قالوا البعيش الدنيا ياما تشوفوا ونحن عشنا زمن كل الأشياء فيهو مقلوبة.. زمن كبرت فيهو الأحزان واتعمقت الجراح وضاعت الملامح وفقد الكثيرون الاتجاه.. زمن كثر فيه النفاق وأصبحت الرشوة مقابل المرتب وصار المرتشي هو الرقم الصعب ومن المفارقات الهزلية أن الفاسدين والمفسدين حولوا إمبراطوريتهم إلى نموذج كتبوا على لافتاته (الفساد للشطار) وبعضهم كتب بالدراجي (ماكل زول بقدر يبقي فاسد).. و(الفساد شطارة وفن وحرفنة).. زمن صارت فيه الرشوة القاعدة والنزاهة غباء وجهل وعدم معرفة بأصول اللعبة.. المصيبة الأكبر والفجيعة التي لاتعرف هل تبكي معها أم تضحك؟ أن الملوثين بأمراض الفساد والرشوة هم أصحاب الصوت الأعلى في تبادل الاتهامات ووصم آخرين بممارساتهم اليومية دون أن يطرف لهم جفن.. استوقفني أحد هؤلاء (التفتيحة) والذي عندما يريد استعراض ذكائه يتقمص شخصية (نزيه) بدرجة تجعل الحيرة تقفز من عينيك لتجلس أمامه.. تحدث بدون ترتيب بدرجة لا أعرف معها كيف تحول الحوار فجأة من حديث في الكورة لحديث عن الفساد الرياضي والفساد العام.. بدأ حديثه عن قاعدة ظريفة (إنت عارف مش زمان أسهل حاجة تبقى فاسد وأصعب حاجة تكون نزيه؟ حاليا أسهل حاجة تكون نزيه وأصعب حاجة تكون فاسد) لم أتدخل بعد هذه البداية وفضلت تركه ليكمل حديثه.. فواصل بقوله (إنت عارف أسواء حاجة تكون كراع بره وكراع جوه يافاسد يانزيه في فلان انت عارفو (وانا طبعا ماعارف) بياكل (يقصد يرتشي) عينك عينك مابرمش ولا داسيها بالعكس في أي مكان بحكي بيها مشينا لي علان ومعاي فلان وفلان وطلعنا منه كل واحد بمبلغ محترم .. وناس فلان الإنت عارفهم ديل أي حاجة بتمشيهم.. لكن ناس هناي صاحبك (طبعا ماصاحابي ولابعرفو) ديل أقل حاجة تقييمهم أعلى ومقيمين نفسهم كويس خالص ما بقبلوا بأقل من كذا.. أما ناس علان فديل الأخطر من شقة تمليك للعربية لو فكروا في جريدة كاملة يكونوا أصحابها ممكن.. جادي معاك.. وختم كلامه إنه الوسط منتهي والفساد سوس ينخر في جسده ) .. بعد ما انتهى ماعلقت غير إني سألته لو الوسط بالسوء ده إنت وين من التصنيفات دي الأول.. الثاني أم الثالث فرد بهدوء وكأني ألقيت عليه التحية ولم أتهمه (أنا بره البرنامج ده بتفرج بس) مع إنه وحسب اعترافات شخصية يبدو أنه ينساها عندما يتقمص شخصية (النزيه) كوكتيل من الشخصيات التي ذكرها فهو أولا (كراع بره وكراع جوه) يستلم رشوة في أعمال يغطيها للصحيفة التي يعمل بها مش كده وبس (بفاصل كمان) مع إنه بيأخذ مرتب من الصحيفة، ولكن ببساطة يمكن أن يبيع خبر وصفحة كاملة ومرات حوار والعمود ده غير (الفكة) التصريحات ودي عامل ليها تسعيرة التصريح بصورة بسعر ومن غير صورة بسعر، وفي نفس الوقت عامل فيها ملك النزاهة يشتم صباح مساء في الصحفيين وده موضوعو الدائم لو ما الوحيد.. وهو واحد من عشرات موجودين في الوسط الصحفي يؤدون هذا الدور الذي لا أعرف ماذا أسميه لأنها ليست مهارة حتى يحسد عليها.. التصنيف الوحيد أنها غباء يحسد عليه.. وكما ذكرت في البداية فقد اختلط الحابل بالنابل وتداخلت الألوان وضاعت الملامح ووسط هذه الزحمة يجتهد كثير من الفاسدين والمفسدين لخلق واقع وردي للمستنقع الذي تلوثوا فيه.