أربع شمامات يانعات بعشرة جنيهات ؟! أظنه سعر معقول، وهذا سر الإقبال هذه الأيام على الشمام المعروض في شوارع الخرطوم. وبائعو الشمام، مثل بقية تجار الخرطوم، لا يتخيرون أماكنهم في الهواء الطلق إلا بذكاء شديد، فليس هناك بائع شمام واحد يفرش بضاعته في طريق الذاهبين إلى أعمالهم صباحا، فلا أحد، مهما بلغ به الحمق .. يشتري الشمام أو البطيخ أو الطماطم أو الموز لمنزله وأسرته .. وهو في الطريق للعمل ! لذلك يمارس البائعون سطوتهم، وإغراءاتهم، وفتنة سلعهم، للعائدين إلى منازلهم، فيفرشون فواكههم وغيرها على طرق العودة، ويحظون بنصيب أظنه وافرا من إقبال الزبائن. صاحب سوبر ماركت صغير بشارع النص بمدينة الثورة الأمدرمانية، شكا لي يوما من أن سعر الإيجار للمحل مرتفع، ويرهق إيرادات المتجر، وأشار إلى سوبر ماركت صغير آخر، في الجهة المقابلة ، أي على الطرف الآخر من الشارع، وقال إن إيجار ذلك المحل يقل بمقدار النصف عن إيجاره الذي يدفعه لصاحب العقار ! حب الاستطلاع مارس أفاعيله في قلبي، فتوجهت للمحل المقابل، وسألت عن أسعار الإيجارات للدكاكين في نفس الشارع، ففوجئت بأن المحلات في الجهة المقابلة تبلغ حوالي ضعف إيجارات المحلات في الجهة التي سألت عنها. ولأن الأسئلة العبيطة المباشرة، كما أقول دوما، هي التي تقود لمعلومات مهمة، فقد سألت صاحب المتجر عن سر التفاوت الكبير في إيجارات المحلات بين ضفتي الشارع، رغم أنه شارع واحد، فقال ببساطة، إن سعر المحل الذي يقع على يمين العائد لمنزله من العمل، يفوق سعر المحل الواقع على يسار نفس الشخص، لأنه يشتري مواده الغذائية وغيرها بسهولة وهو عائد، دون أن يضطر لقطع الشارع، أوالوقوع في معاناة العبور ومخاطره. معلومة بسيطة، وحقيقة صغيرة، تمارس نفوذها، وترفع إيجارات المحلات، وتمايز بين العادي والممتاز. وأظنني لو كنت تاجرا، لقمت مهرولا لإيجار المحلات الأرخص، فأشرب مقلبا ساخنا، حيث يتزاحم الناس على المحلات الأغلى المقابلة، وأقضي سحابة يومي في محلي وأنا أطارد في جيوش الذباب !! المهم أن بائعي الشمام، كغيرهم، يتمركزون في طريق العائدين لمنازلهم من العمل، وطبعا هذا ليس السبب الوحيد في شدة الإقبال عليهم هذه الأيام، فما يتوفر في السوق حاليا أنواع ممتازة من هذه الفاكهة الصيفية، ودرجات الحرارة المرتفعة تدفع الناس دفعا لكل الثمرات المكتنزة بالماء، إضافة إلى أن السعر معقول، وهذا بيت القصيد، والشطار يستطيعون الحصول على أسعار أفضل، إذا كان لديهم وقت للمساومة تحت أشعة الشمس اللاهبة ! خذوا نصيبكم من الشمام، فالأسعار (تمام)، والشمام شمام. !