صباح الثلاثاء 24 أبريل 2012م توفي في القاهرة الصحفي والشاعر زين العابدين أحمد محمد بعد معركة طويلة مع المرض.... خلق فيها زين العابدين إلفة وصحبة مع (المرض)... وصنع (عشرة)... أخلّ فيها الداء وغدر. هكذا كان الزين (ودوداً) مع خصومه... (لطيفاً) حتى مع المرض. جاء المرض (خصما) للزين ...لكنه عندما وجد نفس الزين الطيبة ...وصدم بأريحيته الكبيرة حد المرض من خصومته... ونزل على جسمه النحيل (ضيفاً) أكرمه الزين من صحته وراحته وعافيته ...وهذا أبعد من (أقصى غاية الجود)... غير أن المرض لا يؤمن جانبه. لم تسقط (الابتسامة) عن وجهه الكادح الأسمر حتى وهو في أحلك اللحظات يترقبه (الموت) على عجل ..وتحذره التقارير الطبية ...من كذا ..وكذا ..وكذا ...حتى أصبحت تحركات الزين تتم بنشرة طبية قاسية ...كان ممنوعاً فيها عن الكثير من الأشياء والكثير من الطيبات ...لكن مع ذلك احتفظ الزين بابتسامته ..وأبقى عليها ...وجسمه النحيل ينقص يوما بعد يوم. فقد الزين صحته ...وعمره ..ونضارته بسبب حصار المرض الذي ضرب على جسده ...لم يسلم حتى دمه.... وعندما أحرق المرض دمه ..اتجه ليضرب (عظامه)... ثم ذهب أبعد من ذلك فأحدث له فشلا كلويا. مع كل هذا الحصار، والأشياء التي كان يفقدها الزين يوما بعد يوم ...كان الزين صابرا ...وقويا ...لم تتوار ابتسامته حتى خجلا من أوجاعه الكبيرة. وكان في أشد لحظات أوجاعه تلك ...يهب لزائره هبة الصحيح المعافى ..ويخرج معه حتى الباب (مودعاً) ...بعد أن يكون أشرف بنفسه على (ضيفه) وخدمه بصحته العليلة ...(حلف على الشاي ونادى عاجلاً بوجبة الغداء)... كان يتحامل على أوجاعه ...ويظهر خلاف ألمه. قيل وهو في مستشفى معهد ناصر بالقاهرة في غيبوبة ...يخرج منها للحظات ثم يعود إليها ...كان كلما فتح عينيه على المتحلقين على سريره ...طالب من أحد أقاربه أن يأتوا بالعصير من (الثلاجة) إكراماً لأولئك الذين كانوا يحيطون به ..ظنا منه أنه يرقد في منزله في الخرطوم بحري... هذا الموقف كان يبكي طاقمه الطبي ...ويجعل عيونهم تقول في أسى: (يا الزين إنت في شنو والناس في شنو؟). هكذا كان الزين ...حتى وهو فاقد لوعيه يمارس نشاطه الإنساني ويبذل روحه كرماً. هكذا كان الزين ...يحرق نفسه من أجل الآخرين. (2) لا أعرف كيف ستكون القاهرة بعد (الزين)؟.. أحسب أن القاهرة فقدت (دفئها)... فقدت أروع عشاقها ...رجل كان (يفلفل) القاهرة ...حارة ...حارة ...وشارع ..شارع. شاهدت حارات القاهرة في روايات نجيب محفوظ ...وعرفت تاريخها السكني في كتابات جمال الغيطاني، ورأيت حراكها في دراما أسامة أنور عكاشة... لكني مع الزين ...وجدتها (إعاشة وحياة وواقع). أولئك كانوا ينقلونها لنا ...لكن الزين كان ينقلنا اليها... تشهد على ذلك قهاوى القاهرة الصاخبة وهي توثق لضحكته المجلجلة ...وحكاويه الرائعة....وبشاشته الجميلة. ترى كيف تكون القاهرة بعدك؟. تغربت بعدك الشوارع ...وتيتم حائرو مطار القاهرة من السودانيين الذين كانوا عندما تعارضت عليهم القاهرة وحار بهم الدليل ...كانوا كل الذي يفعلونه هو أن يضربوا هذا الرقم (0020105808218). كان في كل الأوقات ..يأتي الرد من هذا الرقم ..بشوشاً وفرحاً ...(ما كان بسأل معاي منو؟.. ولا عاوز شنو؟)... قبل أن تكمل مكالمتك ...سوف تجد (الزين) أمامك بابتسامته التي لم يتخلّ عنها قط. في القاهرة كان الزين بشوف ليك الشقة (النظيفة)... ويحجز ليك عند الطبيب (الشاطر).. ويرتب ليك حتى مواعيد مع نجوم المجتمع المصري من أجل العمل الصحفي. ثم يضع لك برنامجا ترفيهيا ممتعا ...كان ملماً بكل حراك القاهرة الثقافي ...وعلى علاقات وطيدة مع كل طبقات المجتمع المصري ...(من البواب حتى الوزير). أذكر مرة أنه كان على وعد بترتيب لقاء لنا مع عادل إمام ..وقد كان لنا ذلك لولا أننا عجلنا بالرحيل. * وعادل إمام في القاهرة يعز حتى على ابنه (رامي). الآن أقول إن أي طائرة مقلعة من مطار الخرطوم إلى مطار القاهرة سوف يكون ركابها في كدر وضيق وحيرة ...فغدت القاهرة خالية من دليلهم. (3) في الخرطوم كانت كل ألوان الطيف الثقافي والسياسي والاجتماعي ...موجودة في عزاه. * سبحان الله ..كيف جمع الزين بين كل هذه النقائض؟... كيف جمع بين أولئك وجعلهم شركاء في (الحزن)؟. كلهم كانوا تجمع بينهم صلة قرابة واحدة ....فقد كانوا (أخوان) للزين. وكنا كلنا في الوجعة (صلاح أحمد محمد)... شقيق الراحل المقيم. اللهم ارحمه واغفر له ...نشهد له أنه كان خادماً للإنسانية ...والمعروف والخير.