خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    (خطاب العدوان والتكامل الوظيفي للنفي والإثبات)!    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    البرهان يزور جامعة النيلين ويتفقد مركز الامتحانات بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بالجامعة    وزير الصحة المكلف ووالي الخرطوم يدشنان الدفعة الرابعة لعربات الإسعاف لتغطية    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    كمين في جنوب السودان    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    شهادة من أهل الصندوق الأسود عن كيكل    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    بنك أمدرمان الوطني .. استئناف العمل في 80% من الفروع بالخرطوم    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقد و الحزب الشيوعي في التاريخ و الإصلاح
نشر في الأحداث يوم 27 - 03 - 2012

غيب الموت السيد محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني, و البلاد في أمس الحاجة إليه, حيث أنها تواجه تحديات داخلية و خارجية, و عدم استقرار سياسي بسب النزاعات في عدد من الأقاليم, إضافة إلي نظام الحزب الواحد المطبق في البلاد لأكثر من عقدين, رغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها البلاد بهدف أن تكون التعددية السياسية علي أرضية الديمقراطية هي الحل المقبول لدي الجميع, كما تشكل المخرج الوحيد للبلاد من أزماتها السياسية التي تعيشها. و معلوم أن السيد نقد تسلم قيادة الحزب الشيوعي السوداني عقب حكم الإعدام علي سكرتيره العام عبد الخالق محجوب عقب انقلاب 19 يوليو عام 1971مع عددا من رفاقه.
كان الحزب الشيوعي يواجه حربا شرسة, بسبب الانشقاق الطولي الذي حدث في الحزب, حيث نصف اللجنة المركزية ذهبت مع الرئيس جعفر محمد نميري, و التي فضلت البقاء مع السلطة, و بقي النصف الأخر متمسكا بالحزب, و في هذا الظرف التاريخي الحرج, تسلم السيد محمد إبراهيم نقد راية القيادة في الحزب الشيوعي السوداني, في الوقت الذي كانت أغلبية القيادات فيما تبقي من المكتب السياسي و اللجنة المركزية بما فيهم نقد مطاردة من قبل السلطات الأمنية للنظام, و من خلال مقر نقد السري أستطاع الرفيق أن يحافظ علي الحزب و يعيد بنائه التنظيمي و تماسكه, و إعادة ترتيب أوراقه السياسية. بسبب أن الحزب كان يواجه معضلتين, الأولي المؤسسات الأمنية للنظام و مراقبتها لكوادر الحزب و عضويته و تحركاتهم. ثانيا التصدي لأفكار المنشقين الشيوعيين, و الذين كانوا بدأوا حملة فكرية ضد الحزب و أفكاره, كان يجب أن يحارب الحزب في اتجاهين, و في نفس الوقت يعيد بناء نفسه في هذه المرحلة التاريخية, و التي أستطاع السيد محمد إبراهيم نقد أن يتجاوزها بنجاح, رغم الحصار الأمني الذي كان مضروبا عليه, و أن يستمر الحزب في إصدار نشراته الداخلية و جريدته « الميدان», لكي تتواصل مع الناس و تحمل رؤية الحزب في القضايا السياسية المطروحة.
كان الرفيق نقد مخلصا لرفيق دربه السكرتير العام السابق للحزب الشيوعي السوداني السيد عبد الخالق محجوب في حياته و بعد ممات عبد الخالق, حيث وقف مع السكرتير العام عبد الخالق في كل صراعاته التي كان قد واجهها داخل الحزب, داخليا في قضية السيد عبد الوهاب زين العابدين و السيد عوض عبد الرازق, كان عبد الخالق يعتبرهما من عناصر البرجوازية اليمينية داخل الحزب, و بالتالي عمل الأخير علي إبعادهم من الحزب, ثم جاءت أطروحات الخط الماركسي « المايوي» «نسبة إلي ماو سيتونج الزعيم الشيوعي الصيني», و كانت بقيادة السيد مختار عبيد, و الذين تبنوا الرؤية الماركسية الصينية, و كانوا يعتقدوا أن السودان محتاج إلي عمل عسكري ينطلق من الريف إلي الحضر, و يتبني ثورة ثقافية لإعادة هيكلية الدولة السودانية و ثقافتها السياسية, كان الرفيق نقد ضد هذا التوجه و شكل تحالفا قويا مع السكرتير العام السابق, يساندهم الراحل التجاني الطيب في مواجهة هذه التحديات و التي أطلقوا علي أصحابها «التحريفيين» الذين يحاولون أن يحولوا المسار الفكري للحزب.
