ترامب يعلن موافقة إسرائيل على هدنة بغزة لمدة 60 يوما    مليشيا دقلو الإجرامية اقتحمت (خلاوي خرسي لتحفيظ القرآن الكريم)    العزل العادل.. يا عادل!!    التشكيلات المنافقة (قحط _تقدم _ صمود) ماهي إلا حلف جنجويدي مكتمل الأركان    تنسيقية لجان المقاومة: فك الحصار عن الفاشر لن يأتي إلا بالقوة    ترامب: سأكون حازما مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة    كامل إدريس يعلن عزمه عقد لقاء جامع يضم مختلف القوى السياسية والمجتمعية قريباً    عوض بابكر .. بأي دمعٍ نبكيك .. وبأي حرفٍ نرثيك ..!    والي الشمالية يخاطب الجمعية العمومية للإتحاد السوداني لكرة القدم    بعد زيارة رسمية لحفتر..3 وفود عسكرية من ليبيا في تركيا    بالانتصار الخامس.. الهلال يزاحم كبار العالم في المونديال    جوارديولا بعد الإقصاء من المونديال: بونو كلمة سر تأهل الهلال    قراصنة مرتبطون بإيران يهددون بنشر "رسائل مساعدي ترامب"    الشباب يكسب النصر ويقترب من الثانية بكوستي    رئيس الإتحاد العام يصل مروي للمشاركة في الجمعية العمومية الإنتخابية للإتحاد    دراسة لصيانة المدرجات والمقصورة الرئيسية لاستاد شندي بمواصفات حديثة    لماذا يستعصم السفير نورالدين ساتي الصمت بينما تضج الميديا بأخباره    مسيرات انتحارية تستهدف قاعدة مروي الجويّة    البرهان يتلقى وعدًا من السيسي    إدارة المباحث الجنائية بشرطة ولاية الخرطوم تسدد جملة من البلاغات خاصة بسرقة السيارات وتوقف متهمين وتضبط سيارات مسروقة    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    السودان يشارك في بطولة العالم للألعاب المائية بسنغافورة    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    السودان.. خبر سعيد للمزارعين    الصحة العالمية: يوجد فى مصر 10 ملايين لاجئ ومهاجر 70% منهم سودانيون    لقاء بين"السيسي" و"حفتر"..ما الذي حدث في الاجتماع المثير وملف المرتزقة؟    عيد ميلاد مايك تايسون.. قصة اعتناقه الإسلام ولماذا أطلق على نفسه "مالك"    مزارعو السودان يواجهون "أزمة مزدوجة"    رسائل "تخترق هاتفك" دون شبكة.. "غوغل" تحذّر من ثغرة خطيرة    الجيش السوداني يستهدف مخزن ذخيرة للميليشيا ومقتل قائد ميداني بارز    بعد تصريحات الفنان شريف الفحيل الخطيرة.. أسرة الفنان الراحل نادر خضر تصدر بيان هام وعاجل.. تعرف على التفاصيل كاملة    بالتنسيق مع الجمارك.. خطة عمل مشتركة لتسهيل وانسياب حركة الوارد بولاية نهر النيل    مصادرة"نحاس" لصالح حكومة السودان    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    مِين فينا المريض نحنُ أم شريف الفحيل؟    تيم هندسي من مصنع السكر يتفقد أرضية ملعب أستاد حلفا الجديدة    إبراهيم شقلاوي يكتب: خميس الفكرة والنغم وتقرير المصير!    