شهدت الساحة الثقافية في الأسبوع الماضي فعاليات المؤتمر العلمي السابع للنقد الروائي، المصاحب لجائزة الطيب صالح للابداع الروائي التي ينظمها مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي، استعرضنا الاسبوع الماضي الجزء الاول مما قدم من اوراق حول موضوع المؤتمر وتواصل ختام الاوراق التي قدمها خلال اليوم الثاني للمؤتمر بالاضافة للافادات التي قدمت من الروائية بثينة خضر ميك والروائية ملكة الفاضل. قدم القاص صديق الحلو ورقة بعنوان: (الريادة ورهانات المستقبل في - رواية المرأة السودانية).. هدفت الورقة لتسليط الضوء على كتاب الاديبات السودانيات لمنبر صالح عبدالقادر باعتبار انه وضع اللبنة الاولى لحجر اساس في شخصية الادب النسائي السوداني. كما ألقت الورقة الضوء على الاديبات المعاصرات ومدى اتصالهن بأخوات لهن سابقات في هذا المجال والتطور في طريقة السرد بين جيل الرائدات وجيل الراهن والقاء الضوء على الظروف التاريخية التي مر بها السودان والصراع السياسي والنمو الاجتماعي والاقتصادي واثر ذلك على الادب المعاصر... كما اكدت الورقة على ضرورة اعادة قراءة الابداع المنجز لأديباتنا والتعرف عليهن من خلال كتابتهن في كتاب الأديبات السودانيات. تحت عنوان قضايا نظرية : النقد النسوي، المرأة الكتابة ، الجسد. تحدث د. محمد مصطفى الامين، وبدأ ورقته بعدة تساؤلات: هل يوجد منظور نسائي منفرد في التعامل مع العالم؟! هل هناك قضايا واسلوب وطرق خاصة بالمرأة في الكتابة؟! تختلف الرؤى وتتعقد المفاهيم والمنطلقات في تحليل ظاهرة الكتابة النسائية حيث هناك.. التحليل السياسي والبعد الشكلاني.. ان اوضاع المرأة في العالم المعاصر متغيرة وحقائق قضاياها متشعبة.. تطرقت الورقة الى المفاهيم النظرية والمنهجية التي تتناول اوضاع المرأة عامة وفي الابداع الروائي والقصص (السرد) واسهامه فيه من خلال المنظور كما اضافت الورقة ان سنة 1969م، تعتبر بداية تفجر الكتابات التي تعالج المرأة وقضيتها الا ان النقد النسوي لا يتبع مدرسة محددة وواحدة او اجراءات معينة وانما تتسم ممارسته بتعدد وجهات النظر ونقاط الانطلاق وتعددها وتنوعها ، ويطالب بانصاف المرأة وجعلها على وعي بحيل الكاتب الرجل خاصة فيما يتعلق بالموروث الثقافي والفني والادبي وابراز الكيفية المتميزة التي يتم بها تهميش المرأة ثقافيا لأسباب طبيعية بيولوجية. قدم الاستاذ محمد حسن رابح المجمر دراسة نقدية لروايات الاختيار وكش ملك للروائية زينب بليل قائلا: ان السمات الاساسية للمكان في اعمال الروائية زينب بليل هو اللا مكان وللمكان في اعمالها اهمية قصوى. وتعتبر الاشكالية الوجودية لدى (شخوص) ابطال الروائية زينب بليل عن وجودها على نحو صارخ في تثبيت افكار ذات ابعاد انسانية غاية في الحدة : تصارع ذاتية الملك وقيع في رواية (كش ملك) مع واقعية اجتماعية ضاغطة ابتدأت منذ الطفولة... ويضيف المجمر قائلا: من الصعوبة بمكان الغوص في اعمال الروائية زينب بليل المنشورة (الاختيار وكش ملك)، دون الانتباه لأنها كتبت في فترات زمنية مختلفة (الاختيار في نهاية الستينيات) ورواية (كش ملك في منتصف الثمانينيات ) الا انها تقف كأعمال عصية على (التفتيت الماهوي) او (الاحكام القيمية الجاهزة)، لأنها تبني وفي باطنها مسبقا لغتها المثقفة ومعياريتها الجمالية، تجاه عالم يحتاج كثيرا لأن يحب ويقترب من وحداته المتناثرة: بجراحها الفردية الغائرة.. عن اشكالية الكتابة النسوية (الرواية نموذجا)، تحدثت الصحافية رحاب محمد عثمان و تناولت الورقة اسباب تغييب ادب المرأة وان النقد الذكوري سعى ويسعى لقمع الابداع النسائي وطرحت الورقة سؤالاً هل يعيق الرجل ابداع المرأة ولماذا يمنع الرجل المرأة من الكتابة ولماذا يخيرها بين البيت والكتابة وابرزت مقدمة الورقة ما قالته اديبة سورية حيث قالت انها ضحت بالكثير في سبيل استمرار حياتها الادبية قالت : لماذا تمنع المرأة من القلم في الكتابة والابداع؟! ولماذا غيب ادب الزنوج ، لأن الابداع يعني استقلالية الشخصية عندما يبدع الانسان فقد استقل عنك لأنه كون لنفسه شخصية وآراء وطريقة في التعبير خاصة به.. ولا علاقة لك بها كذلك المرأة المبدعة اذا استقلت عنك فقدت