1 يتناول هذا الكتاب المترجم عن الإنجليزية، قضايا وظواهر جديدة، أو بالأحرى قضايا وظواهر لا تتم مناقشتها عادة في ساحة الكتابة والنقد بالصحافة العربية، وإذا ما تمَّت فإنها لا تتم بهذه الطريقة ذات الطابع الخفيف المستند على المعلومات الكثيرة والمتنوعة، والتي لا تتورع، في النظر وفي الكتابة، عن إبداء الرأي الشخصي وتقديم المشاهدات اليومية والملاحظات الحادة أو الحميمة واللمحات السريعة الكاشفة، كالتي تظهر في هذا الكتاب. نُشرت معظم فصول هذا الكتاب، الذي تنوعت موضوعاته وتوزعت بين المقال والشهادة الأدبية والبروفايل والحوار والتقرير، في مجلات ثقافية وصحف ومواقع الكترونية أمريكية، عدا فصل واحد هو تقرير عن «بداية نهاية عصر الكتاب الورقي» أعده مترجم الكتاب بناءً على مقالات وتقارير جاءت في الصحافة الغربية، ليجمعها المترجم/ المؤلف السعودي حمد العيسي في كتاب بعنوان (قضايا أدبية: نهاية الرواية وبداية «السيرة الذاتية» وقضايا أُخرى مترجمة) من أربعة عشر فصلاً مصحوبة بتعليقه وتقديمه التعريفي لكل فصل. ولكن، ما يعكر صفو العلاقة التي كان يمكن أن تنشأ مع هذا الكتاب، ذلكم التدخل أو التلخيص المُبتسِر الذي يقوم به المترجم، وهو يقول صراحة - بعد أن يُثبَّت تعليقه بين ثنايا النص وليس على هامشه - إنه قام بالتصرف في هذا النص أو ذاك. ويظهر التدخل ابتداءً من عنوان الكتاب، أو في جملته الرئيسية (.. نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية..) وهو عنوان فصل جاء في كتاب المترجم، وهو في الأصل مراجعة لكتاب عن السير والمذكرات، نُشرت بمجلة النيويوكر الأسبوعية، بعنوان (But Enough About Me) مع عنوان ثان (What does the popularity of memoirs tell us about ourselves?) ليكن ذلك العنوان الذي ثبته المترجم على المراجعة ومن ثم عنواناً لكتابه، تلخيصاً نهائياً لفكرة (نهاية الرواية..) التي يمكن لقارئ أن يصل إليها تأويلاً، بعد قراءة المراجعة، لكن المترجم بعنوانه هذا، يجعلها خلاصة ناجزة المراجعة، لم تقل بها. وكذلك في الفصل أو البروفايل التعريفي الذي أعده الكاتب والروائي الهندي (بانكاج مشيرا) عن الروائي المصري علاء الدين الأسواني لمجلة الأحد بصحيفة نيويورك تايمز بعنوان ( Where Alaa Al Aswany Is Writing From) ليختار بدلاً عنه عنوان (تفكيك علاء الأسواني) في إشارة لرفضه وغيظه من بعض ما جاء من أحاديث للأسواني حول الدين والأدب وبدو الصحراء - السعودية كما في النص الإنجليزي - التي لا تعجب المترجم، فيظهر غيظه، بل ويدفع بملاحق أخرى تأتي عقب بروفايل بانكاج مشيرا، للتعريف بحجم وقيمة الأسواني كما يقول المترجم، وهي عبارة عن ترجمة لمراجعات ظهرت في الصحافة الأوربية تقلل من قيمة أعمال الأسواني. أما في فصل «لعنة الإبداع عند الكاتبات» فيقول المترجم إنه قام بحذف بعض أجزاء من المقال لأن المجتمعات العربية متخلفة وليس لها القدرة على استيعاب ما جاء فيها، كما يقدم النصح في كيفية قراءة ما تبقي من مقال (.. نود التأكيد على ضرورة القراءة بتمعن نظراً إلى دقة وحساسية معظم الكلمات والعبارات التي استخدمها المؤلف في المقالة التي ترجمناها بدقة متناهية) لأن الحذف الذي يجريه المترجم/ الرقيب في هذا الفصل، يجعل منه مقالاً أو كتابة ناقصة لا يمكن قراءتها أو حتى متابعتها، إذ يقوم بوضع نقاطاً هكذا......... بعد كل فقرتين أو ثلاثة، في إشارة للسطور المحذوفة، التي تصل في بعض المرات إلى أكثر من فقرة كاملة، وقد تكرر هذا الصنيع ثلاث مرات، دون أن يرد لباله أن السؤال – هنا - الذي يواجه المترجم أو كتابه، ليس تخلف المجتمعات العربية وعدم قدرتها على الاستيعاب! بل هو: هل ما يطالعه القارئ في هذا الكتاب هو ما كتبه كُتّاب تلك الكتابات؟! والمقال في الأصل تلخيص لنتائج بحث علمي بعنوان (المرض النفسي والنشاط الأبداعي عند الكاتبات) نُشر في المجلة الأمريكية للطب النفسي. 