تلقيت دعوة كريمة من المستشارية الثقافية لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالخرطوم، نقلها لي الأستاذ سيف الدين سيد مدير البرامج بالمستشارية، لحضور الاحتفالية التي رتبت لها المستشارية للذكرى الحادية والعشرين على رحيل الإمام آية اللّه الخميني، وحددت الدعوة مساء الخميس الماضي 3 يونيو الجاري موعداً لتلبيتها.. والخميس في بلدي يا صحابي له نكهة خاصة مفعمة بالسرور، والعطور والبخور والأفراح، وأهازيج(الحضرة)، وترانيم الذكر والذاكرين، وزغاريد العذارى الحالمات بضجة الفرح المقام، وفي هذا الجو المطرز بالفرح، والمحتشد بالمناسبات الاجتماعية والروحانية، يصعب على المرء أن يختار أي المناسبات أقرب لتلبيتها، ودونها الهروب الى الإمام، فكان لي اختيار احتفالية ذكرى الإمام، فللإمام آية اللّه الخميني وقع خاص في نفسي، بل ويسكن في غرفات قلبي، وللجمهورية الإسلامية الإيرانية أقدم خيمة حب في خاطري، وللمستشارية الثقافية الإيرانية بالخرطوم نهر للمودة، يجري على خارطتي، لذلك كله ورغم حيرة الاختيار، ماكان لي إلا أن أحمل المساء على كتفّي والكلام على عينيّ واذهب الى قاعة المجد والخلود والتذكار «قاعة الشهيد الزبير»، وادخلها حيث اتحدت فيها عبقرية الزمان والمكان والإنسان، هذا الإمام الإنسان الثائر الأعزل الذي زلزل عرش الطاؤوس وصيرت كالعهن المنفوش.. أنه الإمام آية اللّه الخميني، وإنها ذكرى رحيله البرزخي. كانت القاعة تضج بفيوضات من الأنوار الروحانية، والأمجاد السماوية، وباسم اللّه الرحمن الرحيم بدأ الحفل بتلاوة من الذكر الحكيم، وبعدها قدم الدكتور سيد حامد ملكوتي المستشار الثقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالخرطوم، كلمة الافتتاح، والدكتور ملكوتي فصيح البيان، حلو اللسان، قوي البنيان، فهو في شرخ الشباب، على رأسه عمامة قصيرة متراجعة إلا قليلاً قليلاً، لتكشف عن جبين يشهق بالذكاء والضياء.. تحدث الدكتور ملكوتي عن الإمام آية اللّه الخميني، وعن فيوضاته، ومآثره العديدة الطيبة، ثم تعاقب بعده الخطباء الذين لم يتركوا شاردة ولا واردة في سيرة الإمام العطرة، فتحدث على التوالي كل من البروفيسور عائشة الغبشاوي، وقدم الشاعر محمد خير الشامي قصيدة شعرية عن الإمام الخميني، ثم تحدث البروفيسور حسن مكي، وتحدث الدكتور ربيع عبدالعاطي، وبعده إنتشينا بانشاد ومدائح، وبعد ذلك تحدث الأستاذ أمين بناني، وبعده تحدث البروفيسور عبدالرحيم علي، وكان مسك الختام إلا قليلاً الكلمة الثرة التي القاها راعي الاحتفالية الأستاذ الزهاوي ابراهيم مالك، وأخيراً تداخل العطر والمسك في القاعة مع فرح الصبية والشباب، الذين يحملون اسم الخميني، والذين حصلوا على جائزة خاصة تقديراً للاسم الذي يحملونه، ثم اختتمت فعاليات الاحتفالية بمسابقات ذات جوائز فورية. بقي القول إن هذه الاحتفالية العظيمة جاءت تخليداً لذكرى الراحل الأعظم الإمام آية الله الخميني، هذا الثائر الأعزل الذي زلزل