منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث: المدنيون في الفاشر يكافحون بالفعل من أجل البقاء على قيد الحياة    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يهزم مازيمبي بثلاثية نظيفة ويصعد لنهائي الأبطال    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    وصول طائرة للقوات المسلّحة القطرية إلى مطار بورتسودان    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العودة إلى» أرقين» .. الحلم الممكن (1)
نشر في الأحداث يوم 04 - 04 - 2012


تقديم :
بعيداً عن النيل كل الأغاني خواءْ
بعيداً عن النيل كل الملامح محض طلاءْ
« شاعر نوبي «
أحقاً سنرجع للغة الأم
نحفرها في صخور المعابد رمزاً وبعثا ؟!
نخيلاً سيمتلأ الشاطي الأرجواني؟
نساءً ب «جرجارهن» ، وزغبا»
«أرقين» تغفو على عطر نهد الأصيلْ
مللنا هنا شجناً مستعاراً،
وجلداً لبسناه غصبا
أرقين شمال
(شاعر نوبي قديم)
قبل أن تبتلعها بحيرة السد العالي كانت « أرقين « قرية كبيرة تقع على الضفة الغربية من مدينة «وادي حلفا» وتمتد شمالاً حوالي اثني عشر كيلو متر . غابة من النخيل سكانها «4300» نسمة، كتب المرحوم «حسن دفع الله في كتابه المشهور «هجرة النوبيين» «ص 290 ترجمة الأستاذ « عبد الله حميدة « :
وبالرغم من أن النوبيين جميعاً أناس مهذبون إلا أن أبناء «أرقين يمتازون بشعور مرهف تجاه الآخرين ومستوى تعليمهم أعلى من بقية سكان القطاع الشمالي من وادي حلفا وتأتي مباشرة بعد قرية دغيم».
كانت «أرقين» نسياً منسيا لولا كفاح من أبقوا مدينة «وادي حلفا» حية ونابضة ولهذا قصة بطولية سأوردها لاحقاً.
«العودة إلى أرقين» في هذا المقال دعوة حارة لإعادة الحياة إلى تلك المنطقة من الوطن . ولا أتوسد حلماً لو قلت إنها دعوة لإعمار كل الأرض النوبية من أسوان إلى دنقلا، هي دعوة للمسؤولين عامة حكومة وشعباً وللنوبيين خاصة حتى يعود الرافد النوبي بقوة كما كان في الماضي إلى روافد السودان العظيم حضارة وثقافة وسلة حقيقية لغذاء الدنيا. هي دعوة للاستثمار الإنساني لتلك الأراضي البكر وهي دعوة تخص النوبيين في المهاجر. داخل الوطن وخارجه. العودة إلى أرقين ليست دعوة لإخلاء «حلفا الجديدة» في هجرة معاكسة. ولا بد هنا أن أحيي الابن البار السيد «أسامة داؤود عبد اللطيف» ولا يلد «الشبل» إلا «الأسد»
قصة مدينة كتب لها الفناء
لبقاء مدينة وادي حلفا قصة أسطورية وملحمة نضالية يجب علينا أن نسطرها بالنور بعد أن قررت حكومة إبراهيم عبود محوها من خارطة الوطن وشطبها من ذاكرة النوبيين.
في إيجاز غير مخل سأورد شيئاً يسيراً من تلك القصة يرويها في كتابه «السد العالي ومأساة النوبيين» المناضل النوبي الجسور مصطفى محمد طاهر له الرحمة ص :255 : « في الثاني والعشرين من يوليو 1963م أصدر السيد «حسن دفع الله معتمد الهجرة بياناً مهماً للمواطنين في «وادي حلفا»
نص البيان
1 . قررت الدولة تهجير جميع الخدمات والمرافق العامة في موعد أقصاه أغسطس 1963م من مدينة «وادي حلفا»
2. إنشاء ميناء مستدام يشكل استحالة عملية لاستمرار ارتفاع منسوب النيل طيلة عشر السنوات القادمة .
3. إن هذه المنطقة ستكون خالية من مقومات الحياة وسوف لن تسمح أحوالها لبشر أن يمارس فيها الحياة .
4. إن الذين اختاروا التعويض النقدي أخضعوا مسئولية توطينهم على كواهلهم والدولة خالية طرف من المسئولية.
5. بناءً على هذه الحقائق أود أن أذكر من يهمهم الأمر من المواطنين بأنه إذا أراد أي شخص البقاء في هذه البقعة فعليه أن يفعل ذلك على مسئوليته الشخصية فإنه إذا ما اتضح أن هنالك نفرا من المحرضين قاموا بتضليل البسطاء فإن الدولة ستأخذهم بكل شدة انتهى البيان.
