لم يشك المواطن السوداني في أن هجليج ستتحرر ، إلا أن همه كان يتركز في كيف ستحرر ؟ أو بالأحرى هل ستشفي الطريقة التي حُررت بها غضبه وتسترد له حقه المسلوب في الكرامة؟ وفور أن ذاع وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين بيان استرداد هجليج ، كان السؤال كيف حررت؟ أم انسحبت عنها قوات الجيش الشعبي؟ أم ردعتهم القوات المسلحة ؟ ومن وقتها صدرت عدة روايات استوثقنا من بعضها وسنرويها هنا: أحد الذين شاركوا في معركة التحرير وكان من بين المصلين في مسجد هجليج قال «العملية كانت من أعقد التكتيكات العسكرية.. ومعروف في هكذا تكتيكات ترتفع درجة الخطورة» ومضى يشرح الخطة التي اتبعتها القوات المسلحة بأن الخطة كانت تقوم على الحفاظ على الممتلكات في الأرض وتدمير مقدرات العدو بالكامل، الأمر الذي ألزم القيادة بعدم اللجوء للمدفعية أو الاعتماد على سلاح الطيران، ولم يكن هنالك بد من الزحف البري والمباشر على هجليج. مشكلة اعترضت الخطة إن لم تكن مفاجئة لإدارة غرفة العمليات وهي أن العدو سيكثف جهده لإعاقة نقدم القوات البرية، وسيستخدم أسلحة متطورة توفرت له من دول عدوة، وقد كان وطوال أيام معركة التحرير كانت القوات المسلحة تتقدم تحت نيران المدفعية والقذف المستمر إلا أنها تتقدم. العدو بحسب الراوي كان ظنه أن ذلك مبلغ جهد القوات المسلحة، وأخذ يحرك حربا نفسية تنعكس على القوات المقاتلة، وعلى المواطن في الخرطوم على حد سواء، ويشيع أنه في منطقة الخيرصان بجانب أن قبائل حليفة للقوات المسلحة باتت في صفه، وأيضا يسرب أن قوات الجبهة الثورية وحركة العدل والمساواة تهاجم مناطق أخرى مستفيدة من انشغال الجيش بالهجليج، إلا أن المقاتلين في الميدان كانوا على يقين أنها تخرصات لا أساس لها من الصحة. الخطوة الجريئة التي استبعدتها قوات الحركة الشعبية، أن تجد مع خيوط الفجر وداخل مدينة هجليج وبين آبار النفط جنود القوات المسلحة، إلا أن ما لم تتحسب له الحركة هو ما حدث بالضبط. ويروي المصدر أن في ساعة الصفر المحددة للمعركة الحقيقية والتي تتطلب بجانب الدقة في التنفيذ شجاعة وجراءة.. وفي وقت متأخر من الليل بدأت عملية إنزال جوي لقوات وفرق خاصة، وكل جندي كان ينزل في موقعه بالضبط وينتظر الإشارة المتفق عليها، ومع بزوغ الفجر بدأ القتال بالأسلحة الخفيفة والثقيلة، وبالأيدي وبالسونكي. عنصر المفاجأة كان يقاتل مع القوات المسلحة، فلم يجد المعتدون وسط هذا الهجوم الكاسح مفراً إلا الهرب أو الاستسلام والأسر بدلا عن الموت. المعركة استمرت لساعات طويلة ولم تنجلِ إلا في وقت متأخر من صباح أمس. ويحكي شاهد العيان أن قوات الحركة حاولت أن تخرب بعض المناطق إلا أنها فشلت في ذلك خوفاً على سلامتها حال انداع حريق ولا يوجد بينهم فنيون يمكنونهم من السيطرة عليه وإخماد النيران. والتأكد من سلامة المنشآت كان أول عمل قامت به القوات المسلحة.. قطعاً لا توجد معركة بلا خسائر، ومعركة معقدة وخطرة كمعركة هجليج من المتوقع أن يكون حجم الخسائر في الأرواح كبيراً. ويقول الشاهد نعم كان هنالك شهداء في صفوف القوات المسلحة وبعض الآليات أصيبت من جراء القذف العشوائي، ولكنه عاد وقال «إلا أن الخسائر في صفوفنا وبكل الحسابات أقل بكثير مما هو متوقع قبل دخول المعركة وبداية القتال الحقيقي». أما عن قوات الجيش الشعبي أشار إلى أن عنصر المفاجأة ساهم في تدمير جميع آلياتهم العسكرية، وقتل أعداد كبيرة من الجنود والضباط وأسر أعداد كبيرة من الذين استلموا من اللحظات الأولى لعمليات الإنزال الجوي. عنصر آخر ساهم في إضعاف مقاومة الجيش الشعبي وهو الجوع والإنهاك. من المؤكد أن فرحة الشعب السوداني كانت كبيرة جداً بعودة هجليج وتحريرها، إلا أن القوات المسلحة كانت لها فرحتان عودة جزء عزيز من أرض الوطن، وعودة هيبة القوات المسلحة في نفوس المواطنين.