لم يكن ما ورد في تقرير برنامج الغذاء العالمي التابع للمنظمة الدولية وخوفه الشديد من تعرض خمسة ملايين بدولة جنوب السودان لمجاعة قوية خلال الاسابيع المقبلة مفاجئاً لقادة الدولة الوليدة فعلى ذات النسق استشعر رئيسها سلفاكير ميارديت حجم الأزمة، وأن البلد الوليد يواجه خطر المجاعة ولم يتردد الرئيس في استنكار وشجب جلوس الشباب في «البارات» طوال اليوم وغرقهم في ممارسة لعب الورق والدومينو». وقال «زمن الإغاثات ذهب وأن على شعبه أن يزرع طعامه بنفسه». وسبق أن واجه الجنوب موجة من التحذيرات حول مخاطر الوضع وضرورة توفير الغذاء وبالاضافة إلى ضرورة وجود خطط واستراتيجيات لحكومة جنوب السودان تعمل من خلالها أن تتجاوز الدولة مرحلة تشوهات المخاض إلى مرحلة طفولة تجعلها قادرة على توفير الغذاء لمواطنيها، وان يتجاوز قيادات الجنوب رحلة البحث عن الاستقلال ويكرسوا جهودهم في تحقيق الطعام للشعب بعد استفحال الامور المعيشية في جنوب السودان بعد الانفصال في العام السابق بصورة كبيرة بسبب أزمة السياسات الاقتصادية لدولة جنوب السودان وإصرارها على إيقاف تصدير النفط عبر الشمال بعد اتهامها للخرطوم بسرقة نفطها وبالاضافة إلى انتشار الفساد في الخدمة المدنية بصورة مخيفة. ويرى البعض أن افتقار الجنوب لأركان الدولة الحديثة من أكبر الاسباب التي جعلت المخاوف من تعرضه لمجاعة حقيقة وواقع، بالاضافة إلى أن طوال عمر تنفيذ اتفاقية السلام الشامل وجهت قيادات الحركة الشعبية جزءا كبيرا من أموال عائدات النفط نحو الاعمال الحربية وتدريب وتطوير القدارت العسكرية للجيش الشعبي بالاضافة إلى وجود بعض الجماعات المسلحة التي تعارض حكومة سلفا.. وكل هذا الاهتمام بالجيش كان يأتي في ظل انعدام كامل لرؤية استراتيجية للامن الغذائي في الجنوب ولا مبالاة بضرورة الاسراع في دراسة الطرق التي عبرها تجعل الجنوب يعبر منطقة الخطر، وان السياسيات الخاطئة أثرت بشكل مباشر وكبير في تضييق الوضع الاقتصادي إلى أبعد الدرجات بعد إغلاق السودان الحدود مع دولة جنوب السودان وذهب أبعد من ذلك حين منع وصول مواد غذائية إلى الجنوب وحكم على مهربي السلع بالسجن المؤبد ومصادرة سياراتهم والبضاعة التي ضبطت لصالح الاستنفار، كما أن الخرطوم أحكمت حصارها القوي على العمليات التجارية واشترطت استئنانفها بانتهاء التوترات الامنية على الحدود المشتركة والمشتعلة منذ يونيو الماضي. وسارعت دولة جنوب السودان إلى مخاطبة المجتمع الدولي لمساعدتها في معالجة الاوضاع الاقتصادية وإيقاف نزيف التدهور الاقتصادي في الجنوب. وانتهجت جوبا حلولا خارجية وداخلية لإنهاء الأزمة وتوفير الأمن الغذائي لمواطنيها. وشدد مجلس وزراء الجنوب في إحدى جلساته برئاسة سلفا كير ميارديت على ضرورة دخول المستثمرين الاجانب في الزراعة. وأعلن المجلس عزمه منح المستثمرين الاراضي الزراعية مجاناً سنوات طويلة، وان على المستثمر أن يأتي للزراعة فقط، ولكنها اشترطت الاكتفاء الذاتي ثم بعد ذلك على الشركات الاتجاه نحو التصدير، بالاضافة إلى أن حكومة الجنوب تضمن لها توفير السوق الداخلي بجانب مسؤوليتها من توفير الامن، ولكن وعلى رغم من جملة المحفزات فشلت الدولة الوليدة في استقطاب المستثمرين الاجانب لجنوب السودان وحتى التجار الذين كانوا يصدرون إلى أسواق الجنوب السلع الاستهلاكية الضرورية اتجهوا إلى اثيويبا بسبب فرض حكومة الجنوب عليهم ضرائب باهظة وفرض رسوم عبور عديدة خاصة في مداخل المدن الكبرى مما أثر على الحركة التجارية في الجنوب وانعدام المواد الغذائية بصورة كبيرة. وبالتزامن مع التقرير الاممي والقلق الداخلي والوضع الحرج كانت وزيرة الزراعة في دولة الجنوب تزور اسرائيل المعروفة بتطورها الشديد في مجال التقنيات الزراعية وأبرمت اتفاقا مع نائب وزير الخارجية الاسرائيلي على إقامة إقامة قرية زراعية في جوبا بتكنولوجيا إسرائيلية، وبالاضافة للمشاركة في المعرض الزراعي الدولي السنوي. ويرى البعض سكان دولة جنوب السودان منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل في ارتفاع مستمر، وان بعد الانفصال أصبح سكان الجنوب الكبير عبء على الدولة وبالاضافة إلى عدم وجود استراتيجية وخطط زراعية تعمل على توفير المحاصيل التي تبعد مخاطر المجاعة وان الجنوب ليس فيه مشروع زراعي يوفر له محاصيل تغني الاستهلاك المحلي وقبل ثلاث سنوات فشلت المساعي التي قادها سلفاكير شخصيا بإقناع عدد من المواطنين الذين يقطنون حول مدينة جوبا في بيع جزء من أراضيهم للدولة بهدف إقامة مشروع زراعي كبير يوفر جزءا كبيرا من احتياجات مدينة جوبا وبعض المدن القريبة منها، ولكن المواطنين رفضوا البيع وقالوا لمندوبي سلفا «أي شخص ياكل من مزرعته» الأمر الذي جعل الوضع في دولة الجنوب يتجه إلى الاسوأ كما أن المعالجات الخارجية التي كانت تعتمد عليها دولة جنوب السودان جاءت بنتائج سالبة أولها فشل مؤتمر تنمية دولة الجنوب في واشنطن بالخروج بما يبدد المخاوف التي حملها رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت إلى واشنطن، وفي نفس الاتجاه فشل نائبه رياك مشار في الحصول على ضمانات قوية من نافذين في المملكة العربية السعودية في ترتيب الرياض لعقد مؤتمر للاسثتمار العربي في دولة جنوب السودان. وقالت بعض المصادر إن خطوة مشار كان يجري الترتيب لها قبل انفصال الجنوب، وأن اتحاد مسلمي جنوب السودان كان له دور كبير فيها ولكن هناك بعض الجهات أرسلت رسائل إلى الرياض عبرت فيها عن عدم رضاها عن الطريقة مما جعل مشار يغير وجهته إلى الامارات العربية لنفس الغرض ولكنها أيضا فشلت بعد أن تفشت السمعة السيئة للاوضاع الامنية في الجنوب في بعض الدول العربية مما جعل بعض المستثمرين العرب يعد مشار بدراسة بعض المشروعات التي يمكن أن يجري تنفيذها في الجنوب وعليه أن ينتظره في جوبا لإكمال بعض التفاصيل الإدارية.