ويواصل مصطفى محمد طاهر في كتابه : على إثر هذه البيانات عقدت لجنة المقيمين بوادي حلفا اجتماعاً مطولاً بدأ في الساعة السابعة من مساء يوم 23يوليو 1963 واستمر حتى الخطوط الأولى من فجر 24 يوليو 1963 وخرج المجتمعون فيه بالقرارات التاريخية الآتية :
1. رفض ما جاء في بيان الحكومة جملة وتفصيلاً .
2. التأكيد على البقاء في وادي حلفا تحت كافة الظروف على مسئوليتهم الشخصية.
3 . رفض استلام التعويضات للمنازل والأراضي.
4. رفض إخلاء المنازل.
5. تكوين سلطة شعبية من المقيمين تتولى إدارة كافة الخدمات التي كانت تديرها الحكومة السودانية .
6. فرض رسوم شهرية قدرها جنيه واحد من كل أسرة مقيمة بوادي حلفا على أن تقوم لجان المقيمين خارج وادي حلفا بجمع الرسوم في مناطقهم وإرسالها لحلفا بصورة منتظمة.
7. جمع التبرعات من الأشخاص والهيئات والمنظمات التي تتعاطف مع قضيتها.
8. شراء أسطول للنقل يعمل بين حلفا والخرطوم بدلاً عن السكة حديد .
قسمت السلطة الشعبية نفسها إلى لجان :
1. اللجنة المالية 2. لجنة التعليم 3. لجنة الصحة 4. لجنة الإسكان 5. لجنة الزراعة 6. لجنة الصالح 7. اتحاد التجار .
وجاء تكوين اللجنة العامة للمقيمين من ثلاثين شخصاً نورد أسماءهم :
1. الشيخ جعفر محمد صالح 2. محمد داؤود فضل 3. خليل عباس 4. عبد الرحيم محمود 5. محمد عبد اللطيف 6. حسين مدني 7. حسن على حسن 8. عباس محمد خليل 9. محمد عبد الرحيم 10. أحمد خليل عباس 11. محي الدين محمد طاهر 12. محمد خليل حمد 13. صاوي محمد عبد المجيد 14 . محمد حسن 15. أنور عبد الحفيظ 16. عبد الرحمن داؤود. 17,حسن عثمان خليل 18. عبد الحميد محمد جعلي جبر 19. أبراس أيوب 20. صالح عثمان الحاج 21. أحمد محمد إبراهيم 22. عبد المنعم خليل 23. محمد جعفر محمد صالح 24. حفني محمدي بتيك 25. علي دهب عبده 26. مصطفى محمد طاهر 27 . حسن صادق جنبلان 28. محي الدين أحمد سليمان 29. أحمد محمد إبراهيم 30. حسين أبراس .
هذا وقد ظل المكتب القائد كما كان مكوناً من قبل من الآتية أسمائهم:
1 . العمدة / محمد داؤود 2. دهب عبد العزيز 3. محمد سيد أحمد 4. مصطفى محمد طاهر 5. سري سليمان .
ويمضي مصطفى محمد طاهر كاتباً
«عند أول زيارة للجنة إلى الخرطوم قدمت لجنة الخرطوم اقتراحاً بواسطة السيد صالح محمود إسماعيل أوصت أن تسمي هذه السلطة الشعبية التي كونها المواطنون لإدارة شؤونهم تحت اسم التجمع التعاوني والثقافي بوادي حلفا وتكفلت لجنة الخرطوم بجميع الاحتياجات الخاصة بالخدمات في واي حلفا وقاموا بشراء لوريين اثنين لحمل المعدات الضرورية للخدمات. ويكتب مصطفى.
