في الأيام الماضيات استنكر وفد السودان المشارك في أعمال الدورة الثانية عشرة لمجلس حقوق الإنسان ب (جنيف) استنكر بشدة دعاوى المفوضية السامية القائلة بوجود ممارسات للتفرقة العنصرية ضد النساء في السودان ! .. وفي معرض تفنيده لذاك الاتهام أشار الوفد إلى ما ورد في تقرير المفوضية السامية عن فرض السودان لقوانين عنصرية ضد المرأة، بينما الحقيقة بحسب دفوعه أن تلك القوانين المشار إليها هي ورثة سودانية عن النظام (الأنجلو ساكسوني) عقب خروج المستعمر البريطاني ! .. (الدفوع) التي تنفي التمييز العنصري ضد النساء في السودان تستند في مجملها على شواهد (نوعية) حية مثل تقلد المرأة السودانية للمناصب الهامة والحيوية (الوزارات) ورئاستها اللجان والإدارات بل والمؤتمرات (بدا حرص المسئولين في الدولة واضحاً على أن ترأس مؤتمر الإعلاميين السودانيين العاملين بالخارج “سيدة”، مهما كلف الأمر) ! .. أما توجه الدولة نحو تولية المرأة مناصب قيادية، والذي بدأ قبل فترة، فقد جاء في إطار التوجه الإقليمي الذي شهدته الكثير من دول العالم الثالث مؤخراً نحو تولية المرأة مناصب قيادية كما حدث في موريتانيا واليمن في الأسابيع القليلة الماضية .. لكن توجه السودان أطاشت دفته أحداث محاكمة (لبنى) التي عادت بالنظرة العالمية نحو موقف وموقع المرأة في السودان بكل أسف إلى عهد ما بعد (الرحط) ! .. وقد أعلن هذه الأيام عن ترشيح المكتب السياسي لتنظيم الاتحاد الاشتراكي السوداني الديمقراطي السيدة (فاطمة عبد المحمود) لرئاسة الجمهورية .. وذلك في أول سبق عربي إفريقي من نوعه ! .. ويمكن للمهتمات بوضع المرأة في المجتمع بعد انحسار موجة وتبعات وتداعيات هذه السابقة أن يقمن بناء على نسبة الأصوات الرجالية الحرة التي سوف تختار المرأة (رئيسة الجمهورية)، أن تتعرف إلى نسبة الاستثناء في قاعدة العرف الموروث والمعول عليه في النظرة إلى المرأة المتصدية للعمل العام في السودان! .. لكن ولكن أداة استدراكية تفيد استدراك المعنى الأول بمعنى نقيض له حكاية التميز ضد المرأة أعمق وأعم من تلك الشواهد النوعية ! .. فكما أن الرجولة ليست شارباً كثاً وصرامة بلا مبرر .. وكما أن الأنوثة ليست جسداً ليناً وضعفاً بلا مبرر .. كذلك التمييز ضد المرأة في مجالات العمل العام ليس تصنيفاً مهنياً واضحاً أو قرارات إدارية صريحة، بل هو سلوك ذكوري، زئبقي، بغيض، خبيث، يأخذ من حق المرأة الكثير، دون أن يؤخذ عليه ! .. مسرح جرائم هذا النوع من التمييز هو أجواء ومناخ أروقة العمل العام .. فالرجل غير الواثق من نفسه الذي يرى في إنجاز المرأة فضح لنقص أدائه، ويرى في ازدياد نجاحها تقدم على حساب تقهقره، يساهم في (تعطيل) و(إحباط) المرأة الطموحة، الناجحة بكل سرور ! .. كيف لا يترعرع مثل هذا النوع من العنصرية والرجل السوداني النمطي ما يزال (يستنكر) واقع أن يوازي دخل المرأة العاملة دخله، وما يزال يستكثر فكرة أن يزيد دخل زميلته في مؤسسة عمل واحدة عن دخله ! .. ولا يهم إن كان عملها أكثر أهمية، ووجودها أكثر فائدة .. لا تهم مقومات (الندية الفكرية) .. المهم أنها (امرأة) ليس لها حق القوامة على رجل، وليس عليها واجب إعالة أسرة .. فكيف يسمح القَوَّام، المُعيل، ل (المرة) أن تكسب أجراً أكبر، حتى وإن كانت تعمل ما هو (أهم) وأكثر ؟!