ماذا فعل بنا الزمن ؟ الإجابة أنه فعل ما فعل، وليته يتركنا دون خسائر إضافية !! عندما اتفقت مع الأستاذ أبو العزائم على الكتابة ب (آخر لحظة)، قلت له إنني سأبدأ من الغد في تجهيز العمود اليومي، وسأحضر معي الصورة الشخصية، فرد بصوت خفيض، وبوجه باسم : (بس تكون الصورة حديثة) ! نحمل في أذهاننا صورنا ونحن في أيام العز، ولا نلحظ ما تتركه أصابع الزمن فينا، الدنيا تسير، والحياة لا تتوقف، والكثيرون يأتون للدنيا كل يوم، وآخرون ينيخون مطاياهم ويتوارون. نحن نتوهم أننا متوقفون في مكاننا، إلى أن تأتي لحظة، فنرى فيها صورنا القديمة، أو نقابل من زاملناهم في الدراسة أو غيرها، فنلحظ ما فعله الزمان فيهم، ونعرف .. بحسابات بسيطة .. أن رثاءنا لحالهم، يقابله تحسر مشابه ينتابهم .. رثاء لحالنا !! صباح أمس .. كنت أتابع في التلفاز، حركة الكاميرا في سرادق العزاء، والمقام في وفاة الكاتب المصري المعروف أسامة أنور عكاشة. كل نجوم السينما والتلفزيون والمسرح كانوا هناك، وكانت مناسبة لرؤية أفاعيل الزمن في من بهرونا طوال عقود من الزمن. بصراحة .. المفاجأة كانت مهولة، فمحمود ياسين، فتى الشاشة الوسيم، وصاحب الوجه المشع شبابا وحيوية .. وجدته وقد تقدم به العمر، وتلاشى بريق عينيه المتوثبتين. ويحيى الفخراني .. النجم البشوش .. صاحب أكثر الابتسامات ودا وحميمية، لا يمكن أن تتجاوز الذاكرة بداياته الباهرة، بمسلسله الرمضاني الشهير (صيام صيام)، حيث أدى أمام فردوس عبد الحميد، النجمة الصاعدة وقتها، دور الشاب المتململ من الصيام، والذي يريد إرغام نفسه على الاستقامة، فيكابد صبرا على مشقة الصوم الذي لم يعتده قبلا، وينجح أخيرا في تجاوز النفس وهواها. رأيت الفخراني في سرادق العزاء، فعزيت نفسي، ليس فقط لأن الشيخوخة قد نصبت خيامها على الممثل الجميل، ولكن لأن براثن العمر قد نهشتنا جميعا، درينا ذلك أو لم ندر !! أقراننا من النجوم المحليين، كلهم تعرضوا لعواصف السنوات، ويعز علي قلميذكرهم بالاسم، وقد كاد قلبي أن يتوقف، حين عدت للسودان بعد غيبة ربع القرن اغترابا، ورأيت ما فعله بهم الزمن، وبعضهم يصغرني عمرا ! حملت عمود (تحت الغيم) في اليوم التالي لاتفاقي مع (أبو العزائم)، وحملت معي صورة شخصية تعود لنفس يوم مولد العمود في (آخر لحظة) .. وقمت بتسليم ما أحمله لسكرتارية التحرير. . ولو كان الأمر بيدي، لحملت صورة زاهرة يانعة .. من صور أيام الجامعة الندية ! ظالمون .. أنتم يا رؤساء التحرير !