كانت بوادر الانشقاق داخل الحزب الشيوعي السوداني التي حدثت في 1971 قد ظهرت منذ انعقاد مؤتمر الجريف, و الذي عقد عام 1966 , و الذي لم يحضره السكرتير العام للحزب عبد الخالق محجوب, رغم أنه كان من الداعين إليه و مشاركا في تحضيراته, و لكنه لم يحضر المؤتمر, بسبب أنه تعلل الذهاب لحضور مؤتمر الحزب الشيوعي السوفيتي, و عندما جاء من الاتحاد السوفيتي الغي كل القرارات التي أتخذها المؤتمر. كان الهدف الأساسي من المؤتمر مناقشة رؤية فكرية طرحت داخل اللجنة المركزية, تنادي بتحويل الحزب الشيوعي إلي حزب طليعي, يهتدي بميثاق اشتراكي و ببرنامج وطني ديمقراطي, و يشكل الشيوعيون القلب الثوري لذلك الحزب, الأمر الذي يجعل للحزب قدرة تكتيكية كبيرة, يستطيع أن يستقطب قطاع كبير من النخب السياسية الجديدة, التي تبنت شعارات أكتوبر الداعية للحرية و الديمقراطية. و يقول عن ذلك التوجه الدكتور فاروق محمد إبراهيم, العضو السابق للجنة المركزية في ذلك الوقت, في مجلة قضايا سودانية و الصادرة في إبريل عام 1994 يقول عن تلك الدعوة ( كانت الدعوة تفتح باب عضوية الحزب أمام عشرات الآلاف من طلائع أكتوبر و الذين اكتسحوا بالحزب الشيوعي دوائر الخريجين و منحوه المرتبة الثانية في دوائر العاصمة القومية و جعلوا منه قوة اجتماعية كبري في الجزيرة) و يضيف قائلا ( كانت الدعوة بميثاق اشتراكي محدد كبديل للماركسية اللينينية يزيح عن كاهل الحزب تهمة الإلحاد اللصيقة بتلك النظرية و شكلت عقبة امام التحاق الكثيرين به و صارت فيما بعد ذريعة لحل الحزب الشيوعي) و بالفعل أجاز المؤتمر الرابع تلك الدعوة و انتخب لجنته المركزية و انتخب عبد الخالق محجوب الغائب سكرتيرا عام للحزب و رغم ذلك كان المؤتمر يشكل تحولا في العقلية داخل الحزب الشيوعي و يوضح قوة المركزية و الصلاحيات التي يتمتع بها الأمين العام.
في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر فوجئ أعضاء المؤتمر بتغيير أسم المؤتمر من المؤتمر الرابع إلي مؤتمر تداولي, علي حسب رغبة السيد الأمين العام للحزب, و ليس قرارا من اللجنة المركزية, و بعد حضور الأمين العام من موسكو الغي كل قرارات المؤتمر, باعتبار أن الدعوة لتغيير الحزب إلي حزب طليعي اشتراكي تعتبر انحرافا يمينيا, تهدف لحل الحزب الشيوعي و هدر تاريخه النضالي, و يقول الدكتور فاروق ( فوجئنا بعد عودة الأمين العام بفترة بالزميلين سليمان حامد و يوسف حسين يدعوان فروع الحزب في مدينة ود مدني و ينقلان فيها عن الأمين العام و المكتب السياسي أن قرار المؤتمر بتحويل الحزب الشيوعي إلي حزب طليعي انحراف يميني مؤاده حل الحزب الشيوعي و كل الحج التي جاءت في اعداد الشيوعي 126 و 127) و يضيف الدكتور فاروق ( أوضحت للاجتماع الذي شاركت فيه كان عبد الخالق يدعو اللجنة المركزية و يطرح لها هذا الرأي و أن يتبني الدعوة لمؤتمر أخر داخل اللجنة المركزية و يطرح لها هذا الرأي ثم يتم نقض قرارات المؤتمر السابق و لكن بهذا الفعل نحن نتبني نمطا من المركزية المطلقة علوا فيه صوت الأمين