لو كان من أولى أولويات المقدرة على رئاسة الجمهورية هي «الكاريزما الرجالية» كما قال المستشار بوزارة العدل محمد دقدق لما واجه العالم أزمات على مستوى الحكم . وبخاصة العالم العربي الذي يُقسِم فيه رؤساء جمهورياته على «كارزيمتهم الرجالية» جنباً إلى جنب مع القَسَم الرسمي لرئاسة الجمهورية.بل يزيدون على ذلك ويزايدون على «رجولتهم» بنكاح ما طاب لهم من النساء. لو كان هذا الحكم منطقياً وسليماً لأصبح رؤساؤنا الذين يتمتعون بهذه الصفة من أنجح الرؤساء على مستوى العالم وأكثرهم استعداداً وتطبيقاً لإقامة مباديء الحكم والقيادة المتمثلة في الحكم الرشيد واستتباب الأمن وإشاعة العدل والسلام. لا أدري لماذ أغفل سعادة المستشار في حكمه هذا صفات أخرى أكثر إنسانية وأسمى مقاماً وهي التي تؤهل الحاكم لاستحقاق قيادة البلاد وتجعله مقبولاً بين الناس ، وركّز عوضاً عن ذلك على الفروق البيولوجية بين الرجل والمرأة . بل إنه ذهب إلى أكثر من ذلك بأن استنتج أن عجز المرأة عن القيام بمهام رئاسة الجمهورية أو دخول البرلمان مستقلة هو لأنها لا تمتلك «كاريزما رجالية» وصفات أخرى تتمكن بها من جذب الناخبين. وبذكره للكاريزما الرجالية وإمساكه عن تصنيف الصفات الأخرى التي في مقدرتها جذب الناخبين يكون بهذا جعلها أقل أهمية من السبب الأول الذي عمد إلى ذكره . لا شك أن التمييز على أساس الجنس هو قضية تعاني منها النساء ،ولكن من أكبر المشاكل التي تواجههن في حل هذه القضية هو وجودها على مستوى أفكار المؤسسات مثل وزارة العدل إن كان المستشار يمثلها. وذلك لأن النخبة تعبر عن التمييز الموجود من خلال المواقف والسلوك في مثل موقف المستشار الذي بنى فرضيته على القدرة العليا للرجل بسبب رجولته، والقدرة الأدنى للمرأة بسبب أنوثتها في ممارسة العمل السياسي والقيام بهذا الدور كما ينبغي.وهو من جملة المواقف التي تسعى إلى جعل تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في غاية الصعوبة ، كما تعمل بشكل مباشر إلى تثبيط همة النساء في الالتحاق بمجالات يُظنّ أنّ العمل فيها من نصيب الرجال . لو كان التمييز على أساس الجنس يشكّل أي أهمية في تولي المناصب القيادية أو العمل السياسي فسيكون الحكم لصالح النساء، لأن الدراسات النفسية أظهرت أنّه بينما يمارس الرجل القائد القوة والصرامة في مجال عمله ، تمارس المرأة القوة الناعمة والتي تعتمد على اللطف والرقة والجاذبية ومقدرتها على الإقناع.وهو ما أكده العالم النفسي ستيفن بينكر في كتابه بعنوان «الملائكة الأفضل في طبيعتنا» حيث يقدم لنا الكاتب بيانات تؤكد أن العنف البشري كان في انحدار تدريجي رغم أنه لا يزال باقياً معنا بشكل واضح حتى يومنا هذا. ويضيف بينكر: «يؤكد التاريخ الطويل أن النساء كن يمثلن دوماً قوة جالبة للسلام. فالحروب التقليدية كانت لعبة للرجال: فلم نر النساء يتجمعن معاً للإغارة على القرى المجاورة. إن النساء باعتبارهن أمهات لديهن حوافز نشوئية تدفعهن إلى الحفاظ على ظروف سلمية تسمح لهن برعاية ذريتهن وضمان بقاء جيناتهن إلى الجيل التالي» . بالرغم من محاولة النساء المستميتة لإيجاد موطيء قدم لهن في المناصب القيادية ، وبالرغم من تثبيط هممهن عن طريق مثل هذه الأحدايث غير المسنودة لعلم أو تجارب أو أسانيد تاريخية ، فإنّ الأمر إلى هذه اللحظة هو مجرد كلام . يتحدث كل طرف من موقعه ويتصوّر ماذا سيكون عليه الحال لو أصبحت النساء في سدة القيادة . ومن طرفنا فنحن مقتنعين تماماً برؤية العالم بينكر التي راهنت على لطف النساء وبنت نجاح القيادة على الأسلوب الأنثوي الذي أثبت فاعليته حتى ولو طبقه جنس الرجال.فكل ما في الأمر هو التحلي بروح قيادية ذكية تجمع ما بين القوة الصارمة والناعمة دون الحاجة إلى تصنيف بيولوجي في من يطبّق هذه الموازنة، رجلاً كان أم امرأة .