قبل أن يضمد الطرفان جراحهم وقبل أن تستبين حجم الأضرار من الجانبين جراء الاعتداء الجنوبي على منطقة هجليج الغنية بالنفط, وجراء استردادها الى الحاضنة الشمالية بواسطة القوات المسلحة السودانية, قبل ذلك كله سرت أمس انباء قوية عن نية دولتي السودان العودة مجدداً الى طاولة المفاوضات, حسبما نقلت «الصحافة» عن مصادر مأذونة في جوبا قولها إن دولة جنوب السودان ابلغت الاممالمتحدة رسمياً باستعدادها «لوقف العدائيات مع السودان من جانب واحد واستئناف المفاوضات فوراً دون شروط», وهي ذات الخطوة التى مضى اليها وزير الخارجية السوداني علي كرتي الذي أبلغ نظيره الروسي بموسكو امس الاول ان النزاع مع جنوب السودان لن يقود لنشوب حرب بين الدولتين», ونقل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على لسان علي كرتي قوله: «إن الخرطوم على أتم الاستعداد لبدء التفاوض مع جنوب السودان لتسوية النزاع بينهما حال استجاب الجنوب لذلك». إذن الخرطوموجوبا كليهما لا تمانعان في ابتدار الحوار, وطي صفحة ملطخة بالدماء والاشلاء, نتجت عن دخول قوات جيش جنوب السودان وغزوها لمنطقة هجليج, بل إن الطرفين ابديا حرصاً غير مشروط لبدء المفاوضات من جديد بعد توقف قسري أعقب الحادثة, لكن هل الاجواء الحالية مواتية لبدء الحوار بين دولتين لا تزال أجساد جرحى عملياتهما القتالية والعسكرية تقطر دما؟, يقول المحلل السياسي عز الدين المنصور إن بدء المفاوضات رهين بالرغبة الأكيدة للطرفين لطي صفحة الخلاف, وأن أصوات البندقية لم تحل يوماً بين تحكيم صوات العقل, وبدأ المنصور في حديثه مع «الأحداث» امس واثقاً من قدرة الطرفين على ابتدار المفاوضات, بيد انه عاد واشترط حدوث الخطوة بتجرد الطرفين من الإملاءات الخارجية, وان ينطلق قرارهما من مصلحة شعبيهما وليست من مطامع الدول الاجنبية, سيما ان الحركة الشعبية الحزب الحاكم في الجنوب درجت على منح اذنها – والحديث للمنصور – لجهات أجنبية وإقليمية في ادارة علاقاتها من السودان الشمالي», بيد أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يرى خلاف ما يتبدَّى في وجهة نظر ال»المنصور» معتبراً ان الاجواء مواتية وقائدة لتلاقي الرؤى حيال النقاط المختلف عليها», واردف يقول: «نحن واثقون من ان الشروط اللازمة لتخقيق حدة التوتر بين الخرطوموجوبا متوفرة.. هذا ما جاء في بيان مجلس الأمن الدولي الذي تضمن مطالب كلا الطرفين», مشدداً على ان تفيذها يسمح بالعودة الى طاولة الحوار», غير ان النقاط المحفزة الواردة في بيان مجلس الامن التي طرب لها وزير الخارجية الروسي لا تروق تماماً للمحلل السياسي عثمان المرضي, ورأى في حديثه مع «الأحداث» امس ان قرار المجلس ربما تسبب في تعكير الاجواء من جديد لجهة ان من المحتمل – والحديث للمرضي – ان يأتي البيان متحاملاً على الخرطوم, ما يقود الى توسيع الهوة الفاصلة بين الطرفين المتناحرين», منوهاً الى ان مجلس الامن الدولي لم يكن على الحياد في قضية النزاع بين دولتي السودان وانه لا تفصله مسافة متساوية عن الطرفين, واستدل المرضي ببيان مجلس الأمن غداة الاعتداء على منطقة هجليج من قبل الجيش الشعبي, وزاد: «خرج مجلس الامن بيان متحامل ادان المعتدي والمعتدى عليه في آن معا», لكن وزير الخارجية سيرجي لافروف بدأ اكثر ثقة من أن البيان المرتقب لمجلس الأمن حيال تطورات الأوضاع بين دولتي السودان, سيأتي منصفا, وقال إنه لابد أن يأتي