يبدو أن أكثر شئ ظل يحرص عليه أستاذنا معتصم فضل في(هنا أم درمان) هو الإنشغال بأن يكون احتفال إذاعته السنوي قائماً، وأن تكون (ربة العام) في حدائق حوش الإذاعة أفضل من السابقة، هكذا تؤكد الوقائع وتقول الحقائق.. فالإذاعة السودانية التي كان لها ألقها ونجومها وجمهورها لم تعد كذلك، وقد قال لي أحد مدمنيها في السابق، إنني لم أكن- حتى عهد صلاح الدين الفاضل- استطيع أن أتجاوزها، خاصة متابعة بعض البرامج.. أما مؤخراً فإنني إذا غبت عنها ثلاثة أشهر لا أحس بأن شيئاً ينقصني، كما قال لي آخر: إن الإذاعة لم تعد تمتلك برامج جاذبة تستحق أن تمنحها من وقتك، في ظل تعتيم الدورات الفصلية(خريف وصيف وشتاء) بلا ربيع، وقد ظللت أنا منذ مدة أتابع الصحف، فافتقدت الكاتب الذي يكتب في أي برنامج إذاعي مشيداً أو منتقداً.. مما يشير إلى أن الكُتَّاب أنفسهم قد هجروها، كما أن الاشراقات القليلة جداً التي يقوم بها شباب الإدارة السياسية، تضيع ولا تجد سامعين كُثر لها، في ظل الجفوة التي سادت بينها وبين المستمعين الذين كانوا لا يبدلونها بشئ، وقد هجرها كثيرون جداً لإذاعات FM برغم ضعف ما يقدم في تلك الإذاعات.. نعم أن الأخ معتصم رجل فاضل، ونعم أنه قد كان من المفترض أن يتقاعد للمعاش، إلا أن صناع القرار رأوا إن يبقى إلى حين، ولكن معتصم لم يستفد من الفرصة ليصحح تجربته، لنبكيه عليها عندما يتقاعد، كما لم يؤكد استفادته من المديرين العمالقة، الذين عاصرهم، والذين منهم أستاذنا محمود أبو العزائم الذي كان يخرج من مكتبه ليجلس مع العاملين في مكاتبهم، متفاكراً معهم، بل كان ينام وأذنه مفتوحة على المذياع، وكان يتصل بنفسه بالعاملين مشيداً أو منتقداً.. ومشكلة الأستاذ معتصم تبدو في أنه غير منشغل بأن تكون إذاعته جاذبة كما كانت، والدليل أن جوائز التميز التي تمنح كل عام أغلبها تمنح لوجوه مكررة، لا يعرف المستمع شيئاً عن تميز عطائها.. أما المشكلة الثانية.. فإنه قتل الإذاعة عمداً أو من غير عمد، بإنشاء إذاعات كثيرة داخل حوش الإذاعة، مثل إذاعة للوحدة الوطنية، وأخرى للقرآن الكريم، وثالثة للبيت السوداني و.. و.. و... صارفاً اسماع الناس بحسب اهتماماتهم للإذاعات الأخرى، لتصبح إذاعة البيت السوداني هي صاحبة الجماهيرية الأعلى، لما فيها من ألق قديم، كانت تقدمه الإذاعة القومية من غناء وثرات وفنون مختلفة، وكذلك صار للإذاعات الأخرى مستمعيها، وبقيت الإذاعة الأم فقيرة لا تملك من الألق شيئاً تلفت به الناس اليها، فيديرون المؤشر نحوها ليكون الحال في الإذاعة القومية، أنها تصبح تاريخاً جميلاً وذكريات تُحكى، حيث كانت انطلاقة أغلب كبار المغنيين منها وألمع نجوم الساحة في المجال الإعلامي فيها، ولا أعتقد أن صديقنا وأستاذنا معتصم يمكن أن يفعل شيئاً ليعيد للإذاعة شيئاً بعد أن فرق أو سمح بأن يتفرق دمها بين الإذاعات، الشئ الذي يجعلنا نقول إن من بين الأجهزة التي تحتاج إلى انقاذ في المرحلة المقبلة الإذاعة القومية، حتى تعود إلى القها، فالشئ الوحيد الذي تحافظ عليه حالياً من الماضي هو قواعد اللغة العربية، بينما فقدت كل شئ غيره، ولا نعفي صديقنا الأستاذ عبد العظيم عوض مدير الشبكة القومية (مدير البرامج)، فالبرامج كلها متشابهة ورتيبة، ولا جديد فيها، ولولا الاشراقات القليلة المتبقية في إدراتي السياسة والرياضة، لما بقي للإذاعة مستمع واحد. أخيراً: أنا من المعجبين جداً بالمخرج معتصم فضل، فهو من جيل الزمن الجميل للإذاعة، وقد لمع اسمه في ذلك الوقت، حين كان كل مقدم برنامج أو مخرج هو نجم.. أما اليوم فالأستاذ معتصم كإداري فقد أكدت التجربة أن قدراته الإخراجية لم تسعفه فيها، برغم أن المخرج معروف عنه قائد فريق عمل.. عموماً نأمل أن يسبق معتصم قرار التغيير بتغيير في النمط الإداري القائم الآن في الإذاعة، والذي غابت بسببه البرامج الجاذبة، وتفرق المستمعون بين أبناء الإذاعة من إذاعات FM التي يعلن كل حين عن جديد فيها، ولا يأتي نقدنا للإذاعة من شئ شخصي مع معتصم أو عبد العظيم أو غيرهم، فهم جميعاً يدركون محبتنا لهم على الصعيد الشخصي، وحجم الود الذي يربطنا بهم، إلا إن الإذاعة كجهاز قومي همام يجعلنا نقفز فوق ذلك، حتى يكون بحجم رغبتنا فيه، وحاجتنا إليه.