{ يحرص على تلبية كل الدعوات التى تصله مهما كانت شواغله إلا دعوة رجل واحد ظلت وعلى الدوام تكلفه اعتذاراً وإن تهيأت لها الظروف والأسباب. الرجل يدرك حتمية اعتذار صاحبه ورغم ذلك يرسل دعوته إليه وكأنه يتفحص حواشى الاعتذار فى كل مرة وصولاً لحقيقة أسبابه، ورغم تكرارها لم يتمكن الرجل من التقاط سبب واحد يبنى عليه موقفاً تجاه صاحبه. { عجزت كل محاولات الرجل عن فك طلاسم الاعتذار المتكرر وقد استعان بأصدقاء كٌثر ونصب دعوات عديدة فشلت فى اصطياده. سكتت الدعوات لأشهر ولم تسكت هواجس الرجل التى تتصاعد كلما سمع باستجابة صاحبه لدعوة ما، وأكثر ما يزيد الأمر تعقيداً وتهجيساً أن صاحبه يحرص على دعوته ويحرص هو على الاستجابة مهما كانت ظروفه. { بدأت تنتاب الرجل موجة من تأنيب النفس وانتقاد استجاباتها المتكررة. قرر مقاطعة دعوات الرجل التزاماً بمبدأ التعامل بالمثل، وبالفعل غاب عن دعوة احتشد إليها كافة أصدقاء الرجلين، وانتظر مترقباً ردة الفعل من الأصدقاء ومن صاحبه وقد أعد لنفسه أسباباً ومرافعة اجتماعية ستهزم كل محاولاتهم لكسر المقاطعة وحمله ليلحق بالدعوة. { أغلق هاتفه وجمع أسرته حوله وأطفأ كافة أنوار البيت عدا أنوار الهول وبدأوا مشاهدة فيلم عن حرب فيتنام. الأسرة بكاملها أخذها الفيلم تماماً عدا والدهم فقد أخذته هواجسه وتصوراته بعيداً عن الفيلم، باله مشغول بما يدور هناك من تداعيات بسبب غيابه، هل افتقدوه؟ هل افتقده الرجل تحديداً؟ أم تجاهله كما يتجاهل دعواته؟ أسئلة تسقط تباعاً تصرفه عن أحداث الفيلم حتى انتهى ونهضت الأسرة الى طعام عشاء تناولوه كما تناولوا أحداث الفيلم عدا والدهم فقد كان حظه من طعام العشاء مثل حظه من أحداث الفيلم. تفرقت الأسرة لتنام بعد سهرة عائلية غابت عن ديارهم لسنوات. { التقط الرجل هاتفه لعله يجد من رسائل المكالمات غير المستلمة ما يعزز ثقته فى نفسه ولكن خابت آماله. لم يطرق أحد. حتى بقية الأصدقاء ناصروا صاحبه ولم يفتقدوه، كيف لا يحدث ذلك وهو صاحب الدعوة. { مضى مطرقاً ومثقلاً وحزيناً الى ساحة منزله الخارجية وأذناه تستقبلان موسيقى جنائزية تعزيه، رمى بنفسه على أحد الكراسي وبعد أن استقر تماماً بدأ ينزع رأسه ونظراته من تحت قدميه يستقبل سماءً احتشدت فيها النجوم، والقمر يمضى مسرعاً نحو غايته. {تتبع القمر لساعة كاملة وتنقل بين النجوم حتى أعاده الى الأرض طارق على باب منزله، نهض وجلاً وقد سبقته نظراته مخترقة الباب دون أن تتعرف على الطارق، اندفعت قدماه نحو الباب. كانت المفاجأة المذهلة. أمامه صاحبه، عجزت يده أن ترتفع مصافحةً ولم ينطق بكلمة، خارت قواه وتسمر فى مكانه. { التقط صاحبه يده وكأنه يقبل يد شيخ صوفي كما يفعل الحيران وهم يمارسون أدباً صوفياً. بدأ يستنطقه تحيةً وسلاماً. وقبل أن يدخلا ينتبه الرجل لخطته التى نجحت فى كسر حالة المقاطعة وبدا متهيئاً ليلعب ذات الدور الذى صبر عليه سنوات وينتصر لنفسه وثقته فيها وعزته. { أسقط الطارق سؤالاً: (مالك ما جيت، إن شاء الله المانع خير؟) أجابه الرجل بذات الإجابة التى لامست أذنه قبل سبع سنوات حين أسقط ذات السؤال على صاحبه آنذاك. { قبل أن يمر أسبوع أقام الرجل دعوة هى فى الحقيقة اختبار لصاحبه فكان أول القادمين ومن يومها طوى الرجل صفحة هواجسه ونجح فى تصويب علاقة صاحبه به وخلصها من الوسواس الاجتماعى الذي يقودنا الى مواقف وتصرفات شيطانية غير مبررة، فكم من مشكلة حطمت رباط أسر وعوائل ظل قائماً لعقود بسبب تصرفاتنا غير المبررة وأحياناً لسوء فهم نهدر طاقات وأموالاً وأنفساً بسبب لا شيء وقد انتقل التكتيك والتكنيك الى الممارسة الاجتماعية فحرمها سلامة الفطرة.