العام علي صوت الحزب كله و لا يكون للائحة أي معني) في كل تلك كان السيد نقد واقفا مع الأمين العام, حتى أضطر إخلاصا لعبد الخالق أن يغير بعض مواقفه, لكي تتلاءم مع أطروحات الأمين العام, و تأكيدا لذلك يقول الدكتور فاروق ( دعيت إلي دورة اللجنة المركزية التي انعقدت في ضاحية من ضواحي الخرطوم في نوفمبر 1966. نفس أعضاء اللجنة المركزية الخمسة و الخمسين الذين انتخبهم مؤتمر الجريف تحدث فيها محمد إبراهيم نقد و عمر مصطفي المكي و عزالدين علي عامر و جوزيف قرنق و معاوية إبراهيم و غيرهم و أدانوا القرارات التي اتخذوها بأنفسهم قبل ستة شهور و شكروا الأمين العام علي تصحيح الانحراف اليميني) كان السيد محمد إبراهيم نقد يكن حبا كبيرا للأمين العام عبد الخالق محجوب, لذلك كان أكثر حرصا علي إتباع خطوات الرجل, حتى بعد مماته, حيث أن عملية الدعوة لتغير أسم الحزب, و علي أن تكون الماركسية أحدي مراجعه و ليس المرجعية الوحيدة, كانت قد بدأت منذ أن كان السيد عبد الوهاب زين العابدين أمين عاما, ثم عادت في عام 1966 و تكررت مرة أخري, و أخيرا تجددت الدعوة في ظل قيادة محمد إبراهيم نقد بعد سقوط الاتحادي السوفيتي و هدم حائط برلين, حيث خرجت مجموعة تنادي بذات الدعوة, كان علي رأسها الخاتم عدلان و الحاج وراق و عمر النجيب و خالد الكد و غيرهم من الرفاق, و بسبب ذلك أصدر الحزب الشيوعي مجلة قضايا سودانية, بهدف الحوار حول الفكرة, و قد تعامل معها السيد نقد بذات العقلية التي كان قد تعامل بها في السابق عبد الخالق محجوب مع دعوة الحزب الطليعي, مما يدل علي أن السيد نقد لم يستطيع أن يخرج عن منهج عبد الخالق, رغم غيابه, و ظل محافظا عليه, بذات الفكرة الأولية, دون إحداث تغير رغم التغييرات التي حدث في دول المعسكر الاشتراكي.
في التحديات الخارجية, كان الحزب الشيوعي يواجه التحولات السياسية و الفكرية التي بدأت تحدث في الأحزاب الشيوعية الأوربية, مثل الحزب الشيوعي الفرنسي و الايطالي و الاسباني و غيرهم, بصمت دون تفاعل مع الأطروحات الفكرية التي خرجت من تلك المؤسسات, و كان الموقف المهمة لتلك الأحزاب أنهم خرجوا من مركزية الحزب الشيوعي السوفيتي, و تبنوا الديمقراطية الليبرالية كنظام للحكم, و قدموا اجتهادات فكرية تزاوج بين الديمقراطية الليبرالية و الماركسية, و لكن الحزب الشيوعي السوداني تمسك بعلاقته المركزية مع موسكو, و ظل حبيسا لها, والأمر الذي أضعف حركة التجديد الفكري داخل الحزب, و التفاعل مع الاجتهادات الفكرية التي تصدر من خلال حركة اليسار الجديدة, و دلالة علي أن الحزب كان متمسكا برؤية موسكو, عندما عاد الأمين العام عبد الخالق محجوب من موسكو عام 1966 و نقض قرارات مؤتمر الجريف, و كان قد شكر في كلمته أمام اجتماع اللجنة المركزية في نوفمبر عام 1966 الرفاق في الاتحاد السوفيتي, و نصائحهم القيمة التي أسدوها لعبد الخالق محجوب خلال زيارته لتصحيح القرارات الإنحرافية, التي تبناها مؤتمر الجريف, و التي جعلت السيد نقد ينقض القرارات التي كان قد اتخذها و وافق عليها.
