في الساعات الأولى من صباح 30 يونيو 1989م، سيطرت على الشارع السوداني حالة من الترقب والتوجُس حينما احتلت المارشات العسكرية برامج الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون سط دعوات متكررة لجموع الشعب السوداني بترقب البيان الأول لثورة الإنقاذ الوطني بقيادة العميد عمر حسن أحمد البشير. ويتكرر المشهد صبيحة الثلاثاء 20 أبريل 2010م، باختلاف أن البيان الذي سيجيب على سؤال من سيحكم السودان؟ سيتلوه رئيس المفوضية القومية للانتخابات مولانا أبيل الير أو من ينوب عنه دون الحوجة الى المارشات العسكرية والتنبيهات. وبعيداً عن تأكيدات قوى الإجماع الوطني المعاوض المتكررة بعدم اعترافها بنتائج العملية الانتخابية وتشكيكها في نزاهتها وحياديتها، ينتظر (832.112) من مواطني ولاية النيل الأزرق، بحسب إحصائيات التعداد السكاني الأخير، ما سيسفر عنه الصراع المحموم بين مرشحي المؤتمر الوطني من جهة والحركة الشعبية من جهة أخرى للإجابة على سؤال من سيحكم الولاية؟ الصدفة وحدها خلقت تشابهاً في اسم مرشح الوطني لمنصب الوالي د. فرح عقار ومرشح الحركة الشعبية لذات المنصب الفريق مالك عقار. فالمؤتمر الوطني كان قد سمّى مرشحه نائب والي النيل الأزرق أحمد كرمنو في الثاني عشر من يناير الماضي مرشحاً عن الحزب لمنصب الوالي في الانتخابات، لكنه تراجع عن ذلك القرار بعد أقل من اسبوعين واختار د. فرح إبراهيم العقار. ويري المراقبون أن تراجع الوطني وسحبه لأحمد كرمنو جاء استجابة لنبض قيادات وقواعد الحزب بالولاية، وخوفاً من حدوث تصدع في جدران الحزب بالنيل الأزرق خاصة وأنه وعقب ترشيح أحمد كرمنو هددت مجموعات من قيادات الحزب بالانسلاخ وأعلنت أخرى عزمها خوض الانتخابات تحت لافتة (المستقلين) وعلى رأسهم رئيس اتحاد الرعاة باكاش طلحة؛ الأمر الذي شكل على إثره المركز لجنة لرأب الصدع بقيادة المهندس الحاج عطا المنان التي فشلت في إثناء القيادات الرافضة لترشيح كرمنو وكان أن دفع المركز بفرح ابراهيم العقار. أما مرشح الحركة الشعبية الفريق مالك عقار اير نائب رئيس الحركة، فقد جلس في مقعد الولاية بمرسوم جمهوري الثلاثاء 28 يوليو 2008م خلفاً ل«عبد الرحمن أبومدين» القيادي بالمؤتمر الوطني، إنفاذاً لترتيبات اتفاقية السلام الشامل التي وضعت بموجبها منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق تحت مظلة ما عُرف بالمشورة الشعبية التي أجازها البرلمان في جلسة الخميس 31 ديسمبر 2009م. وتضم ولاية النيل الأزرق (6) محليات أعلاها كثافة سكانية طبقاً لإحصاءات التعداد السكاني الأخير محلية الروصيرص (215.857) ومحلية الدمازين (212.712) و(127.251) لمحلية باو و(101.815) لمحلية الكرمك، وتأتي محلية قيسان (77.809) ومحلية التضامن (77.558) في آخر القائمة. وأكد أحمد مجذوب، رئيس مفوضية الانتخابات في النيل الأزرق، ل«الأهرام اليوم» أن عدد الناخبين المؤهلين للاقتراع حوالى (400.000) ناخب سجل منهم (351.795) وتم تقسيمهم على (154) مركزاً تحوي (296) نقطة اقتراع، وأوضح أنه ووفقاً لموجّهات تقسيم الدوائر فقد حصلت النيل الأزرق على (6) دوائر قومية و(29) لدوائر المجلس التشريعي الولائي، وتوقع أن تحقق الولاية نسبة تصويت تصل الى (80%). إذاً (80%) من الناخبين بالنيل الأزرق ربما تتوزع أصواتهم بين «الشجرة» رمز المؤتمر الوطني و«النجمة» رمز الحركة الشعبية و«الشمس» رمز المؤتمر الشعبي ورموز القوى السياسية الأخرى التي قررت المشاركة في العملية. ولكن استطلاعاً للرأي أجرته (الأهرام اليوم) بالولاية حصر التنافس في ولاية النيل الأزرق بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وأكد أن حكومة النيل الأزرق ربما لن تخرج رئاستها من قبضة أحد (العقارين)، وأشار إلى تضاؤل فرص القوى السياسية الأخرى من حيث تحقيق فوز كاسح يجعلها تتسلم مقاليد السلطة بالولاية بصورة شبه مطلقة. وإزاء ذلك قطعت قيادات المؤتمر الوطني بتحقيقهم فوزاً كاسحاً على مرشحي الحركة الشعبية التي اتَّهموها باستخدام أساليب الإرهاب والتخويف