عرش الطاؤوس، وأطاح به ودمره بيديه الطاهرتين الأعزلتين.. هذا الثائر الذي أشاع الرعب في اسرائيل وأضاع النوم من جفن دول الاستكبار العالمي، وفي مقدمة ذلك الشيطان الأكبر الذي أذل الشعوب الإسلامية، وصال وجال وارتوى كوحش خرافي من دم البشر في كافة جهات الدنيا الاربع، وكانت لهذا الثائر الأعزل أهداف باهرة وأبعاد سياسية، وثقافية، واجتماعية، واقتصادية مهمة، ففي المجال الثقافي دعا الى تشكيل المجلس الأعلى للثورة الثقافية، وكلف المجلس بمراجعة المناهج الدراسية والتربوية والتعليمية في المدارس والجامعات، كما كلف المجلس بحشد الطاقات والوسائط الإعلامية، لإحداث ثورة شاملة ترفض كافة أشكال التبعية. عندما أراد الثائر الأعزل أن يبث خطاباً لمريديه ومحبيه عام 1960م اقتحم «رجال السافاك» المدرسة الفيضية، وسقط الكثير من الشهداء والجرحى، ثم جاءوا الى الإمام نفسه، وطلبوا منه عدم التعرض للعلاقة بين إيران وأمريكا، وكذلك عدم التعرض لإسرائيل، غير أن الثائر الأعزل فعل غير ذاك، والقى خطابه، وكان تحريضياً بالدرجة الأولى لأعظم ثورة عرفتها المنطقة.. وقال ضمن ماقال: إن أمريكا هي أم المصائب واسرائيل غدة سرطانية، وإن الشاه حاكم فاسد ومستبد، ومنذ ذاك العام 1960م وحتي عام 1979م، كان الثائر الأعزل يقف وحده كالسيف، يحارب الشاه وحكمه بكل الوسائل الممكنة.الحديث ياصحابي عن الثائر الأعزل الإمام الخميني يطول ويطول، وفي ذكراه الحادية والعشرينن كان لابد لي في هذه السانحة أن أتحدث بإسهاب عن السيرة العطرة للثائر الإمام الخميني، ولكن ضيق المجال يمنع ذلك.والإمام قاد أعظم ثورة إسلامية في المنطقة، ومن المعلوم أن ثورة الخميني تفجرت عام 1962م وتوجت بانتصارها الباهر في 11/ فبراير / 1979م لتضع حداً لما كانت تعاني منه غالبية الشعب الإيراني من ظلم وحرمان، وفروقات واسعة في المجتمع المدني الإيراني، وكان الصراع بين اقلية كانت تحتكر القسم الأكبر من الثروة، والسلطة، والعيش الراقي، وأكثرية ترذح تحت ثقل الفقر والبؤس والحرمان، وكانت لثورته رحمه اللّه أبعاد سياسية وثقافية واجتماعية مختلفة، وفي الجانب الثقافي سعت لإنهاء الجهل، واتجهت الى نشر ألوان العلم والمعرفة، والوعي الديني، في صفوف الشعب الإيراني وتشجيعه على اكتشاف هويته الثقافية الأصيلة، وعدم التخلي عنها، حتى لا يقع في الفراغ والضياع، بل إنه أحدث ثورة ثقافية حقيقية. وختاماً: يمكن أن نجمل القول في أن ثورة الإمام الخميني كانت ولاتزال ثورة شاملة، رفضت كل أنواع التبعية وأشكالها، بدأ بالتبعية الثقافية، وذلك بالعودة الى الشخصية الإسلامية الإيرانية الأصيلة مروراً بالتبعية السياسية، والتي اسمها سياسية اللا شرقية واللا غربية، وانتهاءًبالتبعية الاقتصادية. رحم اللّه الإمام الخميني هذا الثائر الأعزل الذي أحدث أعظم وأكبر وأقوى ثورة إسلامية في المنطقة. وهكذا احتفلنا يوم الخميس الماضي بالذكرى الحادية والعشرين على رحيل الإمام آية اللّه الخميني طيب ثراه.