في كل مراحل حياتي وحينما كان الأمر يتعلَّق بالحديث عن مصر حني في القضايا المصيرية وإن كانت أموراً داخلية كنت أرفض أن يأخذ كلامي على أنه رأي من غير مصري ليس فقط لأنني عشت ودرست وعملت في مصر أكثر من نصف عمري {36 سنة} تأثرت خلالها وأثرت بمجريات وأحداث مراحل مختلفة تماماً كما يحدث لكل مصري ولكن لإيماني الكامل أن ما يجري في مصر ولو كان شأناً داخلياً لا يخص مصر والمصريين فحسب إنما إبداء الرأي فيه حق لكل من يمتد إليه أثر ما يجري في مصر وهم في هذه الحالة كل الشعب العربي دون أن نردد في كل مرة أهمية مصر ودور مصر وكونها قلب الأمة فهذه الحقائق أصبحت مسلمات عربية ودولية لا يجوز الخلاف حولها، أسوق هذه المقدمة لكي يفهم مقالي هذا في إطاره الصحيح . حينما انطلقت الثورة الشعبية المصرية تابعت مسيرتها وشعاراتها بكل دقة وبعد أيام حينما بدأ الإخوان المسلمين حوار غزل منفرد مع النظام استدعيت مشهد كل تجاربنا مع الأخوان في السودان بعد ثورة أبريل 1985م وحذرت شباب الثورة على الفيس بوك من ممارسات الإخوان التي أدت إلى إجهاض الثورة الشعبية في السودان وحذرت من تكرارها في مصر ولكن مسيرة الثورة أجبرتهم على تغيير خطتهم وعندما حضر وفد الأحزاب المصرية إلى السودان برئاسة السيد البدوي ومعهم المستشار القانوني للإخوان المسلمين حسب ما قدم نفسه تحدثت إليهم في ندوة وكتبت مذكرة تحوي ملخص حديثي ومما جاء فيه: 1. إن المجلس العسكري في مصر يشبه إلى حد كبير المجلس العسكري الذي قاد السودان في المرحلة الانتقالية في معظم مزاياه وكل عيوبه وأخطائه، بل إن رئيسه المشير طنطاوي فيه الكثير من الصفات الإيجابية والسلبية للمشير سوار الذهب رئيس المجلس العسكري السوداني الذي اكتسب شهرة واسعة باعتباره أول عسكري يسلم السلطة إلى مدنين منتخبين مع إنه كما في الثورة المصرية وضعت الثورة في السودان برنامجاً زمنياً لتسليم السلطة للنظام المدني المنتخب وكل تبعاته بما فيها انفصال الجنوب . 2. إن تنظيم الإخوان المسلمين بالرغم من أنه تأسس في مصر إلا أنه لم يعد تنظيماً مصرياً بل الواقع أنه أصبح تنظيماً دولياً أهدافاً وتمويلاً وتعاوناً في الإدارة باعتراف مرشدهم السابق بأن الكون هو وطنهم وليس مصر وأن حسابات التعامل معهم لابد أن تراعي ذلك طالما أن الحزب يدار من مكتب الإرشاد . 3. إن تجربتنا مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين تقول إنه يكيل دائماً بمكيالين (والميكيافلية) عنده مشروعة جداً في عمله والغاية دائماً تبرر الوسيلة لديهم فبينما أدانوا الانقلاب على الديمقراطية في الجزائر باركوا الانقلاب على الديمقراطية في السودان ببساطة لأن الأول كان ضد الأخوان والثاني قام به الأخوان بل قال الشيخ القرضاوي عن الانقلابيين في السودان أنهم يذكرونه بصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم... هكذا ؟! وأيده هويدي تقريباً بنفس اللغة ولا زالوا يقومون بحملات التأييد للنظام . 4. لا تصدقوا إعجاب الإخوان بالتجربة التركية وإنها خيار يمكن تطبيقه لأن الإسلاميين في تركيا يحكمون بدستور أتاتورك العلماني الذي يحرم عليهم الخروج عليه لأن الدستور جاء أولاً وقبل فوزهم بالسلطة ومع ذلك نشأت مشاكل كثيرة على الواقع ولن يسير الإخوان في مصر في طريق الإسلاميين في تونس لسببين لا يتوافران في مصر. السبب الأول أن فترة حكم بورقيبة رغم ما يمكن أن يقال فيها من سلبيات كثيرة إلا أنها أنتجت تجربة إيجابية في قوانين الأحوال الشخصية وقانون النقابات ومارست تجربة متقدمه تسببا في الحركة النسوية والشبابية والسبب الثاني في شخصية الشيخ الغنوش المنفتحة علي العالم خلال سنوات الاغتراب للمعارضة ونظره التنظيم الواقعية للمجتمع التونسي . 5. قلنا لهم لا تقبلوا تحت أي ظروف أن تؤجل إجازة الدستور بعد أن تخبوا نار الثورة وإلا فإنكم لن تصلوا إلى غاياتكم أبداً ولابد أن تمثل قوى الثورة بحجمها وقوتها في لجنة الدستور ولا تصدقوا مقولة أن الشعب سوف يقول كلمته في الاستفتاء أي كانت مكونات لجنة الدستور لأنهم سيخوضون الاستفتاء بمنطق الحلال والحرام لا بأسلوب نعم ولا وأنتم تعرفون أثر الكلمتين لشعب حجم الأمية فيه يبلغ نصف سكانه تقريباً ناهيك عن حجم الأمية السياسية لشعب غيب عن ممارسة العمل السياسي الديمقراطي نصف قرن من الزمان بينما الإخوان يصولون ويجولون داخل الوطن وخارجه . 6. الإسلاميون في السودان شاركوا نظام نميري الديكتاتوري من 76 1985م بل تولوا مناصب عليا في الاتحاد الاشتراكي ومجلس الشعب والجهاز التنفيذي والقضائي وتدخلوا في الأمن والجيش وساعدهم وذلك في الاستيلاء على السلطة في انقلاب 1989م . والإسلاميون في مصر شاركوا نظام مبارك ولكن من باب البرلمان حني وصلوا 88 نائباً في انتخابات 2005م برضى السلطة التي كان في مقدورها دائماً تحديد من يفوز ومن لا يفوز من باب التهديد بأن الإسلاميون قادمون طلباً للدعم الخارجي وأيضا من باب الادعاء بتوسيع مساحة الديمقراطية وحينما غيرت السلطة رأيها فيهم في الانتخابات التالية أعادوا نسبة الأخوان إلى سيرتها الأولى في مجلس الشعب الجديد . 7. أمريكا والغرب أيدت انقلاب الإسلاميين في السودان عند حدوثها في 1989م لتحقيق هدفين : {1} بناء حائط صد ديني ضد نظام منغستو الشيوعي في الحبشة والعمل على إسقاط نظامه من الخرطوم وقد حدث . {2} إحداث استقطاب ديني في المركز يحول قضية الجنوب من قضية مطلبيه عادلة إلى جهاد ديني إسلامي شمالي ضد غير المسلمين في الجنوب مما يجعل وحده الشمال والجنوب أمراً مستحيلاً ويجعل الحل خيارا واحدا وهو الانفصال وقد تم ذلك . 8. إن مصر تنفرد بعامل خارجي مؤثر في ترتيب أوضاعه الداخلية وهي إسرائيل واتفاقية كامب ديفيد وخشية النظام العالمي من عودة مصر إلى دورها التاريخي الذي حجمته الاتفاقية .