الزواج رابطة مقدسة وعلاقة شائكة لا يمكن أن تستقيم إلا اذا أدرك كل طرف واجباته واستوفى حقوقه في إطار من السكينة والمودة والعشرة بالمعروف..! الجيل السابق من الأمهات والآباء كان يمثل المعنى الحقيقي للأصالة.. الحنية.. والدفء الأسري.. والصبر على الشدائد.. كانت الحياة بسيطة بلا خلل.. تنساب في هدوء بلا عوائق.. الاحترام متبادل ولا صوت يعلو فوق صوت التضحية ونكران الذات!.. فكل طرف يدور فقط في فلك الآخر.. ويعيش ويعمل من أجل إسعاده.. الرجل مهما بلغ شأنه يمارس سلطة القوامة.. فيكد ويكدح ويجلب «أغراض المنزل».. ويقوم بكل الأعمال التي تشبه الرجال..! لا زوجة خارج المنزل.. لا عمل لها سوى الإهتمام بالزوج.. تربية الأبناء وتحضير الطعام.. لذا فقد كانت المرأة محتفظة بكل خصائصها الأنثوية..! الزوج محل تقدير وتوقير تناديه ب (أبو فلان).. وتترك له أطايب الطعام وتسهر على راحته.. لا أحد يتغول على حدود الآخر المرسومة بدقة لا يمكن تخطيها.. لذا فقد كان الطلاق نادراً إن لم يكن مستحيلاً.. وتظل المطلقة وصمة في جبين المجتمع.. وأسبابه لا يمكن أن تتعدى.. عدم الإنجاب.. التعدد.. وهكذا..! واذا انتقل الزوج الى الرفيق الأعلى فإن زوجته تعلن عليه الحداد لبقية عمرها.. حتى ولو كانت صغيرة السن!! هكذا كانت الحياة قبل أن «ينسخت المجتمع» وتجرفه دوامة التكنلوجيا التي تغير الأمكنة فيصبح المنزل الدافيء جحيماً طارداً عديم الأوكسجين- مليئاً بالشتائم والسخط والنكران- ويتغير أيضاً الزمان فما يرضي الزوجة في الماضي ويجعلها تقبل بالمعيشة برضاء تام حتى ولو كانت ضنكاً.. من المستحيل أن يرضي الجيل الحالي.. فالطموح والتطلعات أصبحت أكبر من أي إمكانات متاحة..! لقد انفصمت تلك العروة الوثقى وتبددت في زمن «الأنا».. وأصبح الزواج.. علاقة أشبه بالمصلحة وتبادل المنافع بشكلها الجاف.. فالزوج «صراف آلي» في كثير من الأحيان.. والحقوق والواجبات تتبدل.. فكثير من الأزواج يعمل وينفق ويعتبر مثالياً.. والبعض الذي أقصده عاطل يتبع الظل حيثما كان- أو ربما يعمل لكنه يضطر زوجته لكي تعمل أيضاً.. ليس العمل بمفهوم التطور وإرضاء الذات.. وزيادة الدخل.. وفائدة المجتمع.. إنما عمل للصرف على الأسرة.. والعمل داخل المنزل وتحمل مسؤولية كل ما فيه.. فكثير من النساء فارقن العش الأليف.. ويعشن حياتهن «جري وطيران».. عطاء.. ولا أخذ..! وفي خضم زحمة المواصلات.. أو ربما لفت نظر من المدير.. ورفض إجازة بدون مرتب.. تتذكر الزوجة المسكينة أنها تحتاج لأغراض من السوق.. والعداد فارغ من الكهرباء.. وإدارة المدرسة تحتاجها لأمر يخص الأبناء..! فهي مطالبة بالإهتمام بكل شيء.. جلب السبّاك.. النجار.. وحتى فتح المجاري.. وحين يعود الزوج وهو متلف من رهق العمل وسماجة الروتين.. وبطء الإجراءات.. وقصر الساعات.. يريد أن يعود الى المنزل ليجد زوجة.. وأماً.. منزلاًً مرتباً.. وطعاماً جيداً.. يحتاج امرأة لتنفض عنه غبار التعب وتعطر أيامه.. وتدفعه للأمام.. لكنه لا يجد سوى شبه امرأة منهكة.. ساخطة.. تبحث هي أيضاً عن الود والتشجيع والحنان.. ولأن فاقد الشيء لا يعطيه.. فقد كثر الطلاق.. لا بل أصبح يحتفى به في بعض الدول.. وأصبح «أبو فلان الراجل ده».. لقد ضاعت هوية الأسرة الحميمة الدافئة.. وما أكثر ما نسمع أن هذا أو ذاك يقول بلا خجل.. «زوجتي كالرجال» وهو لا يقصد من حيث الصلابة.. بل يعني من حيث فقدان الأنوثة! زاوية أخيرة: ألا تلاحظون أنه كلما تطورنا اقتصادياً.. تراجعنا اجتماعياً.. عزيزي الرجل اذا أردت زوجة حقيقية فاحمل عنها أعباء الرجال.. فلا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار!!