استوقفت المراقبين التصريحات الأخيرة للدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي، والتي قال فيها إنه يتفهم بعض القصور الذي شاب أداء المفوضية القومية للانتخابات مع مستهل مرحلة الاقتراع، مؤكداً وجود أخطاء ولكنها لا تقدح في نزاهة المفوضية ولا تدمغ الانتخابات نفسها بالتزوير، مبيناً أن الأجواء التي سادت متوقعةً.. منادياً بعدم إضاعة فرصة التحول السلمي الديموقراطي كوسيلة ناجعة للخروج من أزمة الحكم.. والذي استوقف المحللين هذه التصريحات الإيجابية «جداً» من زعيم عرف بإثارة الجدل والصدع بقول الحق، وفي سبيل ذلك دخل السجون والمعتقلات ردحاً من الزمن.. بل إن المفاصلة الشهيرة في الرابع من رمضان من العام 2000م، شكلت علامة فارقة في مسيرة الرجل، من عرَّاب لثورة الإنقاذ الوطني ومفكرها الأوحد إلى ألد خصوم المؤتمر الوطني والرئيس البشير.. وفي سبيل ذلك شهدت العلاقة بين الحزبين عراكاً ومشاكسات وملاسنات ما أنزل الله بها من سلطان، دفعت الوطني للقول بأن أبواب التفاوض مشرعة إلاّ مع الشعبي، رغم تأكيدات الشيخ الترابي نفسه أن قياديين نافذين بالوطني يزورونه سراً.. ويعلنون وبتخفي ولاءهم له.. ولكن لماذا برزت هذه التصريحات الإيجابية في الانتخابات وفي المفوضية.. وهي ذات الانتخابات والتي سكبت عليها المعارضة وقوى تحالف جوبا- والشيخ عضو فاعل فيه- كل الماء الساخن ورمتها بكل سبه ومنقصة.. فهل أراد الشيخ بهذه التصريحات الانتصار لمبدأ الحقيقة أم لشيء في نفس يعقوب، سيما مع تواتر الأنباء عن صفقات تجري في الخفاء بين الوطني وأكثر من حزب، وفي الأذهان حرب التصريحات التي اندلعت مؤخراً بين حزب الأمة القومي والوطني، على خلفية الميارات الأربعة التي قال الأمة إنه تسلم منها اثنان من الوطني على سبيل التعويضات. وعوداً على السؤال: هل أراد الشيخ بهذه التصريحات مغازلة الوطني الذي يهمه جداً أن يسمع كل كلمة خير عن الانتخابات وعن المفوضية، قد تضفي الشرعية على تدشين مرحلته الثانية في الحكم.. خصوصاً إذا جاءت هذه الإشادة من رجل بحجم وثقل الدكتور الترابي.. وعليه هل من المتوقع أن يبادل الوطني الدكتور التحية بأحسن منها؟ وهل عنت تصريحات الدكتور غازي صلاح الدين القائلة: «على المعارضة ألاّ تفوت فرصة المشاركة في الحكومة القادمة».. هل عنت تصريحات غازي حزب الدكتور الترابي؟ وماذا عن أولئك الذين تحدثوا عن مسرحية أفضت إلى خروج الدكتور الترابي من سلطة الإنقاذ، وانفراده بحزبه بعد المفاصلة الشهيرة كلازمة مهمة حتى تستأنف سفينة الإنقاذ، وتقوى على المسير في بحر متلاطم من الأعداء الدوليين يومها.. «آخر لحظة» حملت هذه التساؤلات لعدد من المختصين، حيث ابتدر الدكتور الباقر العفيف مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة الفكرية حديثه معي بتساؤل جديد وهو: هل هبط «الحُب» على قلب الشيخ فجأة ورضي عن تلاميذه القدامى.؟ وأضاف: أرى أن التصريح خاطئ ومضلل وضار لقضية الشعب عموماً. وأردف: لا أحد سيصدقه.. وتكهن العفيف بعدة سيناريوهات دفعت الشيخ لقول ما قال، أحدها أنه جاهل بقضية التحول الديموقراطي، والأخرى أن تصريحاته تأتي في سياق خطة «لملمة» ثانية مع الوطني.. واسترسل: وإلاّ فإن الشيخ يناقض نفسه. ولكن الدكتور الصادق الهادي المهدي مستشار رئيس الجمهورية ورئيس حزب الأمة قال ل(آخر لحظة): هذا الخط خط ممتاز، فالأهم لدينا ترسيخ التجربة بغض النظر عن النتائج، وبعد ذلك يمكن للناس أن يتفادوا أي أخطاء مستقبلاً.. وأردف: نريد أن ننقل البلد نقلة هادئة وسلسة نحو التحول السلمي الديموقراطي والخروج من شرنقة وازمة السلطة، التي قال إن السودان ظل محاصراً بها على مدى 50 عاماً.. وكرر: المهم هو ترسيخ التجربة واللجوء لصناديق الاقتراع كخط أصيل. ويعتبر الأستاذ عبد الله علي الأردب- المحلل السياسي- أن تصريحاً كهذا يكتسب صعوبة التحليل والتكهن كونه صادراً من شخص خبير دستوري وسياسي كالدكتور الترابي. وقال: يجب أن نقف عند تصريحاته. ويطلق الأردب عدة تفسيرات لحديث الترابي ويقول: واضح أنه وبذكائه المعهود بز رصفاءه في تحالف جوبا الذين قاطعواالانتخابات، وشارك حزبه ربما استجابةً وطنيةً ، لأن البلاد تسير نحو تحول ديموقراطي وهو يرسل حسن النوايا كشريك منتظر في الحكومة القادمة حسب دعوات الوطني- والحديث للأردب. والرسالة الثانية باعتقاد الأردب هي أن الدكتور الترابي ربما استشعر كسباً في الانتخابات الحالية، وأراد عبر تصريحه توفير غطاء وإضفاء الشرعية على الانتخابات للمحافظة على هذا الكسب.. وتكهن الأردب بأن يستقبل الوطني رسالة الترابي من واقع حرص الوطني على التحول السلمي والاستقرار السياسي، للدرجة التي طرح فيها نفسه مع الاخرين في انتخابات حرة ونزيهة. ولكن الأردب لم يوصل سقف التفاهمات بعد تصريح الترابي إلى وحدة الحركة الاسلامية، وقال لي عبر الهاتف: هذه تظل أمنية وطموحاً نسأل الله أن تتحقق.