الآن نخطوها الخطوة الزمنية خارج الوقت العادي والمألوف واليومي نثبت أقدامنا على عتبة وقت (رمضان) العظيم نسعى أن يكون حساب أعمالنا فيه يومياً، كما أيام الله سبحانه، بألف سنة من قراءة القرآن الكريم والتسبيح وتكثيف الروح الديني حتى بحضور المحاضرات والجلسات وربما السماع للندوات لشيوخ من خارج المكان والزمان السوداني.. لتعويض ذاك الذي خطونا بعيداً عن أراضيه إهمالاً وتناسياً وتقاعساً نحاول ترميم وجهنا أمام الله تعالى بأن هذا الشهر سنسرفه تماماً للعبادة والتفكر في شؤون من غيرنا والشعور الصادق غير المتذمر من الجوع والعطش والحر بمن هم يصومون يومياً بلا شهر فضيل لنقص في الأموال والطعام والماء ثم الأنفس. { وفي نفسي بعيداً يتباعد الصدى (رمضان جانا الله أدانا خيرو كتير ورزقو وفير) فهكذا كنا نغنيه حدثاً يشغلنا صغاراً الباحثين عن ولائم الرحمتات وبقايا الوجبات والبلح اللّين الحلو وآخر (جغمة) في جك العصير المخلوط أو المبلول المركزة السكر قبل الكبار المحاسبين بفضل الجوع والعطش والتهجد والتقشف، ...إلخ.. ونسعى أن نتعوده كما نرى أسيادنا الآباء والأمهات فندّعي الامتناع عن الأكل ونذهب خبثاً بعيداً عن العيون المتعبة والمراقبة لظرفنا الصيامي لنأكل ثم نمسح فمنا بالتراب دليل الجوع والعطش، وتنتهي حيلتنا الساذجة أوان تجهيز الغداء اليومي لنا وسماح الكبار بأن نأكل نصف يوم ونحتسب النصف صياماً غير مكتمل النصاب ونتعلم عبر تمريرات الآباء والأمهات الذكية غير المفرطة في الفضح أن الأكل بعيداً عن العيون يراه الله قبل العيون وأن الله هو من يحاسب الناس لا الناس.. فنخافه ثمّ نعلن إفطارنا خوفاً من عقاب الله غير المرئي ولا المعروف.. لكننا نجتهد بذات التربية تلك أن نأكل كثيراً كي نكبر سريعاً ونصوم طوال اليوم. { واليوم أولى خطوات الشهر الكريم بأبواب أرواحنا وبيوتنا يدخلنا متمهلاً في عشراته الأولى يبقى قريباً من رهق التعوّد على العادات اليومية من المكيفات العادية الشاي سادة وباللبن القهوة سادة وباللبن برضو والسجائر والعماري والشيشة والخ... المتحولة الى مسمار صداعي الدق لا يرق لحال روؤسنا الخفيفة، الى المكيفات غير العادية من النميمة ونقل الأحاديث فلا تراهم إلا ناقلين جيدين للثرثرات والونسات يتلذذون بتوقيع أسفل أوراق العلاقات الإنسانية بتوقيعهم النميمي ويمتلئون بالزهو القاطع. وهم فئة موجودة داخل كل مكان يزيد عدد الناس فيه عن أصابع اليد الواحدة حتى داخل البيوت وبين الإخوان وهذه تحوّل طعم اللسان الى مُر دوناً عن أي حلو وعشرة رمضان الأولى ترتيب داخلي لنا كي نشاهد مترفقين أنفسنا وعاداتها اليومية كيف تذهب جفاءً غير مأسوف عليها حزينة من طول المدة التي أجلستنا جوارها وجعلتنا نعبد سيطرتها على مزاجاتنا اليومية فيرانا الشهر متيقنين أنه عقب مضيه سنلتزم بالانقطاع عن عاداتنا اليومية.. وهل نفعل؟ { وتأتي العشرة الثانية موغلة في الروح أكثر ومباريات صلوات التراويح عن النفس والجسد الممتلئ بالعصائر والبلايل والمدائد... وإلخ بجانب السحب السريع لجائزة ختم القرآن الكريم مرتين قبل نهاية الثلاثين يوماً كيف يكون بهذا اليسر والجمال الانسيابي الرقيق؟ كيف لا نحسه كعدد مهول من السور الكريمة والآيات وأرقام الصفحات نتلمسه فينا برداً ومياهاً عذبة تنزل جوفك العطشان فيبتل وتبتل عروقك فتنعس وتنام مطمئناً الى هذا السلام والى أنه هناك متسع من الوقت ستكمل فيه ما تيسر لك من القرآن الكريم.. دون حاجة الى سباق شهر. { وبكرم من الله لا يناسبنا كبشر خطائين بمحاولاتنا للتوبة المترددة جعل من العشرة الأخيرة لثلاثين رمضان حالة من العتق لنا من السموم المتمكنة في أجسادنا من الوجبات والأكلات السريعة والدهون والرغبات وتخليص لنا بحسب اجتهادنا في الشهر الكريم وما تليه من أيام من نار النفس الأمارة بالسوء الباحثة عن التهلكة الغذائية والروحية والعقلية فتكون العشرة وبحساب يوم الله الذي هو ألف عام كثافة حسابية فقط بالأرقام والكسور العشرية تعدّ لك ما استطعت من قوة تحمل ويقين روحي تخبرك بأنك فيها ستنال لا شك جائزة حسن السير والسلوك الرمضاني بعدم السباب على الفارغة والمليانة وعدم إهدار الزمن الكبير في نوم من أول اليوم حتى مواقيت آذان الفطور بعدم تضييعنا فرصة من الله مباشرة لك ولا وسطاء فيها إلا أعمالنا كي نحسّن علاقتنا مع أنفسنا وعاداتنا اليومية المرهقة التي تخسرنا أكثر من الذي نكسبه منها.. بحساب الوقت والمال وأن نحسن إدارة الوقت فاليوم هنا بألف عام، فلا نغرق في قصص (الحاجة زهرة) ولا نبحث مطولاً عن (العقيد أبو شهاب) أو تسرقنا الضحكات مع (أبو جانتي) وكاميراتهم المخفية أو ننصت لهمس (الحكايات السودانية) ونخفض عالي الأغاني الرمضانية سؤال يحيرني طويلاً: لماذا تكثر قنواتنا المحلية من الأغنيات والإقليمية من المسلسلات في رمضان فقط؟! ولا ريبَ أن نتأمل الفكرة الإنسانية العظيمة من الصوم بالتجويع والتعطيش الاختياري هذا ومعرفة أن في ختام تجلّدك ستكسب ما لذّ وطاب، لكن ماذا عن الذين يجوعون ويعطشون ولا ينالون إلا فتات الفتات وربما بأقل مما تجتهد النملة في جمعه شتاءً. فحتماً سنتمكن من مشاهدتنا على شاشات رمضان القادم ولا أحلى ومتجمعين ومجاوبين بروح طيبة ومزاج خالٍ من الكافيين على سؤال فاطر كيف؟ فقد جربنا صايم كيف؟