مصري يطلق الرصاص على زوجته السودانية    تعثّر المفاوضات بين السودان وجنوب السودان بشأن ملف مهم    جار التحقيق في الواقعة.. مصرع 19 شخصًا في مصر    لاحظت غياب عربات الكارو .. آمل أن يتواصل الإهتمام بتشميع هذه الظاهرة    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    شاهد بالفيديو.. الفنانة اليمنية الحسناء سهى المصري تخطف الأضواء على مواقع التواصل السودانية بعد تألقها في أداء أشهر أغنيات ثنائي العاصمة    شاهد بالصورة.. الإعلامية السودانية الحسناء شيماء سعد تثير الجدل على مواقع التواصل بالبنطلون "النمري"    تراثنا في البازارات… رقص وهلس باسم السودان    يعني خلاص نرجع لسوار الدهب وحنين محمود عبدالعزيز..!!    مكافحة المخدرات بولاية بالنيل الابيض تحبط محاولة تهريب حبوب مخدرة وتوقف متهمين    استدعاء مالك عقار .. لهذا السبب ..!    مزارعو القضارف يحذرون من فشل الموسم الزراعي بسبب تأخير تصاديق استيراد الوقود    أسهم الخليج تتجاهل الضربة الأمريكية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهَاشِمي: روايةٌ تَمْشي علَى قدَمَيْن .. بقلم: جمَال مُحمّد إبراهيْم
نشر في سودانيل يوم 22 - 09 - 2012


[email protected]
( 1 )
ليس نقل عمل أدبي من لغة إلى لغة أخرى، هو مجرّد تمرين في استبدال وسيلة تعبير بوسيلة أخرى، أو استبدال تعبير أو كلمات من لغة إلى تعبيرات وكلمات في لغة أخرى. من بدائه القول أنّ اللغة ليست محض تراكيبٍ تحمل معانٍ ، وليستْ هيَ قواعد الصّرف وضوابط النحو أومباديء الفونطيقيا وإخراج الحروف وتجويد النطق وغيره. ثمّةُ روحٌ تتجوّل في النصّ الأصلي قبل إخضاعه للنقل إلى لغة أخرى ، وإنّي إذ أتحفظ على استعمال تعبير "النقل إلى لغة أخرى" فإن أسباباً تدفعني دفعاً إلى هذا التحفظِ، كون النقل أشبه بالعمل الميكانيكي، ينجزه مترجم بينه والنصّ مسافة ، يُنجز ترجمته بحيادية وبلا انغماس وبلا تفاعل. إنّي أرى "النقلَ" من لغةٍ إلى أخرى، عملاً حيادياً جافاً خالٍ من "روح النص" ومن نبضه الحقيقي، فيما "الترجمة" من لغة إلى أخرى، هي الدّخول إلى النصِّ شكلاً ومحتوىً وروحاً ونفسا. أكاد أن أشبه لك الصورة بتلك العملية التي يزرع بها نطاسيّ ماهر عضواً من جسد أجنبي مختلف، إلى جسدٍ آخر. فإنكَ إذ ترى ذلك العضو، وقد استوى نشطاً على سوقه الجديد، بديلاً عن العضو الذي انعطب، وطفقَ صاحبه يخرج إلى حياته من جديد، تغيب عن بصركَ في أكثر الأحوال، كيفَ مهّد الطبُّ لزراعة الأعضاء هذه ، من بحثٍ واختبارٍ وتقصٍّ ومواءمة في الدّم والجينات وال"دي إن آي" وما سواه، حتى ينزرع العضو البديل في الجسد الغريب، ويتوافق مقامه معه وفيه بعد اطمئنان. قد يبتعد أو يقترب المثل الذي اعتمدته لك هنا، ولكني أقول إن ذلك "الإطمئنان"، هو ذات الاطمئنان الذي يهفو إلى تحقيقه المُترجم الذكيّ في ترجمة أيّ عملٍ أدبيّ من لغته الأصيلة إلى لغةٍ أخرى.
( 2 )
ما اعتمدت هذا المثل عن اعتباطٍ، بل هو ممّا رأيته ولمسته واستلهمته، من الترجمة الحاذقة الذكية التي أنجزها الصديق بدر الدين حامد الهاشمي لرواية الروائية السودانية الأستاذة ليلى أبو العلا : "مئذنة في ريجنت بارك"، والتي صدرتْ مُترجَمَة إلى اللغة العربية عن الدار العربية للعلوم في بيروت هذا الشهر، سبتمبر 2012. وليلى تكتب بلغة إنجليزية باهرة تنضح شاعرية وعذوبة. وربّما لا يعرف الكثيرون أنّ الصديق العزيز بدر الدين الهاشمي، هو بروفسور كبيرٌ في العلوم الصيدلانية، وله إسهاماته العلمية المقدّرة، في كثيرٍ من المجلات والحوليّات العلمية في الولايات المتحدة. هو الآن مقيم في سلطنة عمان، يُدرِّس في جامعة السلطان قابوس، مُنقطعاً كامل الانقطاع إلى علمه وأكاديمياته ورعاية طلابه هناك. كنتُ قبلَ ذلك أتابع ما يكتب ويترجم وينشر صديقنا بدر الدين، فما أزال أسأل نفسي، كيف يتاح له أن يجد تلك السانحات، فيما هوَ مُكِبٌ على برامج عمله الأكاديمي المُزدحم وفي تخصُّصه النادر، فيعكف ليترجم من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية، مقالات كثيرة عن تاريخ السودان، ثم يعكف ليترجم عملاً أدبياً كتبته الروائية السودانية ليلى أبو العلا، هو رواية "مئذنة في ريجنت بارك"، والتي نالت- حين جرى نشرها في المملكة المتحدة وفي الولايات المتحدة، تقديراً كبيراً- وحقّقت لها جوائز يشار إليها، كما اعتمدتْ في القوائم القصيرة لجوائز أدبية عالمية مرموقة، واعتمدها مشروع أمريكي عنوانه "على رفّ مكتبة المسافر الإسلامي" ضمن خمسٍ وعشرين كتاباً للتعريف بالإرث الثقافي الإسلامي، مطروحة للنقاش المفتوح بداية عام 2013.
كلا ، لم يكن البروفسور الهاشمي دخيلاً على عالم الترجمة إلى اللغة العربية . لقد قرأت له قبل عامين ترجمة رصينة ومُحكمة لقصة ثورة أكتوبر 1964 ، بقلمٍ عايش أيام تلك الثورة الفريدة في الخرطوم. ليس كتاباً من تأليف سوداني، بل كتاب باللغة الإنجليزية خطه المؤلف الأمريكي، البروفسور تومسون كلايف، الذي كان مدرساً في كلية القانون في جامعة الخرطوم وشهد أحداث 21 أكتوبر 1964 في الخرطوم، وربما كان هو الشاهد الأجنبي الوحيد الذي رصد يوماً بيوم، أدقّ التفاصيل التي وقعت في تلكم الفترة العصيبة من تاريخ البلد . ترجم الكتاب صديقنا البروفسور بدرالدين حامد الهاشمي (أنظر مقالي عنه في مكتبتي في موقع صحيفة سودانايل الإلكترونية بتاريخ 17 أكتوبر2009) ، وأوليتُ بدرالدين الهاشمي تقديراً مستحقاً، وكتبتُ أنّ علينا ( أنْ نُحني القامة احتراما لالتفاتته المُبكرة لهذا السِّفر النادر عن تفاصيل ما حدث في أكتوبر 1964 في الخرطوم، حيث أسقط الشعب نظاماً عسكرياً استمرّ من عام 1958 وحتى 1964، وللجهد الكبير الذي أنجزه الهاشمي بترجمته لذلك العمل، وهو الذي تشغله هموم الوطن وتفاصيل تاريخه، بذات القدر الذي يولي به بحوثه العلمية من اهتمامٍ وحرص . . ). أمّا وقد نشرتْ صحيفة "الأحداث" هذه الترجمة في مشروع "كتاب في جريدة"، قبل أفولها الأسيف، فالأمل ان يلتفت صديقنا الأستاذ عادل الباز لإبراز هذا العمل الهام في كتاب يُتاح لقراء السودان وللمهتمّين بتاريخه.
ومن محاسن المصادفات، أن تخرج لبدر الدين إصدارة من القاهرة في أغسطس من هذا العام 2012، من مكتبة جزيرة الورد المصرية، تحت عنوان "السودان بعيون غربية" ، حوتْ عدداً من المقالات التي ترجمها من مظانها في اللغة الإنجليزية، ونقلها بأمانة وحذق إلى اللغة العربية ، وتتناول موضوعات لم تجد التفاتا عميقا من قبل الدارسين لتاريخنا الحديث.
( 3 )
وقف بدر الدين على رواية "مئذنة في ريجنت بارك" وهو الذي عركَ الغربة سنين عددا وأدرك عبر تجربته الطويلة، معضلات الانكشاف على ثقافات أخرى بعد أن صار العالم كلّهُ أشبه بقريةٍ صغيرة متماسكة الأطراف، وباتَ تلاقي البشر بتنوّع تجاربهم الثقافية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية، في حواريها وزواريبها- ولاأقول بلدانها- مما يُستلهَم لكتاباتٍ إبداعية، تجول عميقاً على خلفيات هذا التلاقي وذلك الانكشاف، ويستصحبنا لسبر أغوار معانيه ومغازيه ومآلاته. فكأنّهُ وهو عاكف على الترجمة، قد تلاقى وروح النصّ الذي كتبته ليلى أبو العلا. وما صدعتْ ليلى هيّ الأخرى، إلا بما عايشتْ ورأتْ وجرّبت، فكانت كتاباتها الروائية والقصصية: رواية "المترجمة" (لندن- 2001) ومجموعتها القصصية "أضواء ملوّنة" (لندن-2003)، قد صدرتْا في العقد الأول من الألفية الجديدة، وهو العَقد الذي شهد ملابسات المواجهات الحضارية، وقد تنبّه إلى خلفياتها مفكّرون في الغرب قبل المشرق العربي، موئل الديانات والعقائد. ما كتب "هنتنجتون" وَمَا كتب "فوكوياما" من كتابات أكاديمية تستجلي استشراف مجتمعاتنا الإنسانية أطواراً جديدة، فيها مَصارع ومواجهات ومَقاتل وأفول، كان لها ذلك الصدى القويّ الذي شهدناه بأعيننا على الشاشات في سبتمبر 11 من عام 2001.
( 4 )
رواية "مئذنة في ريجنت بارك" التي أنجز ترجمتها البروفسور الهاشمي- وما أتعبتني مراجعة وتدقيق الترجمة شيئاً يذكر، إذْ كُلّفت بتلك المهمّة- فهي العمل الروائي الثاني الذي يضيف عمقاً جديداً لتجاربها الإبداعية السابقة، وقد كانت الترجمة في جودة عالية ودقة في التماس روح النصّ الروائي على النسق الذي سعيتُ أن أبيّنهُ لك في مقدمة مقالي هذا. وبرغم هذا الحرص لم يخلُ النص المُترجَم من عدد من هفوات الترجمة والطباعة، ولكنها غير ذات اثر على جودة الترجمة. إن الترجمة التي أنجزها الأستاذ الهاشمي ولجتْ إلى عالم الرواية، واستنطقت روحها بلسان عربيّ مُبين، وتحقّق له نقل النَّفَسِ الصادق، فكأنكَ تقرأ لليلى أبوالعلا، روايتها في أصلٍ عربيّ. أنجز صديقنا بدرالدين زراعة نصٍّ إبداعيّ مِن لغةٍ أجنبية إلى لغةٍ أخرى، وقد مهّد لترجمته بذلك التوافق الذي تحقق بعد حرص، وذلك القبول الذي خلا من عسفٍ في شكلٍ أو معنى، فجاءتْ الرواية سلسة الرّويِّ مُمتعة. .
كتب الناقد البريطاني مايك فيليبس في الصحيفة البريطانية الرصينة "القارديان" في 11 يونيو 2005م، عن رواية الكاتبة السودانية ليلى أبو العلا "مئذنة"، ما يلي : (( ظهر في السنوات القليلة الماضية ضربٌ جديدٌ من ضروب الأدب القصصي الإنجليزي، برزتْ فيه عدةُ روايات لكُتّابٍ مسلمين يستكشفون "بؤر الصراع" بين الثقافات الإسلامية المختلفة، وطرائق العيش السائدة في أمريكا وأوروبا الغربية. لا يهدف هؤلاء الكتاب لتقديم "تفسير" للإسلام أو للتقليل من شأنه والتهكم عليه من وجهة نظر غربية، ويتحاشون كذلك نبرة التملق والتذاكي التي تميّز كثيراً من الكتابات "الشعبية" الواسعة الانتشار، التي تتطرق إلى الهوية وصراع الثقافات في بريطانيا. وعوضاً عن ذلك، يكتبون "من الداخل" عن تجاربهم منذ نشأتهم الأولى، وهم يعيشون تحت أسر شبكة معقدة من العادات والتقاليد، تعرضت هي الأخرى في القرن العشرين لتغيرات دراماتيكية بعيدة المدى.))
ويواصل الأستاذ فيليبس حديثه منوّهاً برواية ليلى أبو العلا الثانية والمعنونة "مئذنة" : ((تظهر المؤلفة كواحدة من أبرز كتَّاب هذا الضرب الجديد من ضروب الأدب القصصي الإنجليزي. تتميز الرواية بالعفوية والشاعرية والهدوء، وتنجح فيها المؤلفة في التعبير عن أفكار وعواطف وأحاسيس بطلة الرواية بهدوء حاذق ،أصابني بدهشةٍ غامرة وأنا أحسّ بعالمي يتراءى أمام ناظري منذ الصفحة الأولى. تكتب المؤلفة عن لندن ما نصه: " تبدو لندن أجمل ما تكون عند الخريف . في الصيف تكون المدينة قذرة وتبدو أكبر من حقيقتها، وتطغى عليها في الشتاء أضواء عيد الميلاد. أما في الربيع، فصل الميلاد، فثمة خيبة الأمل دوما. تبدو الآن في أجمل ما تكون. تقف منتصبة كامرأة ناضجة، ذهب جمال شبابها، وبقي تأثيره - للغرابة- نافذاً قويا". نقابل بطلتها، نجوى، وهي تخطو نحو الشقة التي ستعمل بها كخادمة: " لقد جارت علي الأيام، وانزلقت إلى مكان سقفه منخفض، لا يسمح بكثير حركة. كنت معتادةً على مثل هذه الحالة في كثير من الأوقات. كنت بحالة طيبة في كثير من هذه الأوقات. رضيت بما قسم لي من عقوبة دون شكوى أو ضجر أو ندم". .))
ولن تكون كتابتي هنا إلا خواطر صدرتْ عن محبة وعن اعجاب، وأترك المجال لأصدقائنا من النقاد، ولمن يتولى تقديم هذا العمل المميّز، يقرأه السودانيون في لغة عربية، فيما لم تتح للأكثرية منهم الإطلاع عليه في طبعته الانجليزية أول صدورها في عام 2005.
( 5 )
في حال صديقنا المبدع الهاشمي، ليس هناك من غَربٍ لا يلاقي الشرق، أو من شرقٍ لا يُلاقي الغرب، وليسَ هنالك ما هو أدبي لا يلاقي ما هو علمي في الساحات الأكاديمية. ومع عمق تخصص صديقنا الهاشمي، غير أن المُبدع الكامن في داخله صاحٍ ومُتنبّه لم تبعده أكاديمياته العميقة كثيراً عن مزاجه الأدبي، بل أراها اضافت من بهاراتها ما زاد كتاباته وترجماته، حلاوة لا يخطؤها مذاق.
مرحباً برواية "مئذنة في ريجنت بارك"، إضافة ثرّة لأوجه التماس الثقافي الحارق مع الحضارة الغربية في عقر ديارها، آملاً في ذات الوقت أن يَجدَّ الأستاذ عبد الرحيم مكاوي وهو وكيل الناشر في الخرطوم، لتوفير نسخٍ من الرواية في أرفف "مكتبة الدّار السودانية"، تمهيداً لتدشينها ما تيسّر ذلك. مرحباً بالصيدلاني الحاذق مترجماً أنيق العبارة، يشكل بشخصه رواية كاملة الملامح. . مرحباً بالروائية السودانية ليلى أبوالعلا، تخطر إلى ساحات الأدب السوداني بقلمٍ انجليزيٍّ عربيٍّ مبين . .
الخرطوم - 20 سبتمبر 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.