انفض سامر مؤتمر مراجعة معاهدة الانتشار النووي يوم الجمعة الماضي الذي حضرته «189» دولة ببيان ختامي مثّل نصراً دبلوماسياً كبيراً للمجموعة العربية ودول عدم الانحياز، بينما شكّل هزيمةً دبلوماسيةً غير مسبوقة لإسرائيل وحليفتها الولاياتالمتحدة التي اضطرت لمسايرة المجتمع الدولي وتمرير وثيقة البيان الختامي برغم تحفظاتها، كما أشار على أصغر سلطانية مندوب إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فقد قاومت إسرائيل ومن خلفها حليفها الاستراتيجي الولاياتالمتحدة على مدى سنوات طويلة الدعوة التي ابتدرتها مصر ومن ورائها المجموعة العربية لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، حتى جاء مؤتمر المراجعة هذا الذي يعقد كل خمس سنوات، والذي اعتمد وثيقة البيان الختامي بالإجماع، بالرغم من مساعي الولاياتالمتحدة التي استمرت حتى الساعات الأخيرة للمفاوضات لحذف أية إشارة إلى «إسرائيل» بالاسم ومطالبتها على وجه التحديد بالانضمام لمعاهدة حظر الانتشار النووي التي تجاهلتها دائماً واعتبرت نفسها غير معنية بها، ومضت في التسلح النووي حتى بلغت ترسانتها المعلومة إلى نحو «200» رأس نووي بحسب تقديرات المراقبين. خطة المؤتمر بحسب وثيقته الختامية تدعو للعمل من أجل التقدم في نزع الأسلحة النووية ومراجعة البرامج النووية حول العالم للتأكد من أنها لأهداف سلمية ولتعزيز الاستخدام السلمي للطاقة النووية خلال السنوات الخمس المقبلة. وبموجب خطة العمل هذه يتعين على الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن أن تلتزم بتخفيض أسلحتها وتتخذ خطوات كفيلة بتقليل الأسلحة النووية وأن تُبلِّغ عن التقدم الذي حققته بحلول عام 2014م. وقد تمّ اعتماد الوثيقة بالإجماع بعد أن تم الاتفاق بين الولاياتالمتحدة والمجموعة العربية بقيادة مصر على البيان الختامي المتعلق بالشرق الأوسط، والذي يقضي بالضغط على إسرائيل للتخلي عن ترسانتها النووية، وتضمن كذلك دعوة إسرائيل «بالاسم» للتوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي وإخضاع منشآتها النووية ل«ضمانات» الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تعني التفتيش والمراقبة الدولية، وهي الفقرة التي اجتهدت الولاياتالمتحدة في السعي لحذفها من البيان الختامي، وعبّرت عن «أسفها» فيما بعد على لسان رئيسها باراك أوباما لورودها بالرغم من ترحيبه بالبيان الصادر عن المؤتمر ووصفه له بأنه «متوازن وعميق» ، دون أن ينسى - طبعاً- أن يؤكد على موقفه «الرافض لعزل إسرائيل ولأي عمل يمكن أن يعرض أمنها للخطر» ودون أن يتذكر، أيضاً، أن إسرائيل هي التي اعتزلت وهي التي تعرض أمن المنطقة وأمن الفلسطينيين للخطر بحيازتها للأسلحة النووية واحتلال أراضي الغير بالقوة. ما بدأ معه أوباما يتحدث بمنطق «العديل رأي والأعوج رأي» كما يقول أهلنا السودانيون عندما تغلبهم حيلة الدفاع بالحجة المقبولة. أما إسرائيل فقد كانت جاهزة للرد بمنطق أكثر إعوجاجاً، حيث أصدرت بياناً «السبت» قالت فيه: هذا القرار معيب للغاية وزائف، فهو يتجاهل الحقائق في الشرق الأوسط والتهديدات الحقيقية التي تواجه المنطقة والعالم بأسره، مضيفاً: أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيناقش بيان مؤتمر حظر الانتشار النووي مع الرئيس الأمريكي عندما يجتمعان في البيت الأبيض يوم الثلاثاء القادم - غداً- وأردف القول: إن المشكلة الحقيقية بشأن أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط لا تتعلق بإسرائيل، ولكن بتلك الدول التي وقعت معاهدة حظر الانتشار النووي ثم انتهكتها بوقاحة، مشيراً إلى العراق في عهد صدام حسين وليبيا وسوريا وإيران.. وإن هذا المؤتمر- كما قال- ليس له أي سلطة على إسرائيل، ونظراً للطبيعية المشوهة لهذا القرار فإن إسرائيل لا يمكنها المشاركة في تنفيذه. إيران التي حضرت المؤتمر وتزعمت إلى جانب مصر ولبنان تحركات مجموعة عدم الانحياز والمجموعة العربية أشادت بنتائج المؤتمر خصوصاً التوصل إلى اتفاق دولي بشأن جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، وطالبت إسرائيل بوضع كافة منشآتها النووية تحت الرقابة الدولية و إخضاعها للتفتيش، ووصف على أصغر سلطانية القرار بأنه «خطوة إلى الأمام باتجاه إقامة عالم خالٍ من الأسلحة النووية»، وأوضح سلطانية أن الولاياتالمتحدة مجبرة على مواكبة مطالبة المجتمع الدولي إسرائيل بالإنضمام إلى معاهدة الانتشار النووي وفتح منشآتها لعمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واصفاً تحفظات الولاياتالمتحدة بشأن الإشارة إلى إسرائيل على وجه التحديد بأنها «رمزية». وحول البرنامج النووي الإيراني قال سلطانية «إن القضية النووية الإيرانية هي من اختصاص الوكالة الدولية للطاقة الذرية بينما كان المؤتمر مخصصاً لمعاهدة منع الانتشار النووي». الاتحاد الأروبي من جانبه رحب بالبيان الختامي الذي دعا لجعل الشرق الأوسط خالٍ من الأسلحة النووية ورحب بتنظيم مؤتمر لهذا الغرض- كما ورد في البيان- في عام 2012م بمشاركة كافة دول المنطقة. وقال مراقبون مستقلون تابعوا أعمال المؤتمر إن من شأن إقامة مثل هذه المنطقة الخالية من الأسلحة النووية أن تجبر إسرائيل في نهاية المطاف على التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي والتخلص عن ترسانتها الذرية، وهو قول - كما نرى- لا يخلو من جرعة تفاؤل زائدة، فإسرائيل تنظر إلى هذه الترسانة وإلى النأي بنفسها عن التوقيع والالتزام بأي قرارات صادرة في هذا الشأن بأنه «خط الدفاع الأخير» عن وجودها «الذي بنى على باطل» وبالتالي لا أمل في أن تؤوب من باطلها هذا إلى «كلمة حق» تعتبرها مهدداً لوجودها، يعضدها في ذلك ما قاله حلفاؤها من المسؤولين الأمريكيين الذين قالوا «إن ذلك لا يتحقق ما لم يكن هناك سلام شامل بين العرب وإسرائيل وما لم تحد إيران من برنامجها النووي». وبرغم ترحيبنا من حيث المبدأ بهذا الانتصار الدبلوماسي العربي، في زمن الهزائم العربية المتراكمة هذا، إلا أنه لابد من القول إن العرب لاتزال أمامهم «سكة سفر» طويل قبل أن يأتي اليوم الذي تميل فيه كفة الميزان لصالحهم، وإن إسرائيل لن تتراجع عن صلفها وغلوائها في ضوء موازين القوى الحالية التي لا سبيل لتعديلها بدون مقاومة حقيقية تهدد أصل وجودها ومصالح حلفائها في المنطقة ، وإلى أن يحدث ذلك فإن كل شيء سيبقى على حاله، وسيأتي العام 2012م بعد سنتين وسنرى كيف إن ما تحقق في مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي ليس أكثر من نصر دبلوماسي موقوت ونقطة في بحر لجيِّ متلاطم الأمواج. ومع ذلك فلا بد من تسجيل انها هي المرة الأولى التي توضع فيها ترسانة إسرائيل النووية تحت المجهر في مؤتمر دولي ويطلب خلالها أن تكون تحت النظر وتخضع للرقابة والتتفيش.