هذه الثقافة عندنا ضعيفة، إن لم نقل معدومة.. نحن لا نعرف التعامل مع كل الحرائق.. وفي البدء نتحدث عن الحرائق المادية وهي اشتعال النيران في منزل أو مكتب أو مصنع أو غيره. والاهمال وانعدام ثقافة الحريق. يقوم البعض بإشعال النار، ولا يعرف عواقب ما يفعل، ثمّ يمتدّ اللهيب ليلتهم كل شيء!! لماذا ثقافة الحريق متجذّرة في الثقافة السودانية، فكثير من الأمثال والحكم السودانية تنطوي على قدر كبير من النيران والحرائق؟ مثل قولهم: «إن شاء الله يعدموا طفّاي النار»، و«الجمرة بتحرق الواطيها»، والأغاني أيضاً لها نصيب من «النيران»: «النار ولعت» و«لهيب الشوق» و«نار الغرام» و«نار الفرقة».. الخ النيران... ü ولكن ما الذي دعاني للاقتراب من النيران في هذه المساحة اليوم؟ ما دعاني لذلك ما أورده الزميل، محب ماهر، في جريدة الخرطوم أمس ب«الصورة والقلم»، عن الحريق الهائل الذي التهم آلافاً من أشجار النخيل والمنازل في منظر مأساوي بمنطقة كجبار.. لقد كانت الصورة حزينة وباكية، والنيران تتسلل بين أشجار النخيل، ومشهداً آخر يقول: إن آليات الإطفاء جاءت متأخرة!! وهي آليات «يدوية»، وليست آلية، والأدهى والأمرّ أن أحد المسؤولين يقول: إن السبب يرجع لعمليات النظافة التي يقوم بها الأهالي.. نعم هذا هو السبب، وهو معقول ومقبول، ولكن أين التجهيزات والاستعدادات، والدفاع المدني من مثل هذه الطوارئ!! دائماً نكرر القول بأن تعاملنا مع الحرائق ضعيف، وهذه الظاهرة تكررت كثيراً، بدءاً من محطة الطاقة الكهربائية القديمة ببري، والتي التهمتها النيران سريعاً، وقضت عليها تماماً، ولم نسمع حتى الآن أن هناك محاسبة أو عقاباً قد تمّ في مواجهة المتسببين.. ومحطة بري ليست الحادثة الوحيدة، فهناك العشرات مثل هذه الحادثة، وتتكرر ذات التصريحات، بأن لجنة تحقيق قد تم تكوينها للنظر في أسباب الحادثة، وفي نهاية المطاف لا تحقيق ولا يحزنون. ü نعم نحن في حاجة لإشاعة ثقافة مكافحة الحرائق، في غياب الدور الفاعل للمؤسسات المنوط بها القيام بهذا العبء، وأيضاً في ظلّ غياب مؤسسات و«ثقافة التأمين»، التي تتحمل جزءاً من العبء في هذه الخسائر، ولا نريد أن نتحدث عن أهم أنواع الحرائق، حرائق السياسة التي تشعل كل يوم ناراً للفتنة، فالحريق السياسي هو رأس البلاء، وأم المشاكل، والغريب في الأمر أنّ هذا النوع من الحرائق يحدث بفعل فاعل، وهو معلوم، وليس مجهولاً، ولكن من يجرؤ على الكلام؟، ولا نملك سوى أن نقول: يا لطيف، وكفانا الله شر أنواع النيران والحرائق، ما ظهر منها وما بطن، آمين يا رب العالمين.