تضطرنا تطورات الأحداث إلى تخصيص (إضاءة) اليوم أيضاً لتداعيات الملف النووي الإيراني، حيث لم يمض سوى يوم واحد على توقيع (الإعلان الثلاثي) الإيراني- التركي- البرازيلي القاضي بتبادل الوقود النووي، عبر تركيا، حتى اندفعت الولاياتالمتحدة، لا تلوي على شئ، من أجل إجهاض ذلك الاتفاق الجديد الذي رعاه (بالتضامن) كل من الرئيسي الإيراني أحمدي نجاد والبرازيلي لولا داسليفا ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. والاتفاق كما وصفناه بالأمس يعكس براعة دبلوماسية إيرانية يحسدها عليها أمهر الحواة حيث تمكنت طهران بموجبه قلب صفحة اتفاقية فيينا لتبادل الوقود النووي التي كانت هي آخر إبداعات مجموعة (5+1) التي تضم الدول الخمسة دائمة العضوية بمجلس الأمن زائداً ألمانيا، والهادف أساساً لتقييد النشاط النووي الإيراني ولتجميد جهودها في مجال التخصيب، حيث لم تقل إيران إنني أرفض (إتفاقية فيينا) التي اعتمدتها تلك الدول وأودعتها لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتنفيذ، ولكنها أتت باتفاق جديد يستجيب(شكلاً) لمطلوبات اتفاقية فيينا ولكنه يوفر لها ما ترغب فيه من ضمانات وحقوق- لها وللآخرين- في الحصول على تكنولوجيا الاستخدامات السلمية للطاقة النووية ، بما في ذلك حق تخصيب اليورانيوم حتى درجة (20) في المائة، وهي الدرجة التي يصبح من الميسور بعدها بلوغ نسبة (95) في المائة اللازمة لانتاج الأسلحة النووية، وهذا هو مكمن قلق الولاياتالمتحدة وشركائها في مجمل البرنامج النووي الإيراني. وقد ختمنا (إضاءة) الأمس بالقول: إن الأيام والأسابيع المقبلة كفيلة بأن تجيب على مدى قدرة حية (الإعلان الثلاثي) على إلتهام حيات (السحرة الكبار) أم أنه لا تزال لديهم القدرة والمناعة لرد الصاع صاعين. فإذا بنا نفاجأ بأن (كبير السحرة) -(الولاياتالمتحدة)- يخرج من جيبه (حية العقوبات) ويضمن لها، على الفور، أصوات الخمس الدائمين بمجلس الأمن، بمن فيهم روسيا والصين- وكلاهما ذات علاقات مصلحية ممتدة مع إيران- لتؤكد ما ذهبنا إليه بالأمس أيضاً- بأنها تعرف كيف تستصدر قرارات العقوبات من مجلس الأمن . بل إمتد الأمر لأبعد من ذلك إلى (خلخلة) الموقف التركي الذي عكسته تصريحات رجب طيب أردوغان أثناء زيارته لمدريد أمس الأول (الثلاثاء) وبعد يوم وا حد من توقيعه على (الإعلان الثلاثي) في طهران مع نجاد وداسيلفا. كل المؤشرات تدل على أن مسودة العقوبات الدولية الصادمة ضد إيران كانت جاهزة وحاضرة في جيب السيدة سوازن رايس، وإنه بينما كان نجاد وداسليفا وأرودغان يعدون (إعلانهم الثلاثي) في طهران كانت واشنطن تستعد لاصدار الرد بمشروع قرار العقوبات ، وأنها ضمنت في الأثناء أصوات الخمسة الكبار بتحركات دبلوماسية حاسمة وسريعة، فقد مثل (كسب الوقت) عنصراً حاسماً لكي تضمن واشنطن النتيجة المرجوة، لأن أي تراخ أو تأخير ربما يتيح لطهران إقناع مزيد من الأصوات المؤيدة لإعلانها ويؤمن لها الانتصار في المعركة الدبلوماسية الشرسة الجارية حول ملفها النووي، خصوصاً وهي قد بدأت تحركات ومناورات دبلوماسية لافته باتجاه (باريس) من خلال صفقه لتبادل المجرمين، رافقتها صفقات (تحت الطاولة) رصدها المراقبون تتحدث عن تزويدها بقطع غيار لطائراتها الحربية الفرنسية الصنع (الميراج) ومعدات تقنية متطورة، وهو الذي ربما يقود في النهاية إلى (تحييد) إن لم يكن كسب الموقف الفرنسي في مجلس الأمن ففي نفس اليوم الذي كانت تطرح