من كوابيس الغُمة إلى عوالم الدهشة..!! شهدنا في صباح مبكر من يوم السبت، ومن شاشة الكترونية في سيارة اجرة نحو خمس عشرة دقيقة من مباراة فرنسا والاروغواي في مستهل مبارايات كأس العالم في جنوب افريقيا.. وضحكنا ملء شدقينا ونحن نتابع وقائع المبارة من سيارة التاكسي ولم نهتم كثيرا بالنظر إلى العداد كما نفعل مع عداد الكهرباء في السودان.. وحمدنا الله ان مباراة (الغُمة) بين فريقي القمة الهلال والمريخ، اعقبها في اليوم التالي بدء المونديال في جنوب افريقيا، فازالت مباراة الافتتاح ماعلق بالعيون من قذى تلك المباراة المهزلة، كنا قد تجمعنا في تلك الليلة في شقة الوجيه حسبو آدم (شيخ العرب) في الدور السادس عشر في احدى بنايات قوانزو الفارهة الطول.. وقد بدأت المباراة عند الساعة الواحدة صباحا، وكنا نحن سبعة من السودانيين نام احدنا قبيل المباراة بدقائق، وواصلنا بكل مشاعر الحب واللهفة والشوق للبلد والناس والهلال والمريخ، ورغم أننا كنا خمسة من مشجعي الهلال عدا صاحبنا النائم والآخر الذي ظل صامدا وروحه رياضية طوال المبارة ومابعدها، ورغم هتافنا الذي ازعج جيراننا الصينين وغيرهم إلا ان الفرحة كانت ناقصة ولفها الحزن العميق على حال ومآل كرة القدم في بلادنا الحبيبة.. وكانت المباراة كلها محزنة ومحبطة منذ صفارة البداية وحتى النهاية..وهي تحتاج إلى وقفة جادة من قبل كل المعنيين بأمر الرياضة والسلوك والتربية في السودان، حتى نضع حدا لذلك الذي يحدث وبغباء منقطع النظير ومن أناس غلبت عليهم حمية الجاهلية ليس للقبيلة بل للفرق، وعكسوا صورة سيئة لتصرفات بدائية تنم عن جهل وتخلف، ولقد احزنني أن معلق المباراة الاخ عدنان حمد إبن الامارات وقد شهد بنفسه وعلق بصوته على تلك المباراة، وقد بدأ متحمسا وسعيدا ومستعدا بمعلومات دقيقة عن كرة القدم السودانية ولاعبيها وأفذاذ لاعبيها وهو على دراية تامة بالكرة السودانية منذ بدايته المبكرة محررا رياضيا ومذيعا معلقا وتلميذا نابها على يد استاذه كمال طه، ثم كان أول معلق رياضي إماراتي ينطلق بقوة خارج محيط التعليق في الإمارات إلى قناة ال ام بي سي العربية، وخرج عدنان وفي حلقه غصة من مباراة القمة ( الغُمة) السودانية..ورغم أن حاول جاهدا الخروج عن تلك تلك التداعيات بذكائه وخبرته إلا ان واقع الحال اقوى من ان يُسكت عليه.. ومضى يوم الخميس بازهايج الفرح الهلالية.. وتحول السودان والعالم سريعا نحو كاس العالم في جنوب افريقيا، وبدأنا وصديقي ابو الحسن نفكر كيف سنجد فرصة لمشاهدة مباراة الافتتاح والافتتاح نفسه، ولكن كان الاخ الدكتور صلاح مناع مبادرا فدعانا لمشاهدة الافتتاح والعشاء في مطعم عربي راق اسمه (قصر الشرق)، وكنت يوم الخميس قد سألت صلاح عن مباراة القمة فقال إنه صائم عن مبارايات كرة القدم في السودان وخاصة القمة لأنها دافوري..! وخلال الونسة ونحن نشاهد مباراة قمة في الاثارة والمتعة بين جنوب افريقيا والمكسيك قلت إن مباراة الهلال والمريخ كان الدافوري احسن منها بعد ما شابها من فوضى وقذف للاعبين بالحجارة وغيره من المنغصات..! وأمضينا وقتا جميلا بعد ان شهدنا المباراة التي قلل من متعها أن التعليق باللغة الصينية، و كان هناك ستوديو تحليلي واطل علينا وجه جميل ووقور فقلت: هذا الاستاذ كمال حامد بتاع الصين، ولكن استمر التحليل والتعليق حيث اصبح عدد المعلقين اربعة وبينهم سيدة أوفتاة صينية.. وفي مكان آخر شاهدنا جزء من مباراة فرنسا والاورغواي ولان الوقت تأخر جدا حيث تجاوزت الساعة الثانية والنصف صباحا تركنا المشاهدة وركبنا سيارة تاكسي وكان المدهش حقا اننا شاهدنا ربع ساعة من المباراة منقولة على شاشة الكترونية خلف مقعد السائق، وضحكنا ونحن نتذكر معاناة اهلنا في السودان من اجل مشاهدة مبارايات كأس العالم أوغيرها من المبارايات االتي يطالها سيف التشفيرن بل شهدنا زمنا اغبر كان الغالبية العظمى من ابناء الوطن لا يشاهدون المبارايات المحلية التي كانت مشفرة ايضا.. إن مشاهدة كاس العالم متاح امام المشاهد في الصين على احدى قنواتها.. وهو متاح على اعلى نوعيات المشاهدة من الشاشات الضخمة ذات التقنية العالية.. وليست المشاهدة فحسب بل إن الصين تفتح المجال امام الرياضة واسعا بلا نهاية، واسهل ماتفعله في الصين أن تتريض وان تمارس الرياضة بكل انواعها في سهولة ويسر وانت في شقتك أوفي صالة الجمانيزيوم في العمارة التي تسكن فيها أو في الميادين العامة او على الكورنيش.. وفي طريقي قبل ايام بالباص السريع من قوانزو إلى (مكاو) شاهدت ملعبا لكرة القدم وعلى سعته كانت في فتاة واحدة تركض على المضمار وبعد دقيقة شاهد العجب العجاب ثلة من الشباب وهم يلعبون في مجموعات متعددة كرة السلة وفي الملعب الذي يليه ثلة وهم يلعبون كرة طائرة، و بعدذلك شاهدت ثلاثة مسابح وحولها وفي داخلها خلق كثير يمارسون السباحة، كان المشهد مكتملا جميلا وراقيا.. ولكي تكتمل الصورة عندك كما اكتملت عندي فقد سجلنا زيارة لمدير احدى القنوات الرياضية المشهورة في قوانزو في مكتبه، وقد استقبلنا بحفاوة بالغة عن مدخل المصعد، ثم صحبنا إلى مكتبه وعندما فتح الباب اطلقنا كلنا صيحة اندهاش ونحن نشاهد طاولة للتنس في وسط الغرفة، وعليها تلك الشبكة ومضربان وحولها عدد من الكراسي، سجلنا إعجابنا الفوري بتلك الطاولة فقال مبتسما: هذا مكتبي!! ولم تكن طاولة التنس سوى مكتبه وطاولة إجتماعاته.. قلت: ألم تكن تلك الطاولة هي ساهمت في تخفيف حدة التوتر بين الصين والولايات المتحدة قبل عقود خلت! ضحك وقال: أنا ومايكل وهو احد اشهر مقدمي البرامج الرياضية في القناة: نلعب كرة تنس الطاولة للتخفيف على انفسنا، وقد اجريت معه حوارا على الطاولة نفسها.. وقلت ليكن الحوار مباراة بينا وقد جلسنا في مقعدين وفصلتنا الشبكة، فكانت مباراة في الحوار الصحفي..! وللعلم فإن قوانزو عاصمة اقليم قواندونق ستستضيف الالعاب الاسيوية في نسختها السادسة عشرة في لثاني عشر وحتى السابع والعشرين من نوفمبر المقبل ومعها مدينتا شاتوي وفوشان، وقد استعدت المدن الثلاث استعداد يفوق الوصف، وقد اتنظمت مدينة قوانزو تحديدا حركة هائلة في مجالات متعددة اهمها تأهيل المدينة وتجميلها، وقد اصبحت مدينة الزهور هذه الايام آية في الجمال والحلاوة والطلاوة، وحتى تضمن المدينة انسياب حركة المواصلات بصورة سهلة فقد تم تصنيع مائة وخمسين عربة قطار لتشكل قطارا سريعا يستوعب الفي راكب.. فضلا عن الاستعدات في الاستادات الرياضية وفي مجالات التكنولوجيا المتقدمة التي ستبهر وتدهش بها الصين مواطني اسيا والعالم في الالعاب الاسيوية المقبلة.