قبل عامين وتحديداً في 2005م وفي عهد والي النيل الأزرق الأسبق أبو مدين كنا معه في رحلة بالبر إلى أثيوبيا. في طريقنا من الدمازين إلى قيسان مررنا بالكثير من المناطق والقرى وحدثت لقاءات جماهيرية عفوية للوالي فقد كان الأهالي يعترضون موكبه على طول الطريق بالدفوف و«الوازا» ذات الصوت الموسيقي الأخاذ والتي تحتاج لرجل شديد وقوي ليحملها على ظهره وأوداج سميكة تتحمل تيارات الهواء «الداخلة» و«الخارجة». كان الخطاب المشترك بين الوالي والقيادات المحلية لا يخرج عن التوجه الجديد بعد السلام ونيفاشا كانت طفلاً «يحبو» ومع ذلك كانت هناك إشارات واضحة لأيام المعارك التي دارت رحاها في هذه المنطقة مع الجيش الشعبي. في الطريق قبل أو بعد« سنجة نبق». على ما أذكر كانت هناك «بقايا دبابات» الأمر الذي يشير لشراسة المعارك التي دارت رحاها هنا وسمعنا بعض «الذكريات» و«الحكايات» من بعض الأشخاص نتمنى الا تعود أبداً.فمن الذي يريد القتال والدمار وإشعال الحرائق والقضاء على كل مظاهر التقدم والحياة مثلما رأينا وسمعنا في هذه الولاية التي تأثرت بالحرب وكادت تخرجها من دورة الحياة تماماً؟ لا أعرف لماذا تذكرت هذه الرحلة ونحن نستقبل في صحيفة(آخر لحظة)في صالة الأخبار في وقت متأخر من ليلة أمس خبر إكتساح مرشح المؤتمر الوطني د. فرح إبراهيم العقار لمنصب الوالي قلت في نفسي وأنا أطالع الأرقام التي «حصدها» مرشح الوطني وتلك التي حصل عليها مرشح الحركة الشعبية الفريق مالك عقار (99 - 93) قلت يبدو ان معركة شرسة وقوية قد دارت بين «الفريقين» بذات قوة وشراسة المعارك التي دارت هنا قبل سنوات ولكن هذه المرة عبر صناديق «الاقتراع» وليس صناديق «الذخيرة». لا أعرف ماهي الحسابات التي دخل بها كل من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ولا نعرف بالضبط ما دار من حوار وراء الكواليس بين الشريكين، حول هذه الولاية؟. ولكننا نعيد للأذهان حديث المهندس الحاج عطا المنان- أمين أمانة الولايات الوسطى بالمؤتمر الوطني- والذي قاله عندما خاطب لقاء النصرة والتأييد الذي أقامه أبناء ولاية النيل الأزرق بالخرطوم دعماً للبشير فقد قال إن الفوز بالنيل الأزرق أهم للوطني من الخرطوم والشمالية ونهر النيل..! وما نقلته (آخر لحظة) من الحاج في هذه الليلة تأكيده القاطع بفوز حزبه بمنصب الوالي بل إنه قال إن لم نفز فانظروا ماذا يعني ذلك وماهو مصير الولاية؟ ü إن هذا الحديث لمسؤول الوطني مقروناً بالنتيجة «المدهشة» يشيران إلى أهمية المعركة القادمة الخاصة بالمشورة الشعبية التي ستجرى في هذه الولاية عقب الانتخابات فهل أراد الحزب ومواطنو الولاية حسم هذه القضية قبل وقت باكر مهما كانت النتائج التي تترتب من ذلك على مستقبل الشراكة من ناحية؟ ومع السيد مالك عقار في شخصه كزعامة «حقيقية» في الولاية لا يمكن تجاوزها؟ لا نعرف على وجه التحديد ولكننا نستطيع أن نقول إن المؤتمر الوطني لن يتجاهل الموقف المبدئي والشجاع للسيد عقار والذي أعلن بوضوح خلافاً لرأي زميليه باقان وياسر عرمان في قطاع الشمال خوضه لمعركة الانتخابات. الأيام القادمة ستكشف التداعيات والآثار التي أحدثتها هذه النتيجة ولكنها لن تخرج عن إطار الاتفاق الكامل الذي ينتظر ولادته من جديد بين الشريكين والذي يستند على أهمية المضي باتفاقية السلام إلى غاياتها النهائية في إرساء دعائم السلام والاستقرار وطي ملف الحرب للأبد. النتيجة «ليست حلوة لمالك عقار» ولكن الزعامات السياسية تمتلك خاصية القفز من فوق «حاجز» الإطارات الشخصية الضيقة إلى رحاب الميدان الواسع الفسيح... ميدان الوطن.