كيف أبدأ مقالي وماذا أكتب وماذا أقول؟ فقد جفت الأقلام وطويت الصحف، وأصاب منابر المساجد صم وبكم، وكذا الأمر لوسائل الإعلام، فلم يفتح الله عليها بحرف. وكأن الأمر لا يستوجب الوقوف عنده، بل يجب التكتم عليه، وغض الطرف عنه. ربما لأن من تجرأ على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ذو مقام وحسب ونسب، أو ربما لأنه ينتمي لأمة هي رائدة في رفع راية الإسلام وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فمن نريد الحديث عنه، ليس بغربي من الدنمارك تطاول على النبي بالرسوم المسيئة، ولا بعلماني له وطر في الغرب، ولا بشيعي يتوجبُ أخراجه من الملة، بل هو منا نحن اهل السنة. وهو من الغارفين غرفة من نهر كوثر رسول الله صلى الله عليه وسلم العذب ماؤه، اللذيذ طعمه. إلا أنه عندما أراد أن يصبُ بعض مما اختزنه من علم وفقه خرج قوله من شفتيه ولسانه آسن نتن، فأصابنا بغم وهم وحزن وندم. وكشف الله ما في قلبه بفلتات لسانه، وظهر تجرؤه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ومن تجرأ على رسول الله، فقد تجرأ على الله. فنسب لرسولنا الكريم فعلاً ما سبقه عليه من أحد من العالمين حين قال: «إن رسول الله وقبل أن تُحرم الخمر كان بعض أصحابه يهدونه الخمر، فيقوم رسول الله بإهدائها أو بيعها». كبرت كلمة تخرج من قلبه ولسانه أن يقول إلا كذباً. ليت علماء البلد الحرام الذين عجلوا في الرد عليه وأجبروه على الاعتذار، ألقموه حجراً. وقد شبه الله العلماء من أمثاله في سورة الجمعة آية 5: «... كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا... «. وهل يعي الحمار ما يحمل من أسفار؟ فمؤذي النبي لم تلجمه ولم تمنعه درجة الدكتوراه في العلوم الاسلامية، من أن يرعوي ويتأدب مع رسول الله ولا يؤذيه. فإذا به يجعل من كانت خلقه القرآن بائع خمر بالمدينة؟!!! ونحن الذين من سواد المؤمنين لم نحمل درجة الدكتوراه في العلوم الإسلامية مثله، لم نقرأ قولاً مثل الذي قال، ولم نعرف عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه باع شيئاً بعد نبوته دع عنك خمراً. ثم يأتينا هذا الدكتور بعذر أشدُ نكاية من قوله الأول وسأبين ذلك لاحقاً. فهو ليس باول من آذى النبي من أهل السنة، فقد اُوذي رسول صلى الله عليه وآله وسلم في أكثر من موضع، وكتابُ الله خير شاهد وشهيد، وما زال بعض منا يتمادون في إذائه عبر احاديث نتبادلها في كتبنا ومحاضراتنا واليكم بعض منها. زار مسجد جنيف قبل سنوات مضت شاب وسيم الطلعة بهندام غربي، يحمل هو الآخر درجة الدكتوراه. تم الترويج لمحاضرته في العلاج بالقرآن «الرقية» بصورة لم نألفها من قبل. بكرتُ بحمل قرطاسي وقلمي واتخذت مجلساً لعلي أعود بصيد ثمين. والمحاضرة تصل لنهايتها، فإذا به يسقط فوق رأسي ولا أقول رؤوسنا، حجراً أدمى قلبي وعيني. فأراد مُحدثنا أن يعضض حديثه ويقوي حجته، وقال إن السحر لحق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنه كان يفعل الشيء ولا يدري أنه فعله «يعني جعلوا من رسول الله مجنونا! تباً لكم ولقولكم». فلم احتمل مواصلة الاستماع إليه، وقاطعته بسؤال ولكنه طلب مني الصبر لبضع دقائق لأن المحاضرة أوشكت على نهايتها. ولكنني اصررت إصراراً عجيباً، فخضع لسماع سؤالي وهو: «كيف وبماذا يُشفى من به مس أو سُحر؟» فأجاب: «يُشفى بالقرآن والمعوذتين والإخلاص، تقرأها كل مساء ولا يمسك سحرٌ، وإن كان بك سحر فسيزول إن شاء الله». واصلت حواري معه متسائلاً حتى كاد جمهور المحاضرة أن ينهش جسدي: «هل تعني القرآن الذي بين أيدينا، أم قرآن آخر؟ واضح أنك تريد خداع الناس بقولك هذا، فالقرآن الذي بين أيدينا لن يشف ولن يمنع السحر من أحد. لا تصدقوا الرجل في قوله الكذوب». فتطايرت من العيون شرر، ولكني أجبتهم مهلاً عليَ، فإن لم يحم القرآن من أنزل عليه، ومن كان يقوم به الليل إلا قليلاً نصفه، أو ينقص منه قليلا، ويزيد عليه ويرتل القرآن ترتيلاً، حتى تورمت قدماه الطاهرتين، ومن كان هو قرآن يمشي بين الناس، فكيف يحميني أنا المتأتئ فيه؟ وأجملتُ قولي: «يأ اخوتي رسول الله لم يُسْحر، والقرآن يُوق من السحر، وفيه شفاء للناس، فداوموا على تلاوته والتدبر فيه». في سنة أخرى وفي يوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم، وفي نفس المسجد أراد احدهم ان يحدثنا حديثاً عن مولده صلى الله عليه وآله وسلم، فتعثر في بداية محاضرته، وقص علينا قصة ذلك الرجل الذي دخل على النبي وسأله: أين ابي يا رسول الله؟ فأجابه صلى الله عليه وآله وسلم أبي وأبيك في النار. تخيل هذه الإجابة، تأتي من نبي ورسول وصفه الله في القرآن في سورة التوبة آيه 128: « .... حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ « وقوله في سورة الشعراء آية 215» وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» و في سورة آل عمران آية 159 قال عنه: « .... فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ... «. وإني سائلك هل من رحمة ولين وخفض جناح في رده على الرجل؟ وهل من فظاظة اكثر من التي نسبتها لرسول الله؟ رجل يأتي النبي سائلاً عن أين أباه؟ فيجيبه رسول الله أن أباك في النار، ويزيده من الشعر بيتاً كما نقول نحن هذه الأيام: « وأبي كذلك مع أبيك في النار؟» قاطعتُ المحاضر وقلت له أين تذهب بهذه الآيات التي قرأتها عليك؟ ثم أي نبي ورسول كفر به عبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله حتى يدخل النار؟ أليس هو من أهل الفترة؟ أليس هو من الأحناف؟ أليس هو من سلالة الأرحام الطاهرة؟ «وتقلبك في الساجدين» أليس هو واحد من هؤلاء الساجدين؟ أليس اسمه عبد الله؟ وهل أتى هذا الاسم مصادفة؟ اليس هو ابن ذلك الرجل الذي قال لأبرة الحبشي خلي عني ونوقي فهي رحلي، والكعبة رحل الله فالله سيحمي رحله؟ هل منا الآن من يملك مثل توحيد وثقة عبد المطلب في ربه؟ إنه يعقوب بني هاشم، ولكن من الناس من هم حساد لبني هاشم. ألم يرجز النبي في يوم حنين سورة التوبة آية 25 « ....ٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ « عندما انهزم القوم، وولوا مدبرين، انبري النبي للكفار مقاتلاً وراجزاً: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب». وهل يفتخر نبينا بمن هو كافر؟ وكيف يُقرن مفتخراً بين نبوته واسم جده الكافر؟ فهو الذي «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى» ما لكم كيف تحكمون؟!!! أعود للدكتور الذي أتى بعذر أشد نِكالاً من قوله، في بيان صدر ممهوراً بتوقيعه السامي على ورق يحمل تروسة لقبه الأكاديمي ومكتبه وصفته العلمية والأكاديمية (استاذ جامعي)، وزاد عليها من الالقاب ما يشاء، داعية فشيخ ودكتور، ثم عضو برابطة علماء المسلمين (محمد العريفي) اعتذر عبر موقعه الالكتروني حول ما اثير حول حديثه عن حكم اهداء الرسول صلى الله عليه وسلم للخمر وبيعها في بيان أقل ما يستحق من وصف بأنه هزيل هزالة قوله. أراد في ذكاء ومُكر أن يزري الرماد في عيوننا، ويصرف الأنظار لغيرِ ما أتى به من رزية. مذكراً الناس «أن أهل السنة والجماعة يحترمون مقامَ النبوة ويعرفون مقدار قدرَه وقدر زوجاته واصحابه بخلاف من يطعن في عرضه وشرفِ زوجاته، ويلعن ويكفر صحابته الكرام وينشرُ ذلك ويدعو الناس إليه» أنتهى عذر العريفي. وللعريفي ولمن حاول أن يخفف من وقع حديثه أقول: «ما دخل هذا بذاك؟» فقد أذيت رسول الله بقولك، كما أن اعتذارك لم ترد به وجه الله، بل وجه بشر. ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غناً عن عذرك واعتذراك، ولا يحتاج لقلمي للدافع عنه، فقد دافع عنه من اصطفاه نبياً في سورة الحجر آية 95: « إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِين « ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أصدر حكمه في أمثالكم، كما اصدر حكمه في من اساء وافترى إفكاً على أم المؤمنين. أتدري حكمه رسول الله في الامرين؟ أحيلك لسورة النور، والسيرة النبوية وفَتْح مكة وحكمه على من تجرؤا عليه ولو تعلقوا باستار الكعبة. وأختم مقالي بتذكير العريفي بقول الله تعالى في سورة الأحزاب آية 33 «إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا؟».