لا يكاد حلم القوى السياسية باسقاط النظام يخبو حتى يستعيد بريقه مجددا, ويسترجع ألقه من جديد, وصولا إلى إنهاء احتكار المؤتمر الوطني لحكم البلاد منذ أكثر من عشرين عاما, وفي الوقت الذي تكسرت فيه محاولات أحزاب المعارضة الساعية إلى اسقاط النظام أمام عدم استجابة الشعب لدعاويها المتكررة للخروج إلى الشارع مرة, وأمام جبروت النظام الحاكم ممثلا في آلته العسكرية التي سرعان ما تقمع المتظاهرين والمحتجين كيفما اتفق مرات آخر, لكن مع ذلك لا تزال قوى المعارضة ممسكة بالمنديل رافضة إلقائه على الأرض اعلانا للاستسلام. وتتمسك أحزاب المعارضة في كل مرة بنيتها تطوير آلياتهم النضالية, وابتداع طرائق جديدة تسهم بصورة فاعلة في إسقاط النظام. بيد أن تطوير المعارضة لطرائقها النضالية, ربما لا يرقى لمصاف الحادثات التي تجري في البلاد, وفي الوقت الذي اعلنت فيه الحكومة رفع الدعم عن المحروقات, اكتفت المعارضة بوقفة احتجاجية نفذها رؤساء الأحزاب قبالة دار الحزب الوطني الاتحادي, لكن هذه الوقفة تبعتها بعض الاحتجاجات هنا وهناك مستهجنة نية الحكومة زيادة أسعار المحروقات, ولاسيما أنه يلقي أعباءً اضافية علي كاهل المواطن, وفي الوقت الذي انتظمت بعض الجامعات مظاهرات محدودة ضد القرار, أكدت المعارضة أنها عازمة على تعبئة الشارع وصولا إلى إسقاط النظام, بعدما تبين فشل إدارته للبلاد وبروز مشكلات سياسية وأمنية واقتصادية طاحنة، ومع أن أحزاب المعارضة طرقت قبل ذلك باب التظاهر لاسقاط النظام مرارا إلا أن محاولاتها تكسرت عند عتبات كثيرة, لكن مع ذلك فإن فاروق أبو عيسى الرجل الذي يقف على سدة الهرم التنظيمي لأحزاب المعارضة قال في غير مرة وفي الكثير من تصريحاته الصحفية بأن تحالفهم بصدد ابتداع آليات جديدة لإزاحة النظام من كراسي الحكم عبر عمل نوعي لم يسمه، وهو ما قلل من أسهم المعارضة في بورصة التاييد الشعبي, لجهة أن المواطن لا يرى أيما نزر جدية لإسقاط النظام نابعة من أضابير الأحزاب, وهو ما اعتبره المحلل السياسي عز الدين المنصور في حديثه مع "الأحداث" أمس "معوقا أساسيا أمام خطوات المعارضة لازاحة المؤتمر الوطني من سدة الحكم". وغير بعيد عن حديث "المنصور" عاليه فإن مسؤولة الاعلام بهيئة قوى الاجماع الوطني مريم الصادق المهدي عممت رسالية نصية عبر هاتفها قالت فيها إن "أحزاب المعارضة ستعبر عن رفضها لقرار زيادة المحروقات بلبس شارة في اليد اليسرى". وهو ما عدّه "المنصور" يأتي دون طموحات وتوقعات الشارع. فشل أحزاب المعارضة في اتخاذ مواقف جريئة ضد سياسة النظام, بجانب أنه جرّ عليها سخط الجماهير, فإن تسبب في أن يمطرها كادرات المؤتمر الوطني الحزب الحاكم بنعوت وأوصاف تصل إلى السخرية والتهكم في أحايين كثيرة, ومعلوم أن قادة المؤتمر الوطني لم يتوانوا يوما في وصم المعارضة بالضعف والهشاشة, هو ذات ما مضي اليه البرلمان أمس عندما قلل من تهديدات المعارضة بالخروج للشارع بعد رفع الدعم عن المحروقات. وسخر نائب رئيس البرلمان هجو قسم السيد أمس الأول من تهديد المعارضة بالخروج للشارع. ومضى يقول: "قد تخرج المعارضة للشارع لكن من الذي سيخرج معها"، اللافت أن قناعة نائب رئيس البرلمان بعدم مساندة الشارع للمعاضة حال خرجت ضد زيادة المحروقات, جعل الرجل يشدد على ضرورة أن تتعامل الحكومة بشفافية مع المواطن وأن توضح له حقيقة الأزمة الاقتصادية. وزاد: "لابد من ايجاد معالجات للازمة من أجل كسب ثقة المواطن, داعيا إلى أن تبدأ الحكومة المعالجات بنفسها". الشاهد أن حديث "هجو" الذي قلل من قدرة المعارضة علي الخروج للشارع أو تحريك المواطنين للتظاهر, أمر التفت حوله بعض الآراء المؤيدة, مما يجعل المعارضة في مرمى نيران الجميع, فالمواطن نفسه ابدي سخطه من المعارضة, وقال بعض المواطنين الذين استطلعتهم (الأحداث) أمس "أن المعارضة ضعيفة إلى الحد الذي باتت فيه تعمل من أجل إثبات وجودها, متجاهلة قضايا المواطن وأنها انشغلت بالملاسنات مع الحزب الحاكم والمساجلات غير المجدية, اضافة إلى تفككها بسبب خلافاتها الداخلية"، وهو ما لا يروق تماما لرئيس هيئة قوى الإجماع الوطني فاروق أبو عيسى, معتبرا في حديثه مع "الأحداث" أمس، مؤكدا أن الواقع في الشارع السوداني الآن يقول غير ذلك. ومضى أبو عيسى إلى أن ما جاء به نائب رئيس البرلمان هجو قسم السيد من تقليل من تهديد المعارضة بالخروج للشارع ومقدرتها على تحريك الشارع اعتبره أبوعيسي حديثاً خالياً من المنطق، وهو لا يتعدى خانة "المهاترات". وزاد "هذه مجرد مهاترات لا أود الخوض أو الدخول فيها، وهي تأتي من اشخاص ليس لهم دور سياسي، ولا وجود في العمل الوطني". ويعود المحلل السياسي عزالدين المنصور منوها إلى أن المعارضة فاشلة حتى الآن في جذب الجماهير إلى سوح الاحتجاج, وأن الحكومة هي الأخرى عاجزة عن ايجاد ضمانات لعدم خروج الشعب إلى الشارع, منوها في حديثه إلى أن الشعب السوداني يعاني اهمالا من الحكومة والمعارضة معا, وأن كلا الطرفين يعيشان في عزلة عن المواطن, مشددا على أن تعبئة الجماهير للاحتجاج لا تتأتى بالتمنيات, وأن ضمان عدم خروج المواطن الى الشارع لا يجيء بالمسكنات والمعالجات الفوقية.