فيه رايس مشروع العقوبات على مجلس الأمن وصل إلى مطار طهران الدولي (على وكيلي راد) قادماً من باريس حيث أمضى (17) عاماً في السجون الفرنسية بعد إدانته باغتيال رئيس الوزراء الإيراني الأسبق- في عهد الشاه- شهبور بختيار مفرجاً عنه بقرار من وزير الداخلية الفرنسي، بينما كان يجري التحضير لتقديم الطالبة الفرنسية (ريس) لاحدى المحاكم الإيرانية بتهمة التخابر تمهيداً للأفراج عنها هي الأخرى وترحيلها إلى باريس ويزيد في أهمية التحرك الإيراني باتجاه فرنسا بالذات هو كونها (الدولة المرشحة والمؤهلة لتزويد إيران) بكمية ال (120) كيلوغراماً من اليورانيوم عالي التخصيب في صفقة تبادل الوقود النووي المقرر بموجب اتفاقية فيينا لقاء تسليم إيران (1200) كيلوغرام منخفض التخصيب بنسبة (3.5) في المائة. مشروع القرار الجديد الذي أودعته واشنطن مجلس الأمن، والذي حظى على الفور بموافقة الدول الخمسة دائمة العضوية وألمانيا، كما أعلنت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، يهدف لتوسيع نطاق العقوبات الدولية على إيران ليشمل قطاعها المصرفي وصناعات أخرى، ويدعو إلى إنشاء نظام دولي لتفتيش السفن التي يشتبه أنها تحمل شحنات تتصل بالبرنامج النووي أو الصاروخي الإيراني، ويفرض حظراً على ودائع المسؤولين الإيرانيين الكبار وعلى حركتهم وأسفارهم كما يحث على اليقظة من (الحرس الثوري) وجميع المعاملات المصرفية الإيرانية بما في ذلك التعامل مع(البنك المركزي)، ويدعو لمنع التراخيص الجديدة للبنوك الإيرانية في الخارج إذا اشتبه في وجود صلة لها بالانتشار النووي وكشف مسؤول أمريكي كبير أن مشروع القرار الجديد يمنع أيضاً إيران من الاستثمار في الخارج في قطاعات حساسة مثل مناجم اليورانيوم، ويعبر المشروع عن (القلق البالغ بخصوص قيام إيران بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20 في المائة ). وتتوقع مصادر الأممالمتحدة أن يتم التصويت على القرار في أوائل شهر يونيو. حتى الآن، فإن رد الفعل الوحيد المساند لإيران بقوة هو رد فعل البرازيل- الراعي الأساسي للإعلان الثلاثي- فقد أعلنت مندوبة البرازيل لدى الأممالمتحدة (ماريا لويزا) أن حكومتها ترفض بشدة مسودة القرار، وذلك بعد (الاتفاق الجديد) لمبادلة الوقود النووي مع طهران الذي ساعدت هي وتركيا في التوصل إليه، وقالت إن البرازيل لن تشارك في أي مناقشات بشأن مشروع قرار العقوبات الجديد في هذه المرحلة(لأننا نشعر بأنه طرأ وضع جديد) بينما ذهبت تركيا شريك الإعلان الثلاثي- إلى (منزلة بين المنزلين) حيث نسب لدبلوماسي تركي كبير قوله إنه(لا يستبعد إجراء مناقشات بشأن مشروع العقوبات) لكنه استدرك بقوله(يجب التركيز على المسار الآخر) في إشارة إلى إتفاق طهران لتبادل الوقود. أما أرودغان فقد حذر، من مدريد، من أن(إيران ستجد نفسها وحدها) إذا لم تف بشروط اتفاق مبادلة الوقود النووي لتركيا في غضون شهر. وهو تنبيه أيضاً إلى أن(عنصر الزمن) سيكون حاسماً في هذا السباق الدبلوماسي وإلى استعداد تركيا- العضو غير الدائم في مجلس الأمن- لتغيير موقفها بحيث تصبح(إيران وحدها) في مواجهة الجميع.هكذا إذن، تمكن (الساحر الأكبر) من ابتلاع حية (الإعلان الثلاثي) بين ليلة وضحاها وأن يخرج من جيبه (حية العقوبات) الرقطاء ملوحاً بها في وجه طهران ونجاد و (الولي الفقيه) الذي قد تفاجئ (بركاته) الجميع بشئ جديد يعيد ( الشيطان الأكبر إلى علبه) وأيضاً دعونا ننتظر لنرى.