً من الجماهير لسياسي ومسؤول حكومي مثلما جرى في محلية القوز السبت الماضي علي طريقة مشجعي كرة القدم في مواسم تسجيلات اللاعبين. حملت جماهير محلية القوز مولانا أحمد هارون على أكتافها وطافت به ميدان المخاطبة الجماهيرية.. لماذا حملت الجماهير هارون على أكتافها؟.. لثلاثة أسباب أولها الشعور والإحساس بأن المحمول على الأكتاف من الذين حملوه- فالحاكم أو الوالي ثلاث، حاكم في الناس وحاكم على الناس وحاكم من الناس، والاختلاف هنا لا في طريقة الاختيار كيف ولماذا ولكنه اختلاف مقادير العطاء.. فحينما يصبح الحاكم من الناس يشعر بآلامهم وأحزانهم ويلبي تطلعاتهم.. سبب آخر لتعلق الناس بهارون مرده لقرار محكمة لاهاي التي أصدرت أمر توقيف بحقه، ولأن الناس في السودان شهود على ما حدث في دارفور، وجد هارون تعاطفاً كبيراً قبل أن تصدر المحكمة قرار توقيف الرئيس ويصبح هارون ثانوياً، والأصل في قرار التوقيف الذي أسهم بنسبة لا تقل عن 50% بفوز البشير في الانتخابات إن تحقق ذلك- وإن فاز غيره فإن ال50% من الأصوات التي حصل عليها انهالت عليه من صناديق محكمة لاهاي.. سبب ثالث وأخير جعل الناس يحملون هارون على الأكتاف: تلك المشروعات الكبيرة التي بدأت في كردفان الجنوبية ونجاح هارون في جذب مليار دولار من القرض الصيني لمشروعات التنمية، وهي أكبر نسبة تنالها ولاية في السودان خلال السنوات الخمسة الماضية رغم أن محلية القوز من حيث اهتمامات حكومة جنوب كردفان تمثل البند الأخير في اهتمامات الحكومة التي انصبت في معالجة قضايا مناطق المسيرية في غرب الولاية لما يمثلونه من تحدٍ أمني للحكومة بالتمرد ضدها وبالصوت العالي الجهير.. بينما محلية مثل القوز تنبذ العنف المادي وحتى العنف اللفظي ويمنعها الحياء من ملاحقة الحكام في المكاتب والمخادع. كما ان اهتمام الحكومة متنامٍ للمناطق (المختارة)، وتعتبر مختارة إشارة للمناطق التي كانت (متمردة) في وجه الحكومة.. الذين حملوا أحمد هارون على أكتافهم ولسعتهم شمس أبريل من العاشرة صباحاً حتى الثانية ظهراً يمثلون مظاليم السودان، كيف لا ومدينة مثل الدبيبات بها (17) فصلاً بمدارس الأساس بنين وبنات يجلسون على الأرض.. تلميذات في الفصل الثامن أساس يجلسن على الأرض لتلقي العلم يغسلن ملابسهن يومياً وبرميل الماء سعره (12) جنيهاً !!. في داخل مدينة الدبيبات هناك (12) فصلاً دراسياً عبارة عن ظلال شجر النيم.. يتم ربط السبورة على الشجرة والمعلم يكتب للتلاميذ وهم ينتقلون مع انتقال ظل الشجرة.. اثنا عشر فصلاً في الدبيبات عبارة عن شجرة (نيم) وحجارة كانت في السابق مكوِّناً لفصول مدرسة افتتحت عام 1965 ولم تشهد أية أعمال صيانة حتى سقطت.. وتشهد لنائب الوالي السابق الجنرال دانيال كودي بأنه وحده من تفقد المدارس، وحينما شاهد التلميذات يجلسن على الأرض فاضت أعينه بالدموع.. أما أوضاع التعليم في قرى المحلية فإنها قطاطي ورواكيب من العشب الجاف وحتى مدير التعليم بالمحلية، وهو برلماني سابق، لا يملك مكتباً ولا تربيزة ولا منزلاً ولا سيارة. وحينما كان الوالي السابق عمر سليمان يطوف على أرجاء المحلية (تبرع) بالمشاركة مع المواطنين (تشاركية) لتشييد مدرستين واكتمل البناء حتى السقف لكن الحكومة قررت إعفاء الوالي.. ولمدة عامين ينتظر المواطنون في قريتي كركره وأم سعدة الحكومة أن تتكفل فقط بمائة ألف جنيه لتقرع الأجراس في تلك المدارس، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث.. ولكن المواطنين لم تأخذهم أحزانهم الخاصة فحملوا هارون على أكتافهم وعلى طريقة أهلنا كنانة في تسمية الأشياء أطلق على السيد المعتمد أسم (خازوق بين الحلة والسوق).