أعلنت حكومة جنوب دارفور اتجاهها الى إفراغ معسكر كلمة من النازحين، ووضعت أمام قاطني المعسكر الذين تقدر أعدادهم بأكثر من (100) ألف نازح خياري العودة الطوعية الى مناطقهم الأصلية التى نزحوا منها او تمليكهم قطعاً سكنية مجانية بمدينة نيالا. وجدد والى الولاية عبد الحميد موسى كاشا اتهاماته للبعثة المشتركة من الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي (اليوناميد) فى موتمر صحفى عقده الثلاثاء 9 اغسطس 2010 بالمركز السودانى للخدمات الصحفية، بتمرير أسلحة الى المعسكر، وقال إن كثيرا من أسلحة اليوناميد استخدمت فى مواجهات ضد القوات النظامية، وأوضح أن معسكر كلمة تحول الى قيادة عسكرية لحركة عبد الواحد وأن معلوماتهم أكدت أن بعض النازحين حفروا خنادق ولديهم أسلحة ثقيلة، مشيرا الى أن حكومته قيدت (30) بلاغا جنائيا ضد المتهمين فى الأحداث الأخيرة الذين نبه الى انهم احتموا بالبعثة المشتركة. خطوة حكومة جنوب دارفور المفاجئة تشير الى أن سحابة التوتر والحذر مازالت تغطى سماء المعسكر الذى شهد 29 يوليو الماضى أحداث عنف راح ضحيتها (5) نازحين وجرح (15) بأيدي مجموعة قالت حكومة الولاية انهم ينتمون لحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور، وانهم هاجموا عدة مواقع داخل (كلمة) واستخدموا الأسلحة النارية الثقيلة والخفيفة. فى وقت لم ترواح مسألة رفض البعثة المشتركة تسليم (6) من عناصر عبد الواحد اتهموا من قبل حكومة جنوب دارفور بالتسبب فى الأحداث مكانها رغم ما تواتر عن اتفاق بين الطرفين قضى بتسليم المتهمين الى الحكومة لجهة التحقيق معهم. ويرى مراقبون أن اتجاه عبد الحميد كاشا لإفراغ معسكر كلمة أحد همزات خطاب الحكومة فى استراتيجيتها الجديدة لمحاصرة وحل أزمة دارفور، وأشاروا الى أن الخطوة تعد إنفاذا لتوصيات سابقة للجنة التحقيق التى شكلها والى جنوب دارفور السابق على محمود سبتمبر 2008 للتقصى حول أحداث معسكر كلمة اواخر اغسطس من نفس العام التى راح ضحيتها - بحسب تقارير حكومية - (31) قتيلاً و(49) جريحاً ومن النازحين وكذلك عدداً من القوات النظامية، وأكدوا أن الاشتباكات وقعت عندما حاولت حكومة الولاية إفراغ المعسكر من النازحين والقبض على مطلوبين من حركات دارفور جعلوا من المعسكر نقطة انطلاقهم لتفجير الأوضاع الأمنية بالمنطقة عبر اعتداءاتهم المتكررة على المسؤولين الدوليين والحكوميين ومهاجمتهم أطواف القوات النظامية والقوافل التجارية وغيرها من أعمال النهب، ونبهوا الى أن الحكومة فشلت حينها فى مسعاها بتفريغ المعسكر وجلبت على نفسها سخط المجتمع المحلى والدولى على السواء للحد الذى قاد الحركة الشعبية بولايات دارفور الثلاث الى تجميد نشاطها في السلطتين التنفيذية والتشريعية لفترة تقارب الثلاث اشهر، وتقديم (6) من قيادات المؤتمر الوطني استقالاتهم من حكومة الولاية، يضاف الى ذلك قول المبعوث الأمريكي الخاص للسودان السابق ريتشارد وليامسون فى تصريحات صحفية بعيد الأحداث، إن قتل المدنيين في معسكر كلمة أثار قلق واشنطن. وكانت اللجنة قد أوصت فى تقريرها بتفريغ المعسكر وتوزيع ساكنيه في أربعة معسكرات حفاظاً على سلامة النازحين، وطالبت بوجود القوات النظامية بالمعسكر مع إشراف ورقابة مفوضية العون الإنساني على المنظمات العاملة، وعقد محاكمات عادلة للمتهمين تحفظ لكل الأطراف حقوقهم. إذن، مرة أخرى تسعى الحكومة الى إفراغ معسكر كلمة الذى يعد أحد أكبر معسكرات النازحين بولايات دارفور الثلاث من حيث المساحة وعدد السكان ومعارضة الحكومة، ولكن عدة أسئلة تتمدد على سطح تسارع الأحداث.. ما مدى تأثير المعسكر على مجريات حل مشكلة دارفور؟ وهل ستفلح الحكومة بعرضيها اللذين دفعت بهما الى طاولة النازحين إقناعهم بحزم أمتعتهم والرجوع الى مناطقهم الأصلية التى نزحوا منها او تملك قطعة سكنية مجانية بمدينة نيالا بعد طول إقامة امتدت لأكثر من (6) سنوات تاريخ تدفق النازحين الى مدن وعواصم ولايات دارفور إثر اشتداد المعارك بين الحكومة وحركات دارفور المسلحة! المحلل السياسى، الناشط فى شأن دارفور، عبد الله آدم خاطر ينبه الى أن إعلان حكومة جنوب دارفور تفريغ معسكر كلمة لا يعدو أن يكون محاولة لإخفاء ما أسماه بفشل الحكومة فى إدارة ملف الدوحة والوصول الى تفاهمات مع أطراف النزاع، وقال أنه ذر رماد فى العيون ووسيلة غير ذات جدوى، محذرا من خطورة الاتجاه الى تفريغ المعسكر بالقوة الجبرية، وأوضح أن الأمر مدعاة لتفاقم الأزمة وحدوث احتقان وتصعيد للتوتر، وعلق: أعتقد أن السير فى ذلك الاتجاه كأنما هو إنتاج للأزمة والمشاكل. ورأى خاطر فى حديثه ل(الأهرام اليوم) أن على الحكومة بدلا عن السعى لتفريغ المعسكر التركيز على إنجاح العملية التفاوضية بالعاصمة القطرية الدوحة ودعم مبادرات أهل دارفور لحل الأزمة والاستعانة بالمستنيرين والمثقفين وأصحاب الرأي من أهل الإقليم بالإضافة الى المساعدة فى أن تسير الأوضاع بدارفور الى طبيعتها عبر مشاريع التنمية وتوفير الخدمات، منوها الى انه يمكن الإشارة الى تجاوز مرحلة التهديدات الأمنية وان عليهم الاستعداد لما بعد توقيع اتفاق سلام دارفور فى ابوجا لاستكمال السلام المنتظر وتهيئة المناطق الأصلية للنازحين، وقال إن الجهد يجب أن ينصب فى العملية السلمية بدلا من ذاك الاتجاه وعندها سيعود النازحون الى مناطقهم دون شروط بعد أن اكد أن الفرصة مازالت موجودة. وتتحرك الحكومة فى سعيها الدؤوب لإفراغ معسكرات النازحين بصورة عامة ومعسكر كلمة بشكل خاص من زاوية اعتقادها أن المعسكرات تمثل الوقود الذى يعبئ الحركات المتمردة من جهة والمنظمات الأجنبية والمحلية المناهضة للحكومة الحالية من جهة أخرى بالإضافة الى كونها - أى المعسكرات - إحدى العلامات الواضحة الدالة على وجود مشكلة دارفور بجانب الميزانيات الضخمة التى ظلت الحكومة تدفع بها لجهة السيطرة على الأوضاع الأمنية والإنسانية للحد من خطورة تلك المعسكرات. ويبدو واضحا أن خطة إفراغ المعسكرات من النازحين - التى كانت ضربة البداية لها إعلان حكومة جنوب دارفور اتجاهها إفراغ معسكر كلمة - تمثل إحدى حلقات استراتيجية الحكومة الجديدة ذات المرتكزات ال(8) لتحقيق السلام الشامل والأمن والتنمية بالإقليم المنكوب. ولكن يظل السؤال على اتساعه: هل تقنع الخيارات المطروحة النازحين بالعودة الى مناطقهم التى لم تعد كما كانت؟ وسط مخاوف بعضهم بأن المهددات الأمنية لم تنتفِ بالشكل الذى يمكنهم من ممارسة حياتهم الطبيعية كما ألفوها قبل نشوب الصراع؟ أم أن الأمر يحتاج الى مزيد من الخيارات يأتى فى مقدمتها إنجاح العملية التفاوضية مع كافة أطراف النزاع بما فى ذلك الحركات الموقعة على اتفاق سلام مع الحكومة لا سيما وأن حركة منى اركو مناوى على لسان ناطقها الرسمى ذو النون سليمان انتقدت استراتيجية الحكومة الجديدة بشأن دارفور واعتبرتها تجاوزا وتناقضا صريحا لاتفاق ابوجا وقالت إن من شأنها تعقيد الحل السياسي بالإقليم.