ما يطلبه المستمعون واحد من البرامج الإذاعية العتيقة، والتي لم ينفضَّ عنها المستمعون، وإن تعددت وسائط الاستماع والمشاهدة، فمكتبة الإذاعة السودانية غنية بتراثنا الثقافي، ولعل (الوصفة السحرية)التي فطن لها المخرج الألمعي طارق البحر في إذاعة البيت السوداني، هي بث الأغنيات الخالدات، مما جعلها الإذاعة الأولى من بين إذاعات الFM بلا منازع.. يُمة عشه.. كانت تحب الاستماع للغناء، وهي الشريفية بنت الشيخ إبراهيم زياد عيسى سوار الدهب البديري الدهمشي.. حفيدة الشريفية آمونة بنت الشريف حمد أب دنانه الحسيني.. لكن يمة عشة كانت تكره أغنيتين إثنتين الأولى للمرحوم صديق الكحلاوي التي يقول مطلعها: (قالوا عليّ شقي ومجنون.. صحيح مجنون.. وإنتو جنوني ياحلوين.. إن شاء الله اجن.. وأزيد في الجن) وكانت ترد بغضب.. إن شاء الله تجن.. وترد علي الكوبليه الثاني.. الجن الما يخليك بركة أبواتي وجدودي.. والتانية أغنية الأستاذ محمد الأمين والتي يقول فيها (نعيش برانا نعيش في جنة)، ويردد بعد كل لزمة موسيقية كلمة (برانا).. ويمة عشة تقول(كُر كُر كُر يايمة قبلك وحدك ياوليدي.. وفالك في شمالك.. تعيش براك، وتقعد براك، أضاني طرشا.. وواطاتي خرشا.. البيقعد براه ويعيش براه ده الشيطان. وقد رحم الله حبوبتي يمة عشة واختارها لجواره قبل أن تستمع (لغناء الزمن ده) مثال.. حبك كان لي أسطورة.. وإنتي طلعتي ماسورة وكنت أقود سيارتي بنفسي، وكان مؤشر الراديو مضبوطاً على إذاعة مانغو 96 والتي انطلق منها غناء فج وصوت منكر يقول:(حبيبي يوم شفتك قربت روحي تطلع.. عشان بتخلع) والكورس يردد(قربت روحي تطلع) بعد كل كوبليه.. وأنا قد تلبستني روح يمة عشة أقول معهم(إن شاء الله)ولم أقع تحت وطأة تأنيب الضمير.. وأنا أسأل الله أن يستجيب لدعائهم هم ويطلع روحهم.. ونخلص من هذا العذاب.. ولعل الشباب الذين يديرون إذاعة مانقو قد وصلتهم طلبات من مستمعيهم يطلبون هذه الأغنية، و(الزبون دائماً على حق)، وإن كانت مثل هذه الاستجابة تقع ضمن خطة ممنهجة لتدمير الذوق العام، وتؤدي بعض الإذاعات الصغيرة(دورها المرسوم لها)بكل حسن نية مثل عبارة(مغفل نافع) ذلك المصطلح الشيوعي الغابر.. ما راضي ما راضي الحب كلام فاضي أغنية منتشرة.. لو قايله ريدتنا زي مهند ونور تبقى عيانة شوفي ليك دكتور!!. بالمناسبة(الأتراك)لا يحبون سيرة مهند ويعتبرونه(وصمة) لا يشرفهم الحديث عنه وعن بعض(أدواره الإباحية) في أفلام أخرى، والمراهقون عندنا بل بعض الناضجين من الجنسين يهيمون وجداً في مهند ونور.. العذَّب قلبي ودّا حريقه تحرق الحب ده.. وتتكرر حريقة تحرق الحب ده.. بتكتلونا وتقعدوا ياالسمحين هوي اقعدوا.. وهكذا.. والسؤال الذي قد يتبادر إلى أذهان القراء.. طيب أنت ذاتك جبت الكلام ده من وين.. على طريقة الطرفة.. واحد قال للتاني يعايره:(أمي شافت أمك في الإنداية) فرد عليه: إنت أمك الوداها شنو؟ فأنا مكتبي في السوق العربي والاكشاك والكافتريات تصم بمكبراتها الآذان.. وقد استعنت ببعض أولادي ليمدونني بالكلمات التي يرددونها في الحفلات.. وبكل فرح وسرور وطرب واستمتاع !!. الحقوق الأدبية، والحقوق المجاورة وحق الأداء العلني، وما يصحب ذلك من قوانين تمنع الإذاعات من استخدام أو بث الأعمال الفنية، بدون التعاقد مع أصحاب(الملكية الفكرية)، وهذا حق يسنده القانون، لكن الأثر السالب لهذا القانون في ظل انتشار موجات FM هو اضطرار تلك الإذاعات(المحرومة)من بث الأغنيات المجازة إلى ملء الفراغ بأي كلام فارغ، والنتيجة الحتمية هو إن شبابنا اليوم لا يعرفون كبار الفنانين، فقد سألتني ابنتي طالبة الثانوي(يابوي ده منو البغني ده)، وكدت أصاب بصدمة سكري، لأن المغني كان هو(إبراهيم الكاشف)، وقد تعبت جداً لاستذكر أغنيات الكاشف، والتي يتغنى ببعضها الفنانون الشباب، وهي ترد عليّ دي أغنية فلان.. ودي أغنية علان.. قبل أن تدخلني في امتحان عسير خرجت منه بنتيجة(صفر من عشرة)، وهي تسألني عن ليسا.. ولطيفة.. نانسي عجرم.. شيرين عبد الوهاب.. تامر حسني.. حكيم، ولم أتعرف على أغنية لأي واحد منهم.. ورسبت في الامتحان والحمد لله. المرحوم صديق الكحلاوي كان صاحب طرفة قال(عندما نغني أغنية شقى ومجنون في حفلة.. أنا بقول إن شاء الله وأترك الكورس يقول (أجن).. ثم أقول(وأزيد) وأترك الكورس يقول(في الجن)، لأن هذه الأغنية دائماً ما نغنيها في آخر الحفلة.. ويكون التلت الأخير من الليل دخل.. والدعاء فيه مستجاب.. فاترك الجن للكورس. وهذا هو المفروض..