على مواطني الولاية. وقال رئيس شورى المؤتمر الوطني بالنيل الأزرق بشير الشائب إن اكتساح د. فرح إبراهيم العقار للانتخابات مسألة وقت وأن آخر إحصائيات الحزب قبل إعلان مفوضية الانتخابات للنتيجة وقبل اكتمال الحصر في بعض الدوائر بالمحليات كقيسان والكرمك وجزء من محلية التضامن تشير الى أن الفارق أكثر من (32) ألفاً بين فرح ومالك، وأوضح أن حزبه يتفوق بشكل بيِّن على كل منافسيه بما فيهم الحركة الشعبية في كل مراكز محلية الروصيرص باستثناء مركزين فقط (يوة) و(الكروري) شمال الروصيرص اللذين أشار الى أنهما سيؤولان للمرشح المستقل باكاش طلحة. وأكد الشائب في حديثه ل«الأهرام اليوم» أن حزبه يتمدد في محلية الدمازين وأن الحركة تتفوق عليه في مناطق قنيص غرب فقط. وقال: «رغم إن الحصر مازال مستمراً بمحلية التضامن إلا أن الوطني متفوق»، وأضاف: «محلية باو التي معروف أن معظم سكانها من قبيلة الانقسنا التي ينحدر منها مالك عقار استطعنا أن نتقاسم مع الحركة حاضرة رئاستها»، واستطرد: «لكنهم يتفوقون علينا في سودة». ولكن ما ذهب اليه رئيس شورى الوطني بالنيل الأزرق عدّه مساعد سكرتير الشؤون السياسية والتنظيمية بالحركة الشعبية عبد الباسط بكري، شكلاً من أشكال (المكابرة)، وأوضح: خضنا الانتخابات لنفوز ووجودنا في الدمازين كبير ومؤثر وفي الرصيرص لا بأس به ومحلية الكرمك منطقة مقفولة للحركة الشعبية، وأشار الى أن (80%) من سكان محلية باو منحازون لهم، لكنه قال: «نقاسمهم محلية التضامن (50%) ونفوقهم بحوالى ال(60%) في محلية قيسان. ورأى بكري أن الفريق مالك عقار رئيس الحركة الشعبية بالنيل الأزرق قدم للولاية بالقدر الذي تأتي به صناديق الاقتراع، موضحاً أن فترة حكمه تعد من أفضل الفترات منذ الاستقلال، وقال: مالك قدم الكثير والمواطن أحس بالاستقرار والطمأنينة. واتَّهم الشائب الحركة الشعبية بتخويف المواطنين وعلّق: «كان بقولوا للجماهير يا النجمة يا الهجمة»، لكنه أوضح أن الوجود الكثيف للقوات الأمنية من القوات المسلحة والشرطة والأمن خلق استقراراً وطمأنينة بين المواطنين، وجدد تأكيداته بفوز حزبه المؤتمر الوطني، ونوّه الى أن الوضع في محلية قيسان لا يختلف عن بقية المحليات وأن التسجيل في منطقة عرديب والرقية الدائرة (23) تجاوز ال(4) آلاف، وقال إن أكثر من (3) آلاف منهم سيعطون (الشجرة) وأن الوضع أيضاً مطمئن بالدائرة (14) و(25) باستثناء منطقة (امورات)، وأشار الى أنه في مناطق (دروب) و(بانت) و(أُقد) فإن الوطني يكتسح الجميع. وقال الشائب إن الحركة استجلبت أيام التمديد للسجل الانتخابي الآلاف من الجيش الشعبي من مناطق (ودكة) و(سمعة) بأعالي النيل إلا أن سلطات ولاية أعالي النيل منعت الجيش الشعبي من التحرك الى النيل الأزرق، وقال: (كده كدوس مالك انكسرت فيهو قشة)، وأضاف: «الوطني سيفوز ب(80%) والحركة لن تجد أكثر من (10%) بفضل مجموعاتها المتوزعة في الكرمك وباو. بيد أن مساعد سكرتير الشؤون التنظيمية والسياسية عبد الباسط بكري اعتبر الحديث عن فوز المؤتمر الوطني وخسران الحركة الشعبية أمراً غير وارد البتة، وقال نسعى للفوز على المؤتمر الوطني رغم أنه حزب كبير حكم لأكثر من (20) عاماً. ورغم تبادل الاتهامات بين الطرفين الا أنهما اتفقا على أن الوجود الكثيف والملحوظ للجهات الأمنية من قوات مسلحة وشرطة وأمن في شوارع وطرقات محليات الولاية السبع خلق حالة من الطمأنينة والاستقرار بين المواطنين منعت حدوث تفلتات أمنية تذكر تؤثر على سير العملية الانتخابية وأفرغ شائعة (يا النجمة يا الهجمة) من محتواها. وفي المقابل، أيام قلائل تفصلنا، ويكشف أبيل ألير، أو من ينوب عنه، الملامح الرئيسية الهيكل للحكومة القادمة. أما جماهير النيل الأزرق، وإلى حين إعلان النتائج، تظل أعينهم شاخصة نحو سماء الولاية لتقرأ فيها السؤال المُلح: هل يهزم العقارُ عقاراً؟ وسؤال آخر: هل ترضى القوى السياسية المتسابقة، بما فيها الوطني والحركة، ما تخرج به مفوضية الانتخابات؟ أم أن اعلان النتائج سيفتح الباب لحرب تعصف باستقرار الإقليم؟!