بعد أن تسلمنا العربتين واستلمنا الكتب والأدوات المطلوبة للمدرسة والأدوات الضرورية للمركز الصحي توجهنا إلى أم درمان لشراء بعض الأشياء التي طلبت من وكان بينها طاحونة وبعض المواد الغذائية ولما إذ أن وقفت تحركنا من أمام دكان المرحوم محمد أحمد أسماعيل في أم درمان تجمع حولنا أهلنا الرافضون للهجرة في مشهد عظيم حيث اختلطت الدموع بالابتسامة بالترجي من هذه الرحلة التاريخية التي كانت مغامرة، رفض سائقوا اللواري المحترفين قيادة هذه العربات خوفاً من السلطة فلم يكن أمامنا إلا أن نكلف اثنين من أبناء حلفا الرافضين للهجرة لم يسبق لهم العمل في هذا الخط الوعر أم درمان دنقلا ولكنهما قبلا بالمهمة إيماناً منهم وعبثاً حاولنا العثور على مساعدين عملوا في هذا الخط فاضطررنا أنا وسليم فرح أن نعمل في واحد والأستاذ بيرم ودهب باللوري الآخر ولجهل السائقين بالطريق وجهلنا بالعمل كمساعدين فقد قطعنا الطريق من أم درمان إلى الدبة في يومين في هذه الأثناء تجمعت لدينا معلومات مفادها أن هنالك منطقة تسمى الباجا في انتظارنا وهي منطقة صعبة جداً تزحف فيها الرمال ولا يجتازها إلا من خبر القيادة في تلك المنطقة كما علمنا أيضاً أن هنالك طريقا على النيل يمر بالقرية إلا أن أهالي تلك القرية لا يسمحون بمرور العربات وسط قريتهم خوفاً على أطفالهم وبهائمهم فلم يكن أمامنا إلا أن نذهب إلى أهالي القرية لشرح موقفنا لهم لعلنا نستدر عطفهم. عند وصولنا للقرية طلبنا مقابلة شيخ الحلة وبعد أن شرحنا له موقفنا وعرفناه من نحن اندفع الشيخ نوحنا وحيانا ورحب بنا واستدعى بعض رجال القرية الذين أحاطونا بتشجيعهم حيوا موقف أهل حلفا فينا وأقسموا علينا أن نتناول طعام الغداء معهم ولم يكتفوا بفتح الطريق بل رافقونا بعرباتهم حتى اجتازوا بنا المناطق الوعرة. وصلنا دنقلا مع مغيب الشمس مع آخر دور بنطون وكانت العربات كثيرة مما كان يستدعي انتظارنا حتى صباح اليوم التالي وفي أثناء توسلاتنا بالسماح لنا بالعبور كان يقف إلى جانبنا رجل طويل القامة يستمع إلى حديثنا بكل جوارحه فصاح يرمي يمين الطلاق على أصحاب العربات أن يتنازلوا لنا ويسمحوا بعبور عرباتنا وتعالت الهتافات بحياة حلفا وأبطال وادي حلفا.
عند وصولنا لعمورية جمي تجمع حولنا نساء المقيمين واستقبلننا بالزغاريد والورود وجاء الرجال وكسوا اللوري بجريد النخيل وعلمنا منهم أن آخر فوج من أهالي دغيم سيسافر في الخامسة من مساء ذلك اليوم فقررنا الإسراع للحاق ذلك القطار قبل مغادرته محطة السكة حديد التي كانت قد تحولت إلى المطار، ولما وصلنا قرية مجراب وظهر موكبنا عليهم ارتفعت الحناجر بالهتافات والنساء يزغردن فانطلقنا بلوارينا نحو المحطة وبدأنا نجوب حول القطار جيئة وذهاباً هاتفين بحياة المقيمين وحياة حلفا، وكان بحق مشهدا لا يصدق بالنسبة للمهجرين .
وادي حلفا وثورة أكتوبر
وهبت ثورة أكتوبر وكان أول ما طالبت به لجنة الخرطوم أن تصدر الحكومة قراراً رسمياً بإعادة وادي حلفا إلى حظيرة الوطن وفي اجتماع بمنزل السيد داؤود عبد اللطيف تمت صياغة مسودة قرار بهذا المعنى لتقديمه إلى مجلس الوزراء، وبعد تعديلات طفيفة صدر القرار الرسمي المشور بالرقم 91 .
ولأهميته نورد نص القرار 91 بتاريخ 9 ديسمبر 1964
قرر مجلس الوزراء بناءً على ما وصلت إليه من معلومات عن أهالي وادي حلفا الذين لا زالوا يقيمون في المنطقة أن تقوم الوزارات كل في دائرة اختصاصه بتنفيذ مطالبهم الأتية :
1 . أن تتسلم الحكومة المدرستين بنين وبنات.
2. إعادة الخدمات الصحية.
3. إمداد الأهالي بالمياه وذلك عبر مواسير من وابور السكة حديد .
4. رفع الحظر المفروض على شحن البضائع من السكة حديد إلى حلفا.
5. إرسال صيارفة لصرف التعويضات المقررة وستولي الحكومة اهتماماً بمطالب الأهالي كتغيير الموظفين الموجودين، وقد وصى المجلس السيد وزير شئون الرئاسة متابعة تنفيذ هذا القرار.
