ها هي الانتخابات قد انتهت، وها هو المؤتمر الوطني قد تحقق له ما أراد إذ حقق فوزاً كاسحاً كما خطط لذلك منذ أمد طويل، في وقت كانت تغط فيه أحزابنا في ثبات عميق تحت ظل شجرة المؤتمر الوطني والتي حجبت بظل أوراقها الكثيفة والمتماسكة حرارة الشمس اللافحة.. وحتى رنين الأجراس والطَرق بالشواكيش والضرب بالعصا وإزعاج اللواري والتركترات لم يوقظ هذه الأحزاب من ثباتها، فهنيئاً للمؤتمر الوطني بهذا الفوز الذي جاء كما خطط له وأراد حيث خلت له الساحة تماماً من المنافسين أو أُخليت حتى من أولئك الذين قد انشقوا عنه وترشحوا مستقلين، فهنيئاً له بهذا الفوز وحق لدكتور نافع أن يقوم بقبر هذه الأحزاب في القبور التي أعدها لها سلفاً، لأنه قد تأكد أن -الرجل- كان يعي ما يقول! لكن هل يستطيع المؤتمر الوطني لوحده أن يتحمل تبعات الفترة القادمة واستحقاقاتها التي تنوء بحملها الجبال!! بل هل تستطيع الأحزاب مجتمعةً، إذا أفلح المؤتمر الوطني لجرها إليه لتشترك معه في حكومة قومية، أن تتحمل هذه التبعات؟!. إن السودان يمر بمنعطف خطير وسوف يدخل في فترة تاريخية حرجة وحتى يخرج من هذا المنعطف الخطير ويتجاوز هذه الفترة التاريخية الحرجة فإن ذلك يتطلب تضافر جهود كل أبنائه، وهذا ما كنا نتمنى أن تحققه الانتخابات التي أجريت لكن بكل أسف فقد أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث استأثر المؤتمر الوطني بنتيجة الانتخابات لصالحه في الشمال واستأسدت الحركة الشعبية بنتيجة الانتخابات لصالحها بالجنوب، لكن هل يستطيع هؤلاء الشريكان المتشاكسان الخروج بالبلاد إلى بر الأمان؟! إن تجربة الشريكين السابقة لا تبعث الأمل في النفوس حيث ظلا وطيلة الأعوام الماضية في صراع وتبادل للاتهامات.. يتهم كلٌ منهما الآخر بخرق اتفاقية السلام الشامل.. فالفترة الانتقالية السابقة والتي كان من المفترض أن يعمل فيها الشريكان لجعل خيار الوحدة خياراً جاذباً، إلا أنه وبكل أسف قد أنتهت هذه الفترة و أصبح خيار الوحدة أكثر بعداً.. ففي يناير القادم سوف يجري الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان، وبالتالي مصير السودان كله هل سيكون السودان واحداً موحداً أم سوف ينقسم إلى دولتين متحابتين متعاونتين أم دولتين متحاربين؟. إن كل القرائن تشير إلى أن الانفصال لا محالة واقع اللهم إلا إذا تدخلت الأيادي الخفية لتجعل خيار الوحدة هو الخيار الفائز، كما تدخلت هذه الأيادي الخفية وجعلت المؤتمر الوطني هو الحزب الفائز في الانتخابات في الشمال دون أي منافس أو منافسة تُذكر.. فهل يرضى المؤتمر الوطني لنفسه أن يتحمل أوزار تقسيم السودان ذلك البلد الذي آل رئيسه على نفسه أن يسلمه موحداً كما استلمه موحداً؟! فمشكلة الحدود بين الشمال والجنوب لا تزال قائمة حيث لم يتم ترسيمها بعد، ومشكلة أبيي هي الأخرى قائمة، وقضايا المشورة الشعبية بمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان لا تزال معلقة؟؟ فهل يستطيع شريكا نيفاشا حل هذه المشاكل والقضايا بمفردهما بعد أن أستأثرا بكل مقاعد البرلمانات القومية والولائية وهما الذان فشلا وطيلة الفترة الماضية في جعل خيار الوحدة خياراً جاذباً؟!. كذلك هل يستطيع شريكا نيفاشا المتشاكسان من صياغة ووضع دستور دائم للبلاد وإجازته من قبل المجلس الوطني بمفردهما؟! لأن واحد من أهم الأعمال التي تنتظر المجلس الوطني القادم هي صياغة ووضع دستور دائم للبلاد وإجازته فهل سيقوم بذلك الشريكان دون مشاركةٍ من الأحزاب السياسية الأخرى؟ وأي دور ينتظره الشريكان من الأحزاب السياسية الأخرى لتلعبه في عملية صياغة ووضع الدستور وهما الذان تعمدا إقصاء هذه الأحزاب من مشاركتهما في البرلمان!! وهل ترضى هذه الأحزاب لنفسها أن تلعب هذا الدور الذي سوف يحدده لها الشريكان؟! وهل سيكون الدستور الذي سوف تجيزه عضوية الشريكين بالمجلس الوطني معبراً عن آمال وتطلعات الشعب السوداني وملبياً لمتطلباته وهل ستوافق الأحزاب السياسية الأخرى على هذا الدستور؟! أم أن الأيادي الخفية سوف تتدخل أيضاً ليفسح الشريكان المجال لهذه الأحزاب لتدلي بدلوها في وضع وصياغة وإجازة الدستور!! فقد سبق لأحد قادة المؤتمر الوطني وبعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل أن أشار إلى أن هناك دور كبير ينتظر المجلس الوطني المنتخب، لأنه سوف ينظر في مسائل مصيرية بالبلاد ولا يريد لحزبه - حزب المؤتمر الوطني- أن يتحمل ذلك بمفرده لأن من بين هذه المسائل الخطيرة مسألة تقرير المصير.. فهل تخلى المؤتمر الوطني عن هذا الهدف وقرر أن يتحمل ذلك بمفرده؟! كذلك أذكر تخوف السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني حيث أشار إلى أن الجنوب سوف ينفصل بنهاية الفترة الانتقالية وأن دستور 2005م سوف يفقد صلاحيته ويكون دستور 1998م هو دستور البلاد الدائم الذي ترفضه كل القوى السياسية!!. فهنيئاً للمؤتمر الوطني بهذا الفوز ولكن هل سيهنأ الشعب السوداني بهذا الفوز؟! إن الوعود التي أطلقها المؤتمر الوطني للشعب السوداي لجد كثيرة وهي ولا شك إذا التزم المؤتمر بالوفاء بها فسوف يهنأ الشعب، فهل يتوقع الشعب السوداني أن تفتح المدارس أبوابها في يونيو القادم وقد وفرت الحكومة كل المعينات اللازمة للدراسة من معلم وفصل وأثاث وكتب!! وهل يتوقع الشعب السوداني أن ينعم أبناؤه بعام دراسي خال من الطرد أو العقوبة لعدم دفع الرسوم التي تفرضها إدارات المدارس لتسيير أعمالها بعد أن عجزت عن الحصول على ذلك من المحليات؟ هل يتوقع الشعب من الحكومة أن تقوم بإزالة الطبقية في التعليم وذلك بتجفيف المدراس النموذجية التي قسمت التلاميذ إلى طبقتين؟ وهل يتوقع الشعب من الحكومة أن تضع لائحة رادعة تنظم عمل المدارس الخاصة لتجعل منها عنصراً مكملاً لدور الحكومة لا خصماً عليها إذ أصبحت المدارس الخاصة وبالرغم من رسومها العالية هي الأصل وأصبحت مدارس الحكومة هي الفرع. فهل يطمع الشعب السوداني أن تعيد الحكومة التعليم إلى سيرته الأولى وذلك تحقيقاً لشعار مجانية التعليم! وهل يتوقع الشعب السوداني أن تفتح الجامعات في العام القادم والطلاب قد تم قبولهم دون أي رسوم، وحتى إذا كانت هناك رسوم تدفع فهل ستكون رسوماً رمزيةً لا تشكل عبئاً على كاهل المواطن! لأن معظم أبناء الشعب السوداني يعانون اليوم من رسوم الدراسة بالجامعات والمعاهد العليا العالية والتي كانت سبباً في حرمان جزء كبير من أبناء الشعب السوداني من مواصلة تعليمهم!. وهل يطمع الشعب السوداني أن يجد الرعاية الصحية الجيدة في مستشفيات الحكومة وهل سوف تجد كل العلاجات التي سوف تكتب له داخل مظلة التامين الصحي؟! وهل يتوقع أن يسترد ما يدفعه لشراء العلاج كاملاً أو بنسبة معقولة بدلاً عن النسب المعمول بها الآن؟. وهل يطمع الشعب السوداني أن يجد أبناؤه فرصاً للعمل بعد أن فتحت البلاد- وبموجب قانون الاستثمار- أبوابها للعمالة الأجنبية والوافدة؟ وهل يطمع الشعب السوداني أن تستكمل حكومة المؤتمر الوطني نهضتها التي بدأتها حتى توفر فرص العلم لأبنائه العاطلين عن العمل والذين عددهم في تصاعد مستمر؟! إن الوعود التي قطعها المؤتمر الوطني للشعب السوداني كثيرة جداً وقد صبر الشعب السوداني وظل صابراً طيلة العقدين الماضيين، فهل سيهنأ الشعب السوداني في الأربعة أعوام القادمة وينسى المرارات التي ذاقها في العقدين الماضيين كما يهنأ المؤتمر الوطني بالفوز هذه الأيام.