كان السيد محمد إبراهيم نقد و رفاقه خاصة المرحوم التجاني الطيب و سليمان حامد و يوسف حسين, يمثلون التيار الاستاليني في الحزب, الرافض لعملية التجديد و التحديث و قبول الديمقراطية و توسيع مواعينها داخل الحزب, بل كانوا من المحافظين المتمسكين بالديمقراطية المركزية, التي تعطي سلطات أوسع للأمين العام, و من ثم المكتب السياسي و اللجنة المركزية, و هذا المنهج يقلل فرص ديمقراطية العضوية, و لا يعطيها مساحة تستطيع أن تقدم فيها رؤيتها حول العديد من القضايا, بل كانت تشكل عائقا رئيسيا أمام إبداعات العضوية, و تقديم اجتهادات تخرج الحزب من العباءات القديمة, و رغم الحبر الكثير الذي أرهق لكي يقدم رؤى تجديدية من خلال الحوار و النقاش إلا إن الخط الاستاليني قد انتصر, و ظل قابضا علي زمام الحزب دون تغيير يذكر. رغم أن السيد نقد كان يعتقد أن البرويسترويكا, كانت استجابة حقيقة لعملية التطور و لكنها تأخرت بيد أن نقد نفسه لم يجعل للبرويستريكا طريقا داخل الحزب الشيوعي حيث يقول في حوار مع مجلة النهج ( البرويسترويكا ثورة ضرورية تأخرت الاستجابة لها, و هذا التأخير أدي لما يسمي بفترة الجمود أو فترة الركود, إنها ثورة جديدة, حلقة من حلقات تطور المجتمع الاشتراكي الذي يحتاج إلي أن ينتقل من مرحلة إلي أخرى من طور إلي أخر ) هذا الحديث عن قضية الديمقراطية و الحرية كان الاعتقاد أن يبادر بها حزب يري في نفسه الحزب الطليعي و لكن ظلت الاستالينية تفرض ذاتها في عهد السيد نقد.
كان السيد محمد إبراهيم نقد يري أن الإسلام يمثل ركنا من وعي الحركة الجماهيرية السودانية, إن كان في التشريع أو في الثقافة, لذلك لا يستطيع الحزب الشيوعي تجاوزه, حيث قال نقد, لمجلة النهج ( نحن مع أن يكون الإسلام مصدرا من مصادر التشريع ليس فقط في الأحوال الشخصية. و ليس في هذا تنازل للقوي اليمينية بل إدراك لقضية الأصالة و الاستمرار في التطور السياسي, هذه القضايا مجتمعة تشكل محور صراع سياسي و اقتصادي و اجتماعي حول الديمقراطية ) هذه واحدة من التحولات الفكرية, و التي كان يريد من قبل ثلاثة عقود عبد الخالق محجوب أن يجتهد فيها, هي سودنة الماركسية و كيفية التعامل مع المرتكزات العقدية للمجتمع, و هي ذات الفكرة التي جعلت السيد محمد إبراهيم نقد يؤلف كتاب الأرض و الرق في السودان, للبحث في جذور المشكل في السودان, و من خلال البحث التعرف علي الثقافة القانونية و السياسية و الدينية في السودان, كان نقد مهموما بقضية الرق و الأرض باعتبار أنها أحدثت تحولات اجتماعية كبيرة في السودان, و حتى القوي التقليدية, استطاعت أن تقوي ذاتها من خلال الأرض و الاستحواذ علي مساحات واسعة, إلي جانب تحالفها مع القوي الاستعمارية, و التي كانت تبحث عن وريث لها بعد ذهابها, و علاقة الأرض هي التي أثرت علي السياسة في السودان و علي حركة المجتمع و تطوره, لذلك كان الرابط قوي في ذهنية نقد, بين حركة السياسة في السودان و علاقات الأرض و الرق, و التي نشرت ثقافتها الشعبية و الرسمية في أعماق المجتمع, و أصبحت تمثل مركزا أساسيا في عملية التطور السياسي.
