ظل تعليم الكوادر التقنية وإعدادها في السودان يوجه مشاكل عدة لازمته بصفة شبه دائمة مما أثر في التوسع فيه وضمور الفرص المتاحة له. وقبيل بداية العقد الأخير من القرن العشرين وضعت بعض الحلول لتلك المشاكل أهمها أحد قرارات ثورة التعليم العالي (ديسمبر 1989م) الذي قضى ب»إلحاق المعاهد والكليات المتخصصة بالجامعات القائمة، على أن تمنح الدبلوم إلى جانب البكالوريوس « وفي تطور لاحق أنشئت الكليات التقنية وأسند الإشراف عليها في «هيئة التعليم التقني» التي أنشئت هي الاخرى في كنف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. ثم كانت آخر التجديدات التربوية في الشأن إنشاء «المسار المستقل للتعليم التقني والتقاني» بصدور «قانون تنظيم التعليم التقني والتقاني لسنة 2010» وقيام المجلس القومي للتعليم التقني والتقاني. ومن ثم تأرجحت تبعية هيئة التعليم التقني والكليات التقنية مابين وزارة التعليم والبحث العلمي والمجلس القومي للتعليم التقني والتقاني. وحسم الأمر بصدور الرأي القانوني لوزير العدل بتأكيد تبعية الهيئة والكليات التقنية للمجلس القومي للتعليم التقني والتقاني. وقبل الدخول في تفاصيل القبول للكليات التقنية ينبغي أن نعلم ما المقصود ب»التعليم التقاني»حسب التفسير الوارد في المادة( 2 ) من قانون تنظيم التعليم التقني والتقاني لسنة 2010م والتي تنص على: «التعليم التقني» يقصد به جميع المستويات العلمية التي تشمل دراسة التقانات والعلوم النظرية والعملية والدارسات والجوانب المتعلقة بممارسة المهنة في شتي التخصصات بغرض إعداد التقانيين وفق المسار التقاني المتدرج من البكالوريوس التقاني إلى الدراسات العليا». أما التعليم التقني يقصد به «العملية التعليمية التربوية النظامية التي تشمل الإعداد التربوي واكتساب المهارات والمعرفة العلمية في المرحلة الثانوية...» بينما يقصد بنفس العبارة (التعليم التقني) في التعليم العالي، تعليم يقدم بعد المرحلة الثانوية في الجامعات والكليات والمعاهد العليا يمنح بعدها الخريج الدبلوم التقني بعد (3 سنوات دراسية). من ذلك نرى أن عبارة تحمل مفهومين مختلفين في المنظومة الواحدة للتعليم في البلاد. اّخذين بعيني الاعتبار كلما ورد اّنفاً عن التعليم التقني والتقاني سيتم القبول للكليات التقنية للعام الدراسي الجامعي 20122013 م تحت مظلة المجلس القومي للتعليم التقني والتقاني (تم القبول في العام الماضي تحت مظلة وزارة تنمية الموارد البشرية) المسئول عن «رسم السياسات العامة للقبول والمواد المؤهلة لمواصلة التعليم التقني والتقاني... « (المادة 6 (1) (ك) من قانون تنظيم التعليم التقني والتقاني لسنة2010). وتلك السياسات والمواد المؤهلة المنصوص عليها في هذه المادة تكون للقبول في المؤسسات التقنية والتقانية التي لم تحدد أنواعها في القانون كما في قانون تنظيم التعليم العالي والبحث العلمي لسنة1990م حيث تنص المادة 11 تحت «أنواع مؤسسات التعليم العالي «على» تتكون مؤسسات التعليم العالي من المؤسسات الآتية وهي: (أ) الجامعات التابعة للدولة. (ب) الكليات والمعاهد العليا التابعة للدولة. (ج) الجامعات والكليات والمعاهد الأهلية والأجنبية. وإذا تجاوزنا عدم تحديد أنواع مؤسسات المسار التقاني في القانون من الصعب استمرار مسمى «الكليات التقنية» اّخذين بعين الاعتبار تفسير عبارة «التعليم التقني» أعلاه. وأهم من ذلك الدرجة العلمية التي تمنحها تلك الكليات كما وردت في دليل القبول لمؤسسات التعليم العالي للعام الدراسي الجامعي 20122013 م الصادر عن الإدارة العامة للقبول وتقويم وتوثيق الشهادات بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي (ص172):»الكليات التي تشرف عليها الإدارة العامة للتعليم التقاني سبع عشرة كلية تمنح الدبلوم التقني خلال فترة دراسية مدتها ثلاث سنوات (ستة فصول دراسية) الشروط الخاصة لدبلومات الهندسة للكليات التقنية هي: الرياضيات المتخصصة. . الخ» لاحظ أن الكليات تقنية والإشراف عليها في إدارة عامة للتعليم التقاني وفي ذلك خلط بين ما هو تقني وتقاني حسب تفسير القانون. أما الدرجة العلمية «الدبلوم التقني» غير منصوص عليها في القانون وكان الرئيس السابق للمجلس القومي للتعليم التقني والتقاني يحمل رؤية غير ايجابية لهذا الدبلوم كغيره من الدبلومات الوسيطة التي وصف مخرجاتها في لقاء صحفي مع مجلة «المسار التقاني» العدد الأول يناير 2011 التي تصدر عن الأمانة العامة للمجلس القومي للتعليم التقني والتقاني بأنها تمثل: «معلماً سالباً في النظام التعليمي الحالي»! والوضع كذلك وطالما أن الدراسة لازالت تقدم على مستوى الدبلومات التقنية كان من الأفضل أن تظل تبعية الكليات التقنية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حتى نتمكن من تقديم الدراسة»... وفق المسار التقاني المتدرج من البكالوريوس التقاني حتى الدراسات العليا « تحت إشراف المجلس القومي للتعليم التقني والتقاني حسب ما نص عليه القانون. على إية حال يبقى السؤال: ماذا تريد الدولة، تعليم تقني تحت إشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي يقدم على مستوي الدبلوم التقني مع إتاحة فرص التجسير (التصعيد) لدرجة البكالوريوس العامة وفق ضوابط وأسس محددة، أم تعليم تقاني تحت إشراف المجلس القومي للتعليم التقني والتقاني يتدرج من درجة البكالوريوس حتى الدراسات العليا ؟ وذلك في وجود قانونين متعارضين حسبما يتضح في قرار المجلس الوطني رقم (25) لسنة 2011م في دورة الانعقاد الثالثة والخاص بإجازة تقرير أداء وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لسنة 2010م وخطتها لسنة 2011م، حيث أوصي ب»مراجعة قانون تنظيم التعليم التقني والتقاني لسنة 2010م لازالة التعارض بينه وبين قانون تنظيم التعليم العالي والبحث العلمي...».. وبناء على ماسبق ذكره وما خرج به المؤتمر القومي للتعليم (18 فبراير 2010م) لابد من تصحيح المسار الكلي لمنظومة التعليم في البلاد من أجل إتساق العملية التعليمية وكافة التشريعات المتعلقة بها بفهم وجهد مشتركين للمسئولين في مختلف قطاعات المنظومة وكافة مراحلها في المسار التقليدي (التعليم العام والعالي) والمسار المستقل (التعليم التقني والتقاني)... } جامعة العلوم والتقانة أم درمان.