سيطرتك عليها وحيث تفقد السيطرة على المرأة لا يعود باستطاعتك تسخيرها واستغلالها .. كما جاء في ورقتها الحديث عن كيف ينظر النقد الى كتابات المرأة وابداعاتها.. وقدمت العديد من النماذج منها ما كتبه القاص عيسى الحلو في عموده (مداخل) بجريدة الصحافة : ان هذه النظرة اختفت بمرور الزمن وبردت حرارة الاستقبال العاطفية الاولى، ومن ثم اخذ ينظر لانتاج المرأة بوصفه عملا ابداعيا بعيدا عن بيولوجية التصنيف (رجل وامرأة) وذلك لأن النقد الحديث لم يعد يهتم كثيرا بالمؤلف ولا بالسيرة الذاتية لكاتب النص ، لا شئ خارج النص يمكن ان يكون ذا اعتبار خاص واصبح النقد الحديث ينادي بموت المؤلف. الرجل والمرأة في السرد النسائي السوداني بين الخصوصية والانحيازية والاسقاط كانت ورقة الناقد عز الدين ميرغني، تناولت الورقة المدرسة الواقعية و تأثيرها على السرد النسائي السوداني وقد قال فيها ان ملكة الدار هي النموذج الاول لهذه الواقعية التي بدأت الكتابة مبكرا واول قصة قصيرة نشرت لها هي قصة حكيم القرية وهي قصة واقعية كثيرة الحدوث في ذلك الزمان... فقد كانت كتابات ملكة الدار تنصب في الدفاع عن المرأة وحقها في اختيار الزواج وفي التعليم ونيل حقوقها لذلك كانت اغلب هذه الكتابات النسائية وحتى منتصف التسعينيات تدور حول العلاقة المريرة بين المرأة والرجل والاسرة وليس بعلاقة المرأة بالكون والانسانية وذاتها كامرأة حرة.. مما جعل الكتابة النسائية في السودان وفي الوطن العربي كلمة؟ اسيرة لهذه الواقعية الاجتماعية مما يجعل النصوص مملة بالاسقاطات النفسية... واشارت الورقة الى ان الكاتبة زينب بليل هي امتداد لمدرسة الواقعية الاجتماعية التي بدأتها ملكة الدار وان ملكة الفاضل استطاعت في الجدران القاسية ان تدخل مكانا خصبا وهي سجون الامن والتعذيب واستطاعت ان توصف وتصور وترسم بقلم جرئ وقوة قسوة الرجل وسطوته عندما تكون بيده وحدة وهي ادانة الرجل لأن السلطة رجل وان المرأة وانما محكومة وليست حاكمة وقد استطاعت بمقدرة سردية وتقنية روائية جيدة ان تجعل المكان واقعيا بمعنى ان هذا يحدث فعلا وحقيقة في سجون الانظمة الديكتاتورية .. بثينة خضر مكي هي الكاتبة السودانية التي بدأت تكتب اشواق وبتاريخ المرأة الخاصة اي تكتب المرأة بجسدها وان تدخل في بعض الممنوع والمسكوت عنه وحتى الاقتراب منه وهي تترك الطِلة تبوح وتعبر عن مكنوناتها واشواقها الجسدية والعاطفية وهذا التعبير نوع من التخفيف والعلاج النفسي... وقد قدمت الورقة غيرهن من النماذج.. كان ختام الامسية ان قدمت الروائية ملكة الفاضل افادة حول تجربتها وكذلك الروائية بثينة خضر التي قالت: لقد اخترت بمحض ارادتي طريقا شائكا، هو طريق القراءة والكتابة فاصبحت القراءة ادمانا والكتابة قدرا يلاحقني ووحشا يفترس رغباتي الحياتية، الكتابة في مجتمعي هي الحياة اي انها العيش بشكل مضاعف، الكتابة فعل مرهق ولذيذ ومدهش اذا توفرت له دلالاته الفنية والامل الثقافي والاجتماعي واخطر ما تعرض له الكتاب هو داء القلب اذا اصدق ما يكتبه لأن العمل العظيم لا يكتبه الا انسان عظيم كما قال فوكز... كتابتي ودلالة الاسماء عندي مثل دلالات الاشياء الكونية احيانا اختار عنوان المجموعة من اقرب القصص الى قلبي مثل (اشباح، الموت، ازمنة المكان) وغيرها واحيانا ينبثق الاسم خلال الكتابة ، اما بالنسبة للرواية فقد جاءت متأخرة نوعا ما، روايتي اغنية النار اثارت ردود فعل متعدد داخل السودان وخارجه وطقوس الكتابة عندي نشوة مدهشة تنتشر نزيفا خارقا عبر الاخاديد تعرجت داخل نفس.. اما افادة ملكة الفاضل فقد قال خلالها ان اهتماماتها الكتابية بدأت منذ المرحلة المؤسفة في مدينة الكوة فتح مدرسة كوستي الثانوية حيث كانت المشاركات خلال الجمعية الادبية، في تلك الفترة كتبت العديد من النصوص التي لم تدفع بها للنشر الا عام 1996م، حيث نشرت لها صحيفة الخرطوم«القاهرة» قصتها «العريس» ثم تحدثت عن تجربتها الكتابية بتوسع وقد شمل الحديث روايتها المعروفة الجدران القاسية التي طبعت ووزعت في القاهرة عن اشراف الاستاذ السر قدور والتي قام بمراجعتها وقراءتها الاستاذ فضيلي جماع وقد وجدت هذه الرواية حظها من النقد من العديد من الكتاب والنقاد..