و مفهوم نقد لقضية الديمقراطية في السودان, يعد تحولا أيضا في الذهنية الشيوعية, و تعد واحدة من الاجتهادات التي لم تصرح صراحة عن رفض الصراع الطبقي, و سيادة الطبقة البوليتارية, و لكنها تحدثت عن الديمقراطية الليبرالية, التي يساندها الحزب الشيوعي, و هذا تعد في ذاتها تحول, رغم إن الحزب الشيوعي السوداني في كل أدبياته, و طوال تاريخه لم يتحدث صراحة عن ديكتاتورية الطبقة البوليتارية, و عن سيادتها بحكم الصراع الطبقي الذي سوف تنتصر فيه كما تقول الماركسية, و يرجع ذلك إدراك للشيوعيون السودانيون للواقع الاجتماعي في السودان, و في ذات الوقت يعد فهما سليما, أن الطبقة البوليتارية ضعيفة في السودان بضعف الصناعة في السودان, و ضعف رأس المال الوجه إلي عملية الإنتاج, و هو رأسمال أقرب إلي نمط الإنتاج الأسيوي, و يقول السيد محمد إبراهيم نقد حول قضية الصراع الديمقراطي الليبرالي في السودان (صراع الديمقراطية الليبرالية في السودان, جزء من الصراع الاجتماعي, جزء من صراع الثورة, القوي الشعبية تناضل لاستعادة الحريات كيما تبني تحالفاتها, تبني تنظيماتها, يزداد وعيها, تكتسب من تجربتها الذاتية دروسا جديدة. القوي اليمينية تحاول أن تحد من الاندفاع, و تفرض أشكالا مختلفة لمصادرة الديمقراطية و الحريات, إما عن طريق دكتاتورية مدنية, كأن تفرض الدولة الدينية و الدستور الإسلامي, و تحد من الحريات و تصادرها برغم الشكل البرلماني, أو أن تأتي المؤسسة العسكرية لمصلحة نفس النادي) و هنا نقد رغم تمسكه بثوب اليسار, إلا أنه أكد علي أن الصراع يأخذ بعدا ديمقراطيا مؤسسة علي مفهوم الديمقراطية الليبرالية و هذا رفض غير مباشر لديكتاتورية البوليتاريا التي تعد أحد أعمدت الماركسية و هذه تعد نقلة نوعية في فكر السيد نقد و تراجعا عن الحلف الاستاليني.
يعد محمد إبراهيم نقد أحد أعمدة الماركسية العربية, الذين كان لهم فضل تأسيس الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي, و تأثروا ببعضهم البعض, إذا لم يكن في الفكر, أنما في البقاء لسنوات طويلة علي قمة أحزابهم, دون أن يفتحوا طريقا إلي الأجيال الجديدة, كانوا متأثرين بإرث الماركسية في الدول الأخرى التي كانت تمجد الأمين العام و تعتقد أن بقاءه يعني الحفاظ علي الحزب و بقائه وسط المجتمع كان منهم خالد بكداش في سوريا و عزيز محمد في العراق و نايف حواتمة في فلسطين, و غيرهم و لكل واحد منهما بصماته في تاريخ الماركسية في الوطن العربي و كان لنقد أيضا تاريخه النضالي في العمل السياسي.
يعد محمد إبراهيم نقد أحد الأعمدة السياسية الرئيسية للسياسة في السودان, الذين شكلوا الوعي السياسي و الجماهيري, و قدموا اجتهاداتهم الفكرية و التنظيمية, علي المستويين الحزبي و القومي, و ستظل الأجيال السودانية المتعاقبة تتعلم من الإرث الذي خلفه في مسيرته التاريخية التي تتجاوز نصف قرن, كان فيها الإيجابي و السلبي و لكنها كلها كانت من أجل الوطن, و قدم نقد ما كان يعتقد أنه صائبا لمصلحة الوطن و المواطنين, ذهب نقد و يديه بيضاء خالية من أية اتهامات في الفساد أو خيانة الوطن و غيرها من المصطلحات التي تطلق الآن لحرق الشخصيات السياسية, ذهب و كان يحلم بوطن ديمقراطي تعددي, يتحاكم فيه الناس لدستوري ديمقراطي, يؤسس علي وفاق وطني, فسخر كل وقته من أجل النضال لهذا الحلم, رحل و ترك حلمه أمانة في أعناق الأجيال الجديدة لكي تحققه, و أيضا قدم اجتهادات في الفكر السياسي و الماركسي يتفق معها الناس أو يختلفوا و لكنه مجمعين علي احترامها و احترام صاحبها رحم الله محمد إبراهيم نقد بقدر ما قدم لوطنه و المواطنين الغلابة و لأهله الصبر و السلوان و يجعل الصبر لرفاق دربه الذين سوف يحملون الراية من بعده و إن لله و إن إليه راجعون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.