وهكذا انتهت الملحمة الرائعة ببقاء وادي حلفا وهنا أتوجه للسيد/ عصام داؤود أن يشيد نصباً تذكاريا عند مدخل مدينة وادي حلفا تخليداً لذكرى الأبطال .
مبتدأ الشجن:
كان ذلك في أمسية الثلاثاء 13 أكتوبر 1981 م وفد من أهالى (سرة) و(فرص) في دعوة للاجتماع بأهالي (أرقين) شمال للتفاكر حول العودة إلى وادي حلفا في هجرة معاكسة .
أسرع أهالي (أرقين شمال) في لهفة شديدة إلى نادي القرية فهناك اجتماع مهم لدعوة مهمة حول مستقبل ومصير ابنائهم في حلفا الجديدة والحلول المقترحة ازدحم النادي وكان أول من من الوفد العم (حسن حسين) وهو من أهالي (سرة غرب) حاملا عصاته المعهودة دخل في خطوات سريعة وملامح جادة تبدو على وجهه دائما وتبعه رهط من الرجال ورد الأهالي التحية بأحسن منها وزغردت بعض النساء ابتدأ الحديث العم (حسن حسين) وقال في ذم (حلفا الجديدة) ما شاء له الذم وتبعه آخرون من الوفد ثم دعوا الحضور لتكوين (لجان العودة) فورا ودون تعطيل.
كان الحماس كبيرا تشابك العقل بالعاطفة والأمل بالإحباط .
سكت الحضور برهة ربما كان ذلك من هول ما سمعوه. بل تراقصت في مخيلات بعضهم أشجار النخيل في الوطن هناك في (وادي حلفا).
كسر حاجز الصمت رجل من أهل القرية قائلا :
يا ناس فرص .....
أنتم أول من وافقتم الحكومة على الهجرة إلى خشم القربة وها أنتم أول الداعين إلى العودة مرة أخرى إلى (وادي حلفا ) ومصفقا بيديه:
غريبة والله
يا ناس (فرص) ..... ألم تقولوا لمعتمد الهجرة .. عندما أمر بتأجيل رحيلكم إلى ما بعد شهر (رمضان).. يا حسن دفع الله (نحن لا نصوم).
ضحك الحضور كثيرا للطرفة الساخرة وهنا قام (حسن حسين) وهو يلوح بعصاه قائلا :
نحن جئنا لنعمر الوطن الأم يا إخوان .
تحدث في تلك الليلة كثيرون داروا ولفوا بلا طائل. كان هناك متحمسين وبعضهم قال إن هذه الفكرة من أفكار (إبليس) وأخرج رئيس الوفد دفترا كبيرا وسجل فيه أسماء الذين رغبوا في العودة وبعد أنس وجدال عاد الوفد في وداع جميل .
كان ذلك اللقاء في نادي (أرقين شمال) مبتدأ الشجن .
اشتعلت جذوة الحنين إلى (وادي حلفا) الوطن الأم في تلك الليلة وعلى إثرها كان هاجس العودة ينداح ويكبر في قلوب الكثيرين وجرت محاولات كثيرة. أهالى صرص).. (وجمي) و(أشكيت) لكن محاولات أهالي (أرقين) كانت أكثر جدية وتنظيما لذا لا بد من ذكر بعض تلك المحاولات الجادة وهي أول الأوتار لبناء (أرقين الجديدة).
كانت محاولة (مجموعة محي الدين دنيا )
لتعمير (أرقين) أول مجموعة نفذت فكرة العودة عمليا و (محي الدين دينا) من مواطني (أرقين) وكان في (حلفا الجديدة) مزارعا ناجحا بكل مقاييس النجاح ترك محي الدين كل تلك النجاحات خلف ظهره وغادر إلى أرقين ليعيد إليها الحياة . كان محي الدين صوفيا في حبه لأرقين وما كان لأحد غيره ليصارع الرمال وسموم الصحراء إيمانا لهذا الهوى الجارف لكن مجموعته لم تجد سندا من الدولة ولا تشجيعا من أهالي أرقين ربما السخرية أكبر من التشجيع لا نستطيع أن نقول بأنهم فشلوا. لكننا بالتأكيد نستطيع أن نقول إنهم أبقوا اسم أرقين حيا إلى يومنا هذا .