2 ومن فصول الكتاب، نقرأ في البروفايل «تفكيك علاء الأسواني» الذي دبجه بانكاج مشيرا، وصف للأسواني (.. هو صاحب جسم ضخم مع صدر عريض، شخص جذاب ولطيف ومهذب، يأتي إلى الصالون من مكتبه المنزلي في منطقة «غاردن سيتي» القريبة، وهي منطقة خططتها ثم بنتها بريطانيا بصورة أنيقة وفخمة، حيث إنه يجمع ممارسة طويلة من طب الأسنان مع مهنة أدبية ناجحة بشكل متزايد) ولا يترك الكاتب في هذا البروفايل، شاردة أو واردة من كل ما يتعلق بالأسواني وبصالونه الأدبي وبساطة أثاثه، وما دار فيه من نقاش، والزوار الذين بدوا أناساً بسطاء ومن محبي ملاحقة المشاهير ويريدون أن يروا بأم أعينهم الأسواني بشحمه ولحمه، ذلك الروائي العربي الأكثر مبيعاً - كما يكتب - أما البقية من الموجودين في الصالون فإما أنهم كُتّاب طموحين أو طلبة يتوقون للحديث عن الأدب والسياسة. حتى عبد الناصر في صورته بالبزة العسكرية المعلقة على الجدران لم يفلت من قلم بانكاج، حيث يصفه ب(.. الزعيم القومي العلماني الدكتاتور، الذي كان رمز الوحدة العربية والعالم الثالث قبل هزيمته في حرب الأيام الستة في عام 1967م مع إسرائيل، ومن ثم تنكر خلفاءه له) كما يصف الجوء العام السياسي في مصر وينقل أراء الأسواني السياسية، والأراء السلبية لكُتّاب عرب فيما يكتبه، ويشير لروايته عمارة يعقوبيان وأسلوبها التفسيري المباشر وعدد ما باعت من نسخ، ولوالده عباس الاسواني ومايراه فيه من تأثير عليه، وو ... حتى ليبدو - كاتب البروفايل - وكأنه لم يبقِ شيئاً، ناسجاً بواسطة تلك المعلومات والتفاصيل الكثيرة، كتابة، تكاد تظن أنها أضاءت الأسواني وما حوله كله، بيد أنها تنجح في أن تطبع صورته التي صنعتها في ذهنك، ربما للأبد. أما في فصل «نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية» المراجعة التي كتبها دانيال مندليسون لكتاب (تاريخ كتب السيرة الذاتية) فتبدأ بإيراد سخرية سيغموند فرويد الذي رفض عرضاً أمريكياً لكتابة سيرته، في عام 1929م، لأن في كتب السيرة والمذكرات كذب وزيف وخداع -كما يقول- وان حياته الظاهرية مرت بهدوء، أما الداخلية لمن عرفوه بشكل أفضل فكانت أكثر تعقيداً قليلاً... كما أن الاعتراف المُعبر والأمين عن الحياة يتطلب الكثير من التهور الطائش للبوح الفضائحي، ليختم فرويد رده -حسب مندليسون- أن مُقدم الخمسة آلاف دولار المعروضة يعتبر أقل من واحد في المائة من المبلغ اللازم لإغرائه بدخول مثل هذه الفضائحية الطائشة. هذه الحكاية أو رأي فرويد الذي استهل به مندليسون مقالته، هو ما يحاول تفنيده في مراجعته لكتاب (تاريخ كتب السيرة الذاتية) إذ يقول إن هذه التعرية واحدة من التهم التي وجهت لكتب السيرة ولمؤلفيها على مر القرون، شارعاً بعد ذلك في مراجعة الكتاب وباحثا في تاريخ بداية هذا النوع من الكتابة وتطوره والتحولات التي حدثت فيه، ومناقشا عدداً من كتب السيرة والمذكرات، عائداًً لمذكرات أوغسطينوس القديس في عام 371م وما قبلها واعترافات جان جاك روسو في عام 1782م مروراً بمذكرات في القرنين التاسع عشر والعشرين وحتي في سنواتنا هذه، بالولايات المتحدةالأمريكية. كما يتحدث عن الحقيقي والزائف في المذكرات، بعد الدفع بمذكرات وسير لا تُعد - يتم الإشارة لبعضها - بأنها لاقت رواجاً شعبياً هائلاً، ليتبين لاحقاً أن أحداثها لم تقع، ومع ذلك لم يتوقف الاهتمام بها، والأصل في كتب السيرة والمذكرات أن أحداثها قد وقعت بالفعل، ليقول أن السؤال: عن كيف يُفهم الأدب؟ وماهو الفرق بين السرد الخيالي وغير الخيالي؟ وما معنى الحقيقة/ الخيال/ الواقع نفسه؟. وأن ما لم يناقشه مطلقاً مؤلف الكتاب في كتابه، هو: (لماذا الآن على وجه الخصوص، يوجد الكثير من الخلط بين الواقع والخيال) ويتابع مُشيراً لشغف الجمهور بتلفزيون الواقع الذي قوامه أناس حقيقون وليسوا ممثلين محترفين. ويختم مندليسون، الذي كان أول كتاب نشره هو سيرة ذاتية كما يخبرنا في بداية مراجعته هذه، بالقول: ربما العيب ليس في المذكرات وإنما في الذاكرة. 3 وأخيرا.. لولا ذلك التدخل الفظ، لكان يمكن لهذا الكتاب ذي الاختيارات الطريفة أن يكون شُرفة أو لمحة واضحة، نستطيع عبرها أن ننظر، لنوع من الموضوعات المختلفة ولأساليب في الكتابة الثقافية تجمع بين البساطة في العرض والجرأة في الطرح، لا نجدها كثيراً في الصحافة الثقافية الصادرة في العالم العربي.