البيان متوازناً وعادلاً, وزاد: «لن يتضمن قرار مجلس الأمن الدولي الذي يُناقش حالياً أي إشارة الى فرض عقوبات, وانه سيعكس الواقع الحالي للأوضاع بصورة موضوعية». على كل, فإن نية الخرطوموجوبا العودة الى طاولة المفاوضات, بعد فاصل عنف علا فيه صوت الرصاص, برغم انه يبدو صعبا, لكن هناك محفزات ربما تدفع بالطرفين لتغليب الحوار, سيما ان رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي جان بينغ رحب بصورة واسعة بقبول جنوب السودان «خارطة الطريق» التي تبنتها المنظمة الافريقية في محاولة لوضع حد للنزاع بين الدولتين. وهذا الترحيب تحديداً ربما يمهد للعودة للحوار بعدما اعلنت حكومة جنوب السودان رسمياً الوقف الفوري للعدائيات, وسحب جهاز الشرطة من منطقة ابيي المتنازع عليها بين الدولتين» وربما هذا على وجه الدقة ما دفع بموض الاتحاد الافريقي الترحيب بموقف حكومة دولة الجنوب, ووصفه القرار بأنه سيسهم في تهدئة الأوضاع وابتدار الحوار مجداد», يأتي هذا في ظل مبادرة دفع بها المؤتمر الشعبي الغريم التقلدي للمؤتمر الوطني الحزب الحاكم, على لسان مسؤول العلاقات الخارجية بشير آدم رحمة لتقريب المسافة بين دولتي السودان, تعتبر نادرة لجهة ان الشعبي لم يكن مهموماً يوماً بتقديم أي أطروحة لها علاقة بالاجهزة الحكومية الرسمية والتفيذية, بل إن الحزب المعروف بعدائه السافر للمؤتمر الوطني كان نهباً بصورة خاصة لتصريحات نائب رئيس المؤتمر الوطني واحد صقور الحزب الحاكم نافع علي نافع إبان ازمة هجليج. المهم ان ارتفاع الاسهم الداعمة الى عودة دولتي السودان الشمالي في بورصة التحفيزات لم تكن حصراً على الدب الروسي وحاضنته «الكرملين» مبنى البرمان الروسي المسمى ب»الدوما», لجهة ان احزاب فاعلة في تنظيم المعارضة السودانية ابدت حرصها على ضورة العودة للحوار بين دولتي السودان, وهو ما تجلى في موقف حزب الامة القومي الذي وكشف في بيان امس الاول عن عزمه تنظيم مؤتمر سلام شامل وعادل بمشاركة الاطراف المعنية لتكريس بديل السلام والحيولة دون الحرب, معلنا ترحيبه بإحالة قرار الاتحاد الافريقي الذي يتوقع أن يتبناه مجلس الامن لكي يُوجد طرف ثالث يحول دون النزاع بين الدولتين». غير ان نية طرفي الصراع العودة للحوار امر لا يكفيه توافر النوايا الحسنة وحدها, حسبما رأى المحلل الساسي عز المنصور, منوهاً الى ان ضرورة وقف العدائيات اولاً كعربون لبدء التفاوض, بالاضافة الى الاحتكام الى المواثيق بين البلدين, وزاد: «استناداً الى التجارب فإنه ليس من العسير توافق الطرفين على بنود محددة, وانه من اليسير نقض العهود المبرمة بين الجانبين», وغير بعيد عن الرؤية غير المتفائلة التي صدع بها «المنصور» فان دولتي السودان سرعان ما دخلتا في شبه حالة حرب, بعد ان اعتدت قوات جنوب السودان على هجليج, بعدة ايام معدودة من مهرهما اتفاقية وقف العدائيات والحريات الاربع. لكن على الرغم من ذلك كله يبدو رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي جان بينغ ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف اكثر ثقة وهما يبشران بامكانية العودة للحوار. انظر لبينغ لتراه يقول: «إن رغبة الطرفين في الحوار ستسهم في حلحلة الازمة», واسمع لسيرجي لافروف لتتيقن من ثقته بأن الشروط اللازمة لتخفيف حدة التوتر متوفرة», وبين الاثنين تقف جثث واشلاء ضحايا الاعتداء على هجليج ومن ثم تحريرها من قبضة الجيش الشعبي.