محاولة التعمير الثانية مجموعة حسن شهندورة
وكان حسن محمد إدريس شمندورة ناجحا أيضا لكنه كان نوبيا حتى النخاع وعاشقا نوبيا أيضا . بنوا خمسة منازل في صحراء أرقين وبذل مع أصحابه المال والعافية لإعادة إعمار أرقين وما أطلال منازلهم التي ما زالت باقية تشهد لهم بحب أرقين ونكران الذات .
محاولة التعمير الثالثة العم عثمان بسطان
وحيدا مضى العم عثمان بسطان إلى أرقين تصحبه إرادته التي لا تقهر وعشقه للوطن الأم، كان عثمان بسطان أول من استقر في تلك البقعة الصحراء. أنشأ فيها واحة ظليلة استظل فيها رواد التعمير معه . مع أسرته وأطفاله بلا ثروة ولا مشروع سوى وجوده الحي وعزيمته الغلابة لم يرجع ثانية مثلها رجع كثيرون بل ما يزال يقاوم وسيقاوم . قصة عثمان بسطان سنحكيها يوما
محاولة التعمير الرابعة
مجموعة محمد شريف فضل
هذه المجموعة هي أكبر تلك المجاميع كانت تتكون من: محمد شريف فضل 2 محمد فتوح محمد عيسى 3 محمد عثمان أحمد 4 سامر نلوه 5 محمد عبد الغفور 6 جمعة إبراهيم 7 وآخرون.
ولهؤلاء قصة عجيبة كان الشهيد اللواء/ الزبير محمد صالح متحمسا جدا لتعمير أرقين وتبرع لهذا الغرض النبيل بمبلغ مائة مليون جنيه، وكان يرى أن يبدأ الإعمار بالوجود البشري وسعى سعياً حثيثاً لهذا الغرض. كانت إدارة تلك المنطقة تتبع لجهاز الأمن الوطني فقام الجهاز بإدارة العمل ببناء 65 منزلاً ومسجدا ومركزاً صحياً، شاركت هذه المجموعة بتشيدها بالعرق والأمل. حتى اكتملت، حينها أصدر جهاز الأمن بوادي حلفا أمرا لهم بأن يتم السكن في تلك المنازل بعوائلهم خلال خلال ثمان وأربعين ساعة فقط، أسقط الأمر في يد تلك المجموعة لاستحالة جلب عوائلهم من حلفا الجديدة بتلك السرعة فما كان منهم إلا أن يعودوا غير نادمين وقد أصبحت الآن سكنا لعمال شحن وتفريغ الأسمنت.
شهداء التعمير
بين الأمل والإحباط وفي لجة تلك المحاولات في غمرة الحماسة تلك راحت أرواح عزيزة «رواد التعمير» غرقوا وهم يعبرون النيل إلى البر الآخر ولا بد من ذكرهم للذكرى وهم:
1 . زكريا حسن دنيا وزوجته وولده 2. نوري نواري وزوجته وولده 3. عاطف سليم توره 4. إسماعيل أحمد إبراهيم 5. زوجة / عيسى المنصوري وولده 6. زوجة / جمال عثمان فلكاب وابنه وابنته 7. جندي من القوات المسلحة 8. جندي من جهاز الأمن 9. محمد حسين جاويش 10. صالح سعيد 11. عادل دهب وزوجته. وهنالك شهيدان آخران هما 1. جمال صالح صابر 2. عوض سليمان محمد تاها في الصحراء وهما في طريقهما إلى وادي حلفا .
المحاولة الخامسة منظمة أرقين الطوغية
استجابة لهذا الحنين الجارف اندفع ساكنو العاصمة من أبناء أرقين في تكوين منظمة أرقين الطوعية وإعادة التعمير عام 2000 لأهداف معينة لتعمل في ثلاثة محاور :
1 . التعبئة المعنوية لأهل أرقين وتهيأتهم للقبول بمبدأ العودة .
2. محاورة السلطات في الخرطوم ودنقلا لتبني فكرة العودة ومساعدة العائدين
3. توفير الخدمات الضرورية لطلائع العائدين.
ورفعت المنظمة شعار «سنعيدها سيرتها الأولى» وكان لسان حالها صحيفة «شمندورة»
1. الحصول على أراضي زراعية كمشروع زراعي استثماري
2. 2. تحديد قرية «أرقين» في مساحة طولها 15 كيلو وعرض 8 كيلو مترات .
3. تشييد بيت «أرقين» في وادي حلفا
4. توفير مياه شرب نقية وللزراعة
5. آليات زراعية
و نقول: الآمال الكبيرة لا بد أن تصحبها
تضحية مرة ونرجو للمنظمة التوفيق .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.