يوم تلو الآخر تتفاقم أزمة إنسان جنوب كردفان وتتصاعد النزاعات، الأمر الذي يفضي بزيادة نسبة اللجوء. ويبدو أن سيناريو دارفور يعيد نفسه بالإقليم، ومع تمسك الحكومة بعدم السماح للمنظمات الدولية بالدخول للإقليم والهجمات التي يشنها المتمردون يبقى الإنسان هو الضحية ليهيم على وجهه في الأرض بحثاً عن الأمن والاستقرار، ويظل إنسان كردفان تحت وطأة النيران في انتظار الغوث. كشفت وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي أميرة الفاضل عن اجتماع للجنة العليا للعون الإنساني برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية الأسبوع المقبل للوقوف على الأوضاع الإنسانية ونوهت الفاضل إلى الاجتماع سيقرر في المبادره الثلاثية المطروحة من الاممالمتحدة والاتحاد الافريقي والجامعة العربية لمعالجة الأوضاع الانسانية في المناطق المتأثرة بالحرب. ودعا اجتماع المنظمات الوطنية برئاسة الوزيرة امس إلى إقرار آلية وطنية دائمة لمجابهة الموقف الانساني للتدخل الفوري وتقديم المساعدات عند وقوع الأزمات والكوارث. واستمع الاجتماع لتنوير عن الأوضاع الإنسانية بولاية جنوب كردفان بعد الهجوم على تلودي وتسببه في تشريد (31 الف) مواطن إلى مناطق الليري وأبو جبيهة وكالوجي. وقالت الفاضل في حوار لها مع ل(الأحداث) ينشر لاحقاً إن الأوضاع الإنسانية في جنوب كردفان حالياً مستقرة وعادت لتؤكد أنها تتغير مع الهجمات التي يشنها المتمردون على الإقليم الأمر الذي يزيد من نسبة النزوح. وآخر فبراير الماضي اعلنت الحكومة السودانية عن نتائج المسح الانساني للمناطق التي تأثرت باندلاع التمرد بولاية جنوب كردفان في العام الماضي، في الوقت الذي تجري فيه الاستعدادات للقيام بمسح مماثل في ولاية النيل الازرق التي مرت بذات ظروف التمرد المسلح في اغسطس الماضي. ورغم اهمية المسح الذي اشتركت فيه منظمات دولية مرموقة إلا انه لم يجد التحليل الاعلامي العميق لمغزاه ودلالته على المدى البعيد. وتم المسح المشترك للأوضاع الإنسانية بجنوب كردفان في الفترة من 27 يناير الى 10 فبراير واعلنت نتائجه النهائية في الثالث والعشرين من الشهر الماضي، وجاء فيها ان جملة المتأثرين بلغ عددهم (151) ألف مواطن، عاد منهم (101) ألف الى قراهم الاصلية، فيما تبقى (49,972) آخرين عالقين على تخوم خط النار بنسبة (11%) من عدد السكان البالغ (2,508,268) حسب تعداد 2008م. كما أظهرت نتائج المسح أن جملة المساعدات الإنسانية المقدمة للولاية بلغت (7،811) الف طن متري، وبلغ عدد الأسر التي تلقت مساعدات بالولاية (28.500) اسرة، وشمل المسح بجنوب كردفان (4) محاور هي: التغذية والمياه والتعليم والصحة وُطبق على (53) قرية وفق معيار الكثافة السكانية. وفي الوقت الذي طالبت فيه الحكومة السودانية المنظمات الدولية (الهجرة الدولية، اليونسيف، برنامج الغذاء العالمي، الصحة العالمية) وكذلك الولاياتالمتحدة الاعتراف بنتائج المسح إلا ان الاخيرة ابدت بعض التحفظات، منها عدم دخول الفرق الى بعض المناطق، ودعا مارك كتس منسق الشئون الانسانية بالاممالمتحدة في السودان الى ان يشمل المسح الذي تعتزم المنظمات الدولية التي سمح لها فى فبراير الماضي بالدخول الى جنوب كردفان القيام به جميع المناطق المتاثرة بالنزاع بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها الحكومة ومناطق الحركة الشعبية قطاع الشمال على حد سواء)) واضاف كتس قائلاً: ((نعتقد اعتقاداً راسخاً بأن الأممالمتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية المستقلة والمحايدة لها دور حيوي تؤديه في المساعدة على تلبية احتياجات جميع المدنيين السودانيين المتاثرين بالقتال)). واشترطت الحكومة السودانية للسماح بعودة بعض المنظمات الاجنبية الى جنوب كردفان ببقاء الموظفين الدوليين في عاصمة الولاية كادوقلي وتقديم المساعدات الى المتأثرين عبر المنظمات الوطنية فقط، وقالت الفاضل في تصريحات سابقة ل(الأحداث) إن قرار الحكومة السودانية القاضي بمنع قيام المنظمات الاجنبية بتوزيع المساعدات للمواطنين المتأثرين بطريقة مباشرة، أو قيام معسكرات اقتضته التجربة من أزمة دارفور السابقة، مؤكدة ان الحكومة السودانية ((مسؤولة عن مواطنيها)) بعد تجاوز بعض المنظمات الدولية تفويضها وتدخلت في جوانب تمس الأمن القومي للبلاد حيث قامت الحكومة بطرد (13) منظمة اجنبية في مارس 2009م. وصعدت الولاياتالمتحدة من لهجتها وتحذيراتها من حدوث كارثة إنسانية بحلول مارس الجاري إن لم تعدل الحكومة السودانية عن قرارها القاضي بمنع دخول المنظمات الأجنبية الى المنطقة وتقديم العون الإنساني للمحتاجين، ثم هددت بأنها ستدخل المساعدات الإنسانية على طريقتها حتى ولو لم توافق الحكومة وطرحت الجامعة العربية والاتحاد الافريقي والأممالمتحدة مبادرة على الحكومة والمتمردين لفتح ممرات إنسانية لتوصيل المساعدات الإنسانية الى المتأثرين ولكن لم تتوفر أي ضمانات يمكن أن تهدئ من مخاوف الحكومة السودانية من أن لا تكون المبادرة غطاء لتقديم أشكال مختلفة من الدعم للتمرد. ويرى البعض أن الحكومة السودانية وضعت الكرة في ملعب أصحاب المبادرة وسمحت بدخول بعض المنظمات الانسانية الى الولاية وفق اشتراطات محددة كما أجرت مسحاً إنسانياً أعطى صورة مختلفة تماماً لما روجت له الآلة الإعلامية الغربية ولم تسجل حسب المسح أمراضاً وبائية فتاكة وتتوفر الخدمات الصحية في (59%) من القرى التي شملها المسح وهي قرى ذات كثافة سكانية فيما الأقل كثافة تستفيد من الأولى والاطفال المعرضون لسوء التغذية نسبتهم (13.1%) من الأطفال أقل من سن الخامسة فيما الامن الغذائي يعتبر جيدا. وتتوفر خدمات المياه ل(86%) من سكان المحليات وتظهر المؤشرات الواردة في المسح ان الوضع الانساني تحت السيطرة وانه لم يتجاوز المعدلات الطبيعية حتى في ظروف مباغتة الحرب للدولة وعدم توقع نشوء احتياجات انسانية طارئة، وما يحدث يشير إلى خطة سودنة العمل الطوعي للبلاد والتي اعلن عنها الرئيس البشير مطلع العام الحالي، ويمثل موافقة المنظمات الدولية على أن تقوم المنظمات الوطنية بالتوزيع المباشر للمساعدات، تنازلاً كبيراً انتزعته الحكومة السودانية لصالح مواقفها وسياساتها. والمعروف أن المنظمات الإنسانية وخاصة الغربية منها ترى أن كوادرها وحدها التي يجب ان تضطلع بالعمليات الإنسانية حتى وان لم يكن هناك دواعٍ لذلك، مما يعبر عن نزعة امبريالية ما فتئت بعض الدوائر تروج لها، ومن المتوقع ان تنتهي عملية سودنة العمل الطوعي بالسودان في العام 2017م وفق افادات مسؤولي مفوضية العون الانساني بعد ان يصار الى بناء قدرات المنظمات الوطنية وخلق شراكات لتاسيس شبكات انسانية تضم الى جانب المنظمات الوطنية المنظمات الانسانية الدولية المتحررة من الاهداف والاغراض السياسية لبعض الدول الكبرى. ومع صعود منظومة الاقتصادات الناشئة خاصة مجموعة دول (البريكس) التي تضم الهند والصين وجنوب افريقيا وروسيا والبرازيل بالإضافة الى دول اقليمية اخرى مثل تركيا واندونيسيا والتي يزداد تاثيرها الاقتصادي والسياسي في السياسة الدولية الذي يعد آلية جديدة اطلق عليه (المانحون الجدد) واخذت الاحصاءات تظهر معدلات الاسهام والانفاق في العمليات الانسانية على المستوى الدولي والتي تظل قيد التشكل وتوصد الباب عليها الفجوة التي يخلفها المتمردون بمحاولة اطالة امد النزاع من جهة والقيام بشن هجمات عشوائية ينتج عنها حراك سكاني كبير فضلاً عن مماطلة المنظمات الغربية التي تقدم الاعتبارات السياسية الضيقة على المبادئ والاخلاقيات الحاكمة للعمل الانساني لا سيما في اوقات الطوارئ.