وزفت إلى مسكن جديد عليها قماش جديد إلى مخدع من تراب بأرض يباب هذا الحيّ كلهم غرباء بلا سيد أو مسود هنا الأثرياء بغير صكوكهم والنقود هنا المرهقون انتهوا من شقاء ومن ذلة وازدراء وتزحف نحو القبور القبور بلا خطة أو نظام.. فقبر بلا شاهد أو علامة (كقبر عليه رخام وسور.. هذا هو(صلاح) يرثي شقيقته.. وصلاح أخو فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة.. فاطمة.. البسالة، والجسارة، بل (الرجالة).. شمس الظهيرة التي لا تأفل، ولا تغيب.. درة نساء إفريقيا.. وكل عموم العرب.. ليس وحده السودان.. لله درك يا عمي (أحمد إبراهيم).. وأنت تهب الوطن صلاح.. وهو يقدم الدروس والعبر.. وهو يودع شقيقته.. ولله درك وأنت تهب الوطن فاطمة.. التي.. وعندما صعد الشفيع إلى أعلى شهيداً.. جاء إليها النساء.. لا يبكين.. ولا ينحن.. بل ينشدن، في كورال يهزّ الجبال.. ويرجّ الصحاري، ويصطخب من هديره النيل.. و.. الشفيع يا فاطمة في الحيّ.. في المصانع، وفي البلد حيّ.. سكّتيها القالت أحّيْ.. ما حصادو الأخضر الني.. راضي عنو الشعب والدي.. مات شهيد أنا وا حلالي.. حلالي أنا واحلالي.. أريتو حالك يابا حالي. واليوم نهدي.. مرثية صلاح أخته، إلى كل جبار معتد أثيم.. إلى كل من ظن أن الحياة. هي كنز أموال.. وقهر رجال.. وسرقة أموال.. وطغيان.. نهديها إلى الراقدين، والذين سيرقدون على قبور.. عليها أسوار.. وأزهار.. وأشجار ورخام.. نهديها إلى الأثرياء.. الذين.. يتوسدون (الجابرة) من غير صكوكهم والنقود.. نعني بهم أثرياء (الهبر) و (الإفساد) والاختلاس.. والنصب.. واستغلال النفوذ، أو الصولجان.. أو السلطان.. لا نعني مطلقاً.. الأثرياء الذين اكتنزوا المال.. عبر الجهد والمجهود والعرق.. والمثابرة والدموع.. لا نعني بهم أولئك الذين (فتح) الله عليهم بفيوض نفحاته.. فتدفّق خيرهم.. مطراً هاطلاً.. على الوطن.. وهم يرسمون.. بل يقيمون.. بالأسمنت والسيخ والطوب.. قلاعاً من الدور.. هبة خالصة.. لشعبهم ووطنهم وأمتهم.. قطعاً.. هم في ذاكرة.. وفي قلوب.. وفي ساحات.. وميادين.. الوطن.. وشريط مبهر، من الذين جادوا بأموالهم.. يطوف بعقولنا.. ونشاهده بعيوننا.. كلما نظرنا إلى آثارهم الباقية الخالدة.. شريط من نيازك.. لوّنت سماء الوطن الجميل.. أمثال.. آل عبد المنعم.. وأبوالعلا.. والبغدادي.. وسلسلة ماسية.. من الذين يتوسدون.. القبور.. ويتلقّون كلّ يوم.. كلّ يوم.. سيلاً من العرفان.. وطلبات خاشعة.. للغفران.. و (فواتح) تترا.. لا تنقطع.. ولا تتوقف.. نهديها إلى الذين.. كانوا سادة.. بل طغاة.. جبابرة.. ساموا الناس عسفاً وخسفاً.. وها هم الآن يرقدون في مسكنة.. جواراً والتصاقاً.. كل من كان مسود.. نهديها، في فرح، إلى الذين.. ضمتهم وحشة الأجداث.. بعد أن أراحهم الموت من عنت.. وبؤس وشقاء. عفيت منك يا صلاح.. وتاللّه.. لو قرأ.. كل مغترٍّ .. بهذه الدنيا.. كل من أعشت عيونه.. وسلبت لبّه السلطة.. لعرف.. أنّ هذه الرحلة.. رحلة الحياة.. أقصر.. من عمر الورود.. لو عرف.. الملطخة أيديهم بدماء الأبرياء أنّ ليل الظلم يعقبه انبلاج فجر (القبور) لاغتسلوا.. ألف مرة.. من دماد زكية بريئة.. تخضّبت بها أيديهم.. لو قرأ كلّ مختلس (حرامي).. كلماتك هذه لأعاد أي مليم.. إلى مكانها.. قبل إهالة التراب.. ورش الماء.. على قبره.. يكون.. قطعة من جهنم، بل أشدّ سعيراً.. لو قرأ.. الذي يستغل موقعه ووظيفته.. وحصنه المشيد في المحاباة.. والمحسوبية.. والتوظيف.. والانحياز المخجل.. لأهل.. الثقة دون الكفاءة.. لعرف.. أنّ هؤلاء الطواويس يعتقدون.. أن أجسادهم حرام عليها القبر.. لا يظن أحد.. أننا سوف.. نرمي.. أسلحة المقاومة والفضح.. والنقد، والتوجيه.. ولكننا إن أخفقنا.. في الإصلاح.. والتقويم.. نطمئن.. في ثبات ويقين.. أن أكواماً من التراب.. سوف تطمر كل ظالم غاشم.