في أمسية مغسولة برائحة البحر والرطوبة ، أمسية ترتمي على عتباتها انوار المصابيح الناعسة ، التقيت الشاعر اليمني الراحل حسين المحضار ، في عروس البحر الأحمر جدة ، كانت المناسبة حفل تكريم اقامه على شرفه المنتج ورجل الأعمال علي حيدر ، على فكرة الشاعر المحضار يعتبر بمثابة القاسم المشترك بين جميع فناني وفنانات الخليج ، وقد ترنم بأعماله الكثيرون منهم الراحل طلال مداح ومحمد عبده وابوبكر سالم بالفقيه وراشد الماجد وعبد المجيد عبد الله وفؤاد الكبسي وعلي بن محمد ومحمد البلوشي وعبد الكريم عبد القادر وعبد الله الرويشد وحتى راغب علامة ، وكان من ضمن حضور تلك الامسية عراب الصحافة الفنية في الوطن العربي زميلنا علي فقندش والفنان جواد العلي والفنان اليمني عبود خواجه وكوكبة من عشاق الطرب الأصيل وفي تلك الليلة العامرة بدفقات الغناء تغني جواد العلي بأغنية ابوبكر سالم بلفقية من كلمات المحضار لا تعذبني والا سرت وتركت المكلا لك إذا ما فيك معروف سر حبي فيكا غامض سر حبي ما انكشف أنت في الدنيا قضيه ما تحملها ملف وتجلى جواد العلي في غناء هذه الاغنية التي شدت بها الكثير من الاصوات العربية ، كل واحد منهم ( دلعها ) حسب طبقات صوته ، كما شدا الصوت القوي عبود خواجة ببعض من اغنيات التراث اليمني وكلمات المحضار وتسلطن الحضور على إيقاعات الرومبا وتقاسيم العود الصنعاني ، وبعد انتهاء الجلسة الفنية كنت وصديقنا على فقندش في طريقنا لايصال المحضار إلى مقر سكنه في حي الكندرة فسألته عن سر اهتمام الشعراء بمدينة المكلا فتحدث الرجل عنها بحميمية مفرطة وكيف انها تمثل البيئة البحرية الجميلة لليمن وعبر عن سعادته أن هناك الكثيرين يترنمون بأغنية (لا تعذبني والا) رغم انهم لم يشاهدوا المكلا ولا اليمن أصلا ، وحتى هذه اللحظة لا زلت أسال نفسي عن سر اهتمام الشعراء والمطربين بالغناء لمدن معينة ، فمثلا مدينة المكلا نالت نصيب الأسد في الغناء اليمني الجميل وقد سبق وان تغنى الراحل فهد بلان بأغنية يا بنات المكلا يا دوا كل عله وفي السودان نجد ان بعض المدن تشمخ في الخطاب الغنائي وهناك من تغنى لكسلا ولشندي ولسنجة وبورتسودان وسواكن وبارا وامدرمان والابيض ، الشيء الطريف ان العذاب يسطع في الكثير من الأغنيات الوصفية عن المدن ومنها أغنية كمال ترباس في القلعة رجعوا يعذبونا ، كما سبق وأن شدا التاج مكي بأغنية الحب عذاب في كسلا ، والعذاب في الغناء يعتبر مباحاً ولغة تجعل المحبين والجالسين على طاقات السهر يستعذبون هجران الأحبة و(عذبني وزيد عذابك ) ، لكن العذاب غير المستساغ الذي يفتح مليون حفرة في الدماغ الخربان يتمثل في إستمرار المشتغلين بالشأن السياسي في السودان تعذيبهم بأفعالهم وتصرفاتهم للناس الغلابا من خلق الله ، هذا النوع من العذاب يجعل أجعص جعيص يرفع عقيرته لا تعذبني والا، قلبي ما بقبل مذله . روح يا شيخ أنت تحلم .