لم أشهد في حياتي عرضاً للأزياء-رجالية أو نسائية- ولم أعرف ذلك إلا من خلال ما تنشره المجلات والصحف ومواقع الأنترنت والأفلام السينمائية ومحطات التلفزة العالمية إن جاء العرض صدفة أمامي على الشاشة، لذلك استطيع القول بأن ثقافتي عن عروض الأزياء هي (سماعية) و(نظرية) دون معايشة تذكر وإن علق بالذهن والذاكرة بعض الأسماء والصور لأشهر مصممي وعارضي الأزياء في العالم.. وذلك من أثر (الضخ) الإعلامي حول سيرتهم وعملهم، ولم أعرف من السودانيين أو السودانيات من حمل لقب عارض أزياء أو عارضة أزياء من المحترفين. أخبار الخرطوم التي تتداولها منذ الأمس مواقع الفضائيات ووكالات الأنباء والصحف، تركزت بصورة أساسية على خبر فض السلطات لأول عرض أزياء مشترك للرجال والنساء شهدته العاصمة السودانية مساء الخميس الماضي، انتهى بضبط وتوقيف أكثر من خمسة وعشرين عارضاً وعارضة بينهم عدد من العارضين الشباب الهواة، بتهمة عدم الحصول على تصريح ب (السهر)، ومنهم من تم ضبطه بتهمة تناول مشروبات روحية (خمور). تابعت بالأمس تفاصيل ما حدث وعلمتُ أن حفل عرض الأزياء المشار اليه تم الإعلان عنه في بعض الصحف، وأن منظميه قاموا باستخراج التصديق الخاص به، وأن مسرحه كان صالة أحد الأندية الكبرى بالخرطوم، وأن أفراد أسر المشاركين كانوا من ضمن حضور ذلك الحفل المستوفي لكل الإجراءات القانونية المطلوبة، ودفعنا بفريق من محرري ومحررات وحدة الحوادث والجريمة في الصحيفة للمتابعة وتقديم التفاصيل، إذ ربما غاب عنا الكثير، خاصة وأن الصوت الأعلى دائماً في مثل هذه القضايا يأتي الينا من الخارج ويكون هو الأعلى من سواه. اليوم وحسب التفاصيل التي حصلنا عليها، سيمثل المتهمون والمتهمات أمام المحكمة وقد تم حجزهم لمدة يوم واحد أطلق بعده سراحهم أمس بعد الإجراءات الخاصة بالضمان في مثل هذه الحالات. العارضون والعارضات سيمثلون أمام المحكمة في عرض هو الأقرب لعرض طابور الشخصية للتأكد من شخصياتهم ومشاركتهم في حفل عرض الأزياء المشترك وستقول المحكمة كلمتها وفق تقديراتها للحدث والوقائع بناء على القرائن والأدلة، وليس لنا رأي في أحكام المحاكم طالما كانت تطبق القوانين المعمول بها.. ولم تتغير بعد.. لكن الذي يهمنا هنا هو الثقافة الوافدة علينا، إذ لم أكن أتصور أن يقف (رجل ما) أمام جمهور نوعي أو عام ليستعرض ثيابه (الجميلة) التي جاءت تمشياً مع الموضة، أو يستعرض (جماله) ويتأود جيئة وذهاباً على طول وعرض خشبة المسرح بدلاً عن أن يستعرض قوته وعضلاته وفروسيته وهو على ظهر حصان يحمل رمحاً أو سيفاً بدلاً عن سلسلة مفاتيح ذهبية يهز بها يميناً وشمالاً. لا أرى ما يمنع من أن تنظم النساء عروض أزياء خاصة بهن يكون الحضور فيها قاصراً عليهن من دون الرجال، ولا مانع في أن ترعى الدولة ومنظمات المجتمع المدني مثل هذه الأنشطة خاصة اذا كانت تركز على أزياء محلية أو ترتبط بالثقافة والموروث.. لكن أن يختلط الحابل بالنابل ويظهر الرجال بغير المظهر الذي نريدهم عليه، فذلك أمر مرفوض، وهذه مسؤليتنا جميعاً كآباء وأرباب